خمس دقائق تكفي
بخيت طالع الزهراني
** كنت ذات مرة مسافرا من جدة إلى الباحة ومعي أختي التي تم تعيينها موظفة هناك، وبعد وصولنا لمطار الباحة استأجرت سيارة للحاق بإدارات حكومية بمدينة الباحة، وعندما وصلنا باب الادارة ارتفع نداء الحق معلناً صلاة الظهر، وظلت المرأة بالسيارة، فيما دخلت أنا الادارة لكنني وجدت الموظفين وقد تركوا مكاتبهم لأداء الصلاة، وكنت متوضئا كعادتي وبقيت أبحث عن مفارش الصلاة، فقالوا لي لا صلاة هنا، وإنما في المسجد خارج الإدارة!!
** ذهبنا للمسجد وأدينا صلاة الظهر، ثم قام أحد الاخوة يلقي موعظة، فجلس الموظفون يستمعون لها لمدة قاربت الـ 40 دقيقة،فيما أنا قد غادرت المسجد ظنّاً مني أن الموظفين سيعودون بعد الصلاة، لأداء "واجبهم" الأهم وهو خدمة عباد الله، ومنهم أمثالي المستعجلون والقادمين من مسافات بعيدة، والدقيقة الواحدة "تفرق" معهم!!
* عاد الموظفون بعد ساعة وعشرين دقيقة من الصلاة والاستماع للموعظة، والاخيرة من الاستماع للموعظة أظنها في حكم الشرع أقل من "الواجب" ولكن ماذا يمكن ان تقول لموظف ربما يفرح بأن يتأخر عن واجبه، وإذا ما حاججته، حاول إلقامك كلاماً كبيراً أمام الآخرين، يداري به جهله وتسيبه الوظيفي، ويجعلك انت المخطئ لأنك انتقدت انساناً يحب المسجد ولن يترك الموعظة بعد الصلاة من أجل العودة لخدمة المراجعين القادمين من كل الاتجاهات.
** الطريف في الموقف - وهذا والله العظيم لقد حدث - أن حظي السيئ قد رماني على موظف، مازال لم يحضر، فسألت عنه بإلحاح عددا من زملائه، إلى أن طرحوا بين يدي فرضية أنه اعتاد الذهاب إلى قرية مجاورة، حتى إذا ما انتهى زمن الصلاة، عاد متثاقلا الى عمله، بعد ان يكون قد اضاع الوقت على نفسه وعلى الناس.
** وفي جدة راقبت عددا من المحلات الكبيرة والمطاعم الشهيرة، فوجدت طائفة عريضة من عمالها، إما أنهم يغلقون الأبواب على أنفسهم، أو يتوجهون إلى سكنهم، حتى ينقضي وقت الصلاة، فيعودون إلى أعمالهم "!!" لأنهم قد برمجوا انفسهم هكذا، وباتوا يعرفون الزمن بدقة، من خلال الممارسة والايام والخبرة، ولأن أمامهم وقتا طويلا، يمكن أن يشغلوه في تفاهات أو غيرها، فهناك خمس دقائق قبل الاذان، وعشرون دقيقة انتظارا لإقامة الصلاة، وعشر دقائق للصلاة، وخمس دقائق بعدها لمسافة الطريق من مساكنهم إلى محلاتهم، وجميعها أربعون دقيقة، ومعظم العمال يستغلونها في تناول الغداء، أو الاختباء في مساكنهم حتى ينتهي زمن الصلاة.
** أمام هذه المواقف أرى أن في المسألة ثغرة، ومن خلال هذه الثغرة ضاعت المصلحة وتولدت عدة مفاسد، أولها ان كثيرين لا يؤدون الصلاة، وثانيها استغلال هذا الوقت في الزوغان من قبل بعض الموظفين، وللعودة إلى المساكن بالنسبة للعمال ونحوهم.. فلماذا لا يتم سدّ هذه الثغرة، ونحقق بذلك مصالح كثيرة وعظيمة، أفضل بكثير مما هو عليه الحال الآن؟!!.
** نحن في الواقع يهمنا كثيراً أن يؤدي الناس الصلاة اكثر من مجرد اغلاق المحلات، وأنا هنا اقترح على وزارة الشؤون الاسلامية، وهيئة الامر بالمعروف، وسماحة المفتي محاولة اعادة النظر في طول فترة انتظار الصلاة، فعشرون دقيقة كثيرة كانتظار لاقامة الصلاة، وأظن أن خمس دقائق كثيرة كانتظار لإقامة الصلاة، وأظن أن خمس دقائق تكفي، وبذلك نقطع الطريق أمام كل متلاعب أو مزوّغ، ثم لعل فيها خيراً أن يضيق الوقت فلا يكون امام هؤلاء من خيار سوى اداء الصلاة مع جماعة المسلمين، فتتحقق بذلك مصالح كثيرة بإذن الله تعالى، ويكون الخير الذي نتمناه جميعاً.
** واقترح كذلك على مسؤولي المرافق الرسمية، وكذلك المرافق الاهلية كالبنوك والمحلات الكبيرة، اقامة مفارش للصلاة في نفس مقرات العمل، حتى إذا ما حان وقت الصلاة، قام المؤذن بإقامة الصلاة، وتم اداء الفريضة جماعة، ثم تعود حياة العمل لتتواصل، ومن يدري فقد نكسب الأجر في أناس كثيرين وفرنا لهم مكاناً جيدا ومكيفاً ونظيفا للصلاة. ومعظم الناس في الغالب متوضئون من بيوتهم اصلا، فلا يصبح وقت الانتظار الحالي الطويل عذرا لأحد، بأن "يزوغ" عن اداء الفريضة.. فهل وصلت الرسالة؟
تعليق