مقال نشر في صحيفة الجزيرة ونال استحسان الكثير من العرب المسلمين وترجم للغة الانجليزية ونشر في المواقع الغربية:
معاناة عاشها هذا الصديق الجميل في لطف روحه ودعابة نفسه، وقوة إيمانه بربه، كانت حقاً من أروع القصص والتجارب الإنسانية التي مُني بها، ولم تكن سوى قنبلة تفجر الأرض زهوراً، وتعيد البسمة للملايين من الحيارى في هذا العالم الذي ظنه الكثير أنه أسود!!
دعوني لأتيح له الفرصة ليعبر عن مشاعره ليقول:
أصبت بقرحة المعدة سنة من السنوات وذلك أن الله ابتلاني بصحبة سيئة في العمل كانوا قمة في التشاؤم والإحباط، هم ثلاثة واحد منهم مصاب بالاكتئاب ويتعاطى الأدوية والعقاقير وآخر مصاب بالتشاؤم والكره للآخرين، والثالث منحل فكرياً أحمق رعديد، وقد سميتهم المجانين الثلاثة لأنهم حقاً كانوا أعمياء عن الأمل والسعادة والتفاؤل.
القصة طويلة ولكنني أحسست منهم ظغوطاً وارهاصات دمرت معدتي تدميراً قررت أن أعالجهم من حياتهم البئيسة فانقلبوا أعداء فأعلنوا الحرب العالمية عليّ وبدؤوا بالظن السوء والشك البغيض... ومعاناة لا تنتهي إلا بتقديم استقالتي من هذا العمل المشؤوم علماً أن راتبي كان جيداً، ولكن صحتي أهم عليَّ من مادتي ووظيفتي ولعل الأمر فيه خير،
وفعلاً كانت استقالتي مفتاح رزق لي...
لقد أكلتني الأحزان وحب الانتقام منهم وبدأت أفكر فيهم طويلاً، نصبت لهم العداء، وقلت ما قلت من ذم لهم من نقد سخيف، وكانت نتيجة هذا أن أصبت بقرحة المعدة وآلام في داخل نفسي أزعجتني وحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق!
ترى ماذا أفعل لكي أعالج نفسي من هذه الضغوط والآلام العضوية؟
هل أستسلم كما استسلم غيري؟
أسئلة لم أجد لها حلاً!!
وبعد فترة من الأيام أحسست بألم شديد في معدتي، فذهبت للمستشفى لإجراء بعض الفحوصات، فبعد أن كشف عليَّ الطبيب، يا للهول لقد كانت النتيجة متناقضة:
تارة يقول الطبيب أنني مصاب بالتهاب معوي... وتارة يحتمل أن يكون سرطاناً في المعدة!
عرفت أن هذا الطبيب يحمل شهادة مزورة إن لم يكن سباكاً أو عامل نظافة....
لم أيأس.... ذهبت لمستوصف أهلي وسحب الطبيب الاستشاري الموقر المختص جميع ما في جيبي من مال وأودعه في خزانة المكر والنصب والاحتيال. وهو مع ذلك لم يعرف علة مرضي، وأرعبني بصورته الملتبسة وتكهناته التي لا تبث بالخبر اليقين!!
لم أيأس.... ذهبت لطبيب ثالث وقال لي:
أنت مصاب بقرحة المعدة الاثنا عشرية وعدد عليَّ أمراضاً أخرى وحذرني من كل مأكول طيب، فأعطاني قائمة كتب فيها أنواع الأطعمة التي لا آكلها بتاتاً، ممنوع من اللحم والشحم وشرب الشاي والقهوة والطماطم والليمون والبرتقال والتمر، ولم يبق شيء في الوجود إلا ذكره،،، قائمة فيها ما لذ وطاب من الأصناف والمأكولات الشهية!! وعبس بوجهي بنظرات حانقة لا تغفر ولا ترحم المريض، وكأنه يقول ستموت الآن!! وكتب لي وصفة طبية صبَّ فيها وابلاً من الأدوية. طبعاً بعد أن شفط ما في جيبي!!
حقاً لقد كانوا أطباء شرسين!!
لم استفد من تلك الأدوية سوى خسارة المال لأنني أحرقت نفسي بنار تعاملهم المشين مع المرضى!! فلا سلوى للحزين، ولا رأفة تنقذ البائسين!!
لم أيأس...
. فكرت مرة بعد هم طويل انتابني وشعور خائف أغلق باب قلبي، ترى ما السبيل للسعادة ما السبيل للتخلص من هذه القرحة المؤلمة وهل حقاً سأعيش حياتي كلها مريضاً؟
كانت أسئلة وتراصيع فكر تنتابني بالأمل...
ولكن قررت أخيراً أن أبحث عن حل؟
ترى ماذا فعلت؟
لقد فكرت أن أضع حداً لحياتي لولا أن الله وفقني بعد إلحاح بالدعاء وطلب للشفاء منه حيث أخيراً توصلت لشيء جميل وعلاج فعال.
لملمت أوراقي الماضية ورميتها في سلة الإهمال ومضيت أفكر جيداً:
هل أنا تعيس ومخلوق من الشر لكي أقمع نفسي بالسوء؟
لماذا أنا آكل نفسي بهذه الهموم والمشكلات التي لا طائل تحتها؟
هل أنا شرير بدرجة كافية؟
حسناً سأغير من نظرتي وأسلك سبيل السعداء، نعم قررت بكل قوة أن أصبح سعيداً كغيري من الناس!!.
ما المانع أن أكون متفائلاً في حياتي؟
ألا أستطيع أن أتغلب على حماقاتي الماضية وأمنح نفسي بداية جديدة؟
كانت أسئلة موفقة مع نفسي، حيث التغيير يبدأ مني أنا!!
ثم بدر بذهني أن أضع في فناء منزلي حديقة صغيرة وأملأ أرجاءها بالورود والشجيرات الجميلة، لقد بدأت أغني مع الطيور التي في حديقتي وأتامل الحياة من جديد
وكأنني بعثت من قبور اليأس إلى جنان التفاؤل...
شاهدت النمل الأبي يتسلق حيطان الحديقة آلاف المرات من دون كلل ولا ملل،
ورأيت الحمائم تضع أعشاشها بتنسيق رائع في زاوية الحديقة،
والأزهار كل يوم تتفتح ببسمة عذبة،
والماء الزلال يتدفق برذاذ ينساب إلى وجهي ليمسح دموع الحزن من عيني الكالحتين، ويطفئ غبار الشؤم من هامتي،
وهكذا يوماً أسترخي بعمق وأتنفس الأريج، وأسبح الواحد الأحد الذي منحني الصحة وألهمني الرشد لأفكر بنفسي كثيراً لأنني أحسست أن الحياة لا تستحق كل هذه المعاناة أبداً.
فجأة ومن دون سابق إنذار........ شعرت بشيء في قلبي يتحرك وكأنه يقول لي: انظر للجانب المشرق من حياتك؟
انظر للطيور الصادحات في الأفق علام تنشد أسفار الصباح!
انظر للنحلة في حديقة منزلك تتنقل بين الزهور وكأنها ملاك قادم من السماء!
انظر لزقزقة العصافير!
انظر للنملة وكفاحها!
يا الله أحقاً أنا هنا أو كأني سابح في فضاء الحياة الجميلة؟!
الأصحاب الكائدون حنقاً وبغضاً لي، الذين لم أسلم من ثرثرتهم البغيضة وحسدهم المقيت هجرتهم إلى الأبد!! واستبدلتهم بأصحاب أسوياء تعلو محياهم البهجة وحب الخير للغير، مجالسهم طرائف من الحكمة ونوادر من النكات والضحكات، خرجت معهم للنزهة كثيراً وتلقينا الحياة أملاً نعيشه،
لقد ضحكت ملء الفضاء وسمعت الأحاجي والحكايات، وأنشدت الأشعار، وأخذت سلاحي لأرمي به الأطيار والهموم والغموم برصاصة الموت التي تنسيني كل ذكريات عشتها مرارة في سالف الدهر وغابر الزمن.
برمجت نفسي وعقلي الباطن على أنني سأشفى من تلك القرحة بإذن الله، بدأت ألعب وأضحك وأغني وأنشد الأشعار في حديقة منزلي وأحتسي الشاي والحلوى وأتأمل جمال الحياة... وهكذا تحسنت حالتي الصحية إلى الأحسن لأنني سافرت إلى قلبي الجميل وعرفت أنني أنا الأجمل في الكون!!
وبعد: صديقي:
قد تمر بك صدمة نفسية عنيفة! تزعزع كيانك، وتهد من بنانك، وتحس أنك تافه في هذا الوجود!!
فترى الدنيا في قرارك بلون أسود، فتتهاوى على نفسك، وربما تهجر الناس، وتعتزل الحياة! ثم ثلبث أن ترى الأفق معتماً في عترة عينيك،
وأن الأمل أوشك أن يكون عباباً هائجاً تتلاطم فيه أمواج الكراهة...!
قف هنيهة... اخرج من تلك القوقعة الكئيبة إلى بحر التفاؤل لتجدف في زورق صغير يحمل الأصداف واللآلئ، بالهواء الطلق، والماء العذب، تأمل الحياة.. وتأمل البحور الأربع بحر السعادة وبحر الأمل وبحر الحب وبحر التفاؤل.
. ستجد نفسك تؤول دوماً إلى الهدوء! وأن حياتك تبحر في بحور لا تنتهي شواطؤها من الأمل المونق زهواً، وأن الناس من حولك ورود لا تذبل وأنهار لا ينقطع عطاؤها، وما هذه؟
إلا سماء تظلك.
وواد يغنيك.
وطير ينشيك.
وماء يطفئ روائك.. وهكذا يا صديقي الحياة جمال إن جملتها في قلبك.. وقبح إن سودت جدرها في حجيرات صدرك.
انطلق هنا ورفه عن نفسك مع الروض البهي والحقل الزاهر والقمر الدوار وقف كثيراً لتبصر طيف ألوان الشمس كيف تنساب إلى الأفق البعيد بلحظ أن يرتدّ إليه طرفك وسترى أن الحياة ذهب أصفر ومعدن يتلألأ رونقاً وأن السعيد من حظي أن يرتم شواف قلبه بالجواهر واللآلئ..
(جرت العادة أن يرسل الأطباء الناحلين وفقراء الدم وذوي الأعصاب المرهفة والهزيلين والمكتئبين إلى الجبال الخضراء والسهول المنتشية بالورود والبحار الزرقاء اللون حيث يتنزهون ويستحمون في البحر أو بأشعة الشمس فإن هواء القمم الصافي، وأريج الصنوبر، ونفحات البحر المشبعة بالأملاح المنعشة تمدّد الرئات وتشدّد العضلات وتغنيها بالدم وتعطيها حيوية جديدة). وحيث الروض البهي والساحة الخضراء تبدد ظلام الكآبة وتحيي في القلب ألف معنى من معاني السعادة.
صديقي الحياة جميلة بوجود نسمات الإيمان في قلبك. وحلوة خضرة يملأ أرجاء حيطانها النور. فالغيوم في اشتداد سوادها مخيفة ولكن في رذات المطر ما ينسي أتعاب الحياة وظلمة الغمام. والماء في ملحه لا يساغ ولكن الجسم يعتل إذا فقد الملح. والشجرة لا تثمر أنقاً حلواً من الفاكهة إلا إذا قلّمت أغصانها. والدنيا لا تعبس في وجه من يبسم لها، كما الطفل يبسم في وجه الحياة.
والناس فيهم من صدق المعاني ونيل المروءات وكرم السجايا وحب الخير.
فلِمَ الكآبة؟ ولم الحزن؟ ولم تحفر قبرك وتشعل الأخدود في قلبك ولمّا بعد تموت؟
ابسم فالحياة لا تستحق كل هذه المعاناة، وأضحك، وافرح، والعب، واسعد نفسك وكن للأحقاد نابذاً، وللآلام النفسية مطرحاً، واترك الماضي المرير، وعش في سلام كما الساعة تمضي عقاربها لتبني عجلات الحياة بالحركة والعمل الدؤوب. افتح عينيك والتفت عن يمينك وشمالك وستعرف أنك لازلت تبصر فانثر ورود التفاؤل في طريقك وتنحى عن الأشواك الدخيلة في مناهي الحياة وامضِ حيث الجمال إلى أن تضع قدمك في الجنة.
يا صديقي العزيز: إنك ستندم أشدّ الندم حينما لا تجد نفسك جميلاً في هذه الدنيا!!
صديقي: عالج نفسك بنفسك فإن الأطباء لا يشفون الناس إنما الله هو الشافي!!.
اخوكم اسير الشوق
تعليق