بسم الله الرحمن الرحيم
( الخطبة الأولى )
( الخطبة الأولى )
الحمد لله الذي أنار بالإسلام دروبنا وزين به أخلاقنا وزكى به نفوسنا وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم :
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءَلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
أيها الإخوة المؤمنون :
التربية على شريعة الله كتاباً وسنة تنجب جيلا معطراً بأطياب الجمال جيلا حيا نيرا طاهرا صافياً, جيلا هو المثالية في أسمى معانيها وكيف لا يحيا من امتلأت ذاته من روح الوحي ولو كان رميم الجسد؟ وكيف ينطفئ نور من استمد أنواره من مصدر النور الحقيقي ( الله نور السموات والأرض ) وكيف لا يبقى طاهراً من رضي بالله رباً والإسلام ديناً ومحمداً صلى الله عليه وسلم نبياً رسولا ؟ وكيف يتعكر صفو من العقيدة الإسلامية نبض جنانه وحديث وجدانه وزاد لسانه وحروف عنوانه ومادة ميدانه . وصلى الله وسلم وبارك على المربي العظيم والنبي الكريم سيدنا محمد الذي اختاره الله رسولا نبيا موجها معلما مربيا بانيا منقذا لهذه الأمة مخرجا إيها من ظلمات الكفر والوحشية والأنانية والبغضاء إلى أنوار الإسلام والسلام والإيثار والحب فأخرج جيلا هو طليعة خير القرون
وإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم خير معلم وأعظم مرب فإنني سأسوق لكم اليوم قصة أحد أطرافها خير تلاميذه صلى الله عليه وسلم .
أيها الناس :
يقول الصحابي الجليل ربيعة الأسلمي رضي الله عنه : (( كان بيني وبين أبي بكر كلام فقال لي كلمة كرهتها ثم ندم عليها فقال لي : يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصا يقول ربيعة فقلت لأبي بكر : لا أردها عليك فقال لي أبو بكر رضي الله عنه لتأخذن بحقك مني ..) يعني لا بد أن تقول لي مثل ما قلت لك فأنا أخطأت بحقك وأقر بخطئي وأعترف وأرجو أن تقتص مني لكي لا تقتص مني يوم القيامة وتأملوا هنا لتلك النفس الصافية النفس الكريمة النفس الملتزمة بشرع الله وكيف أنها لا تسمح أن تفوتها كلمة واحدة في غير نموضعها أليس الله يقول : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول في وصاياه ( ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا ) إذا فالخطأ يبقى خطأ لابد أن يغفر وما دام الخطأ في حق إنسان فلا بد أن يسامح ذلك الإنسان لئلا يأتي يوم القيامة متعلقاً بصاحب الخطأ يريد القصاص .
أدرك أبو بكر رضي الله عنه أنه لا بد من القصاص فاختار أن يكون في الدنيا لا في الآخرة وكان أبو بكر رضي الله عنه يؤكد بهذا أنه لا يريد أن يلقى الله إلا صافياً نقياً مهذباً طاهراً خالياً من كل شائبة إثم .
فيقول ربيعة لأبي بكر (( ما أنا بفاعل يا أبابكر لن أقول لك مثل ما قلت لي فيقول أبو بكر : لتأخذ بحقك مني أو لأشكونك إلى رسول الله )) الله أكبر يشكوه إلى رسول الله لأنه لم يقتص منه, أي نفس كريمة شفافة نقية يحملها أبو بكر رضي الله عنه
تأملوا هنا آثار التربية الإسلامية الإيمانية هنا لا مكان فيها للأنانية ولا للحقد ولا للبغضاء إنما إيثار وحب وصفاء.
أيها المسلمون : المؤمن الذي يؤرقه الذنب لا تهدأ نفسه أبدا فحين قال له ربعية ما أنا بفاعل ولا قائل هل اكتفى أبو بكر رضي الله عنه بهذا وقال أنت وشأنك أو قال له انت حر أنا عملت الذي علي أو ظن به ظن السوء وقال هذا ليس فيه خير آتيه ولا يقبل : لا
بل انطلق مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشكو ربيعة إذ لم يقتص منه يا عجبا سبحان الله من كان سيلوم ربيعة لو أنه هو الذي ذهب يشكو أبا بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذلك ممكناً لكن أبا بكر لم ينتظر الناس ليقولوا له إنك أخطأت على ربيعة بل قال مباشرة اقتص مني يا ربيعة إذا فما جدوى أن يشكو ربيعة صاحبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو سواه أليس ربيعة هو المعني أصلا ؟ بلى ولكن حاك في صدر أبي بكر من الأمر شيء فهو يريد أن يتأكد هل بقي عليه لربيعة شيء فما يدريه بما في نفس ربيعة يريد أن يرضي بكل أسباب الرضى يقول ربيعة مكملا القصة (( فذهب عني منطلقاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام وانطلقت وراءه فجاء ناس من ( أسلم ) فقالوا : يرحم الله أبابكر في أي شيء يستعدي عليك الرسول وهو الذي قال لك ما قال ؟ يقول ربيعة فقلت لهم اسكتوا ..) ولعلنا يا أيها الناس نستشف من هذا الكلام ما في نفس ربيعة لأبي بكر رضي الله عنهما من إجلال وتقدير فهاهو يكمل فيقول (( فقلت لهم اسكتوا هذا أبو بكر هذا اللذي قال الله عنه ( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) إياكم لا يلتفت فيراكم تنصرونني عليه فيغضب فيغضب رسول الله لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة )) يقول ربيعة (( وانطلقت وراء أبي بكر حتى أتى الرسول فحدثه بما كان فرفع إلى رسولله رأسه وقال : ياربيعة ما لك والصديق ؟
الله أكبر حتى النبي صلى الله عليه وسلم يعرف نفس أبي بكر الكريمة التي لا تطيق أن يلوح أمامها للذنب والخطأ راية وكأنه يقول لربيعة رضي الله عنه هلا أطفأت عن جنان أبي بكر رضي الله عنه هذه النار المتقدة فيه من الألم والمعاناة هلا خففت عنه ما يجد
يكمل ربع القصة بقوله (( قلت يا رسول الله إنه قال لي كلمة كرهتها ثم طلب إلي أن أردها عليه لتكون قصاصاً فأبيت فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أحسنت يا ربيعة لا تردها عليه ... )
عباد الله :
أي احترام وأي توقير للآخرين تحمله تعاليم هذا الدين ؟ أي مكانة عالية ومنزلة سامية للمسلمين تحملها توجيهات هذا الدين أي تربية عظيمة يربي عليها النبي العظيم صلى الله عليه وسلم أصحابه ؟ حيث قال أحسنت ياربيعة لا تردها عليه ولكن ولكن ماذا يا رسول الله هنا اسمعوا لكلمة الحبيب صلى الله عليه وسلم القائمة على الحب والصفاءوالتسامح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر يقول ربيعة فقلت غفر الله لك يا أبا بكر فلما قلتها وسمعها الرسول وسمعها أبابكر ولى أبو بكر باكياً
أيها الإخوة الفضلاء والنساء الفضليات :
هنا انتهت القصة ولكن يبقى السؤال لماذا ولى أبو بكر رضي الله عنه باكياً هل لأنه أسمع صاحبه ما لم يكن بحسبان صاحبة ؟ هل لأنه وقف أما صاحبه ربيعة معتذراً ؟ هل لأنه وقف أما رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكياً طالباً القصاص من نفسه ؟ أم أنه بكى فرحاً لأنه سمع الكلمة التي كان يتمناها وهي العفو والمغفرة ؟ أم لأجل أن موقف ربيعة رضي الله عنه كان كريماً ؟ أم لأجل هذه التساؤلات كلها ؟ هنا أرفع قلمي لأترك لكم التأمل في تلك القصة وأقول بعزة وفخر واعتزاز
أيها التأريخ : سطر : إننا سماويون حين نطبق تعاليم الإسلام ولو كنا نمشي فوق وجه الأرض وإذا كان خير القرون كانوا مثلا عليا في أخلاقهم فتلك أخلاق القرآن والقرآن موجود معنا ونحن اليوم إن شاء الله على الأثر مقتدون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{36} }فصلت34
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه الكريم
أقول ما سمعتم وأستغفره لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وفروا إليه إنه هو الغفور الرحيم ....
@@@@@@@@@@@@@@@
بسم الله الرحمن الرحيم
(الخطبة الثانية )
(الخطبة الثانية )
الحمد لله وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
إخوة الدين والعقيدة :
كم تفتقر مجتمعات المسلمين اليوم إلى المثالية الصافية التي رسمتها لنا مفاهيم القصة السابقة
إن الخطأ وارد من البشر لكن أين من قل وندر خطؤه إن صح أن يسمى خطأ كحال أبي بكر رضي الله عنه
إننا على يقين جميعنا بأن الكلمة التي قالها أبو بكر وكرهها ربيعة ليست من الكلام الفاحش ومع ذلك كان من أبي بكر ما كان منه حرصاً على إعتاق نفسه من جريرة الخطأ وكان من ربيعة ما كان من التسامح ؟ أين من يسعى لفكان نفسه من أسر وقيد الخطأ والإثم ؟
أين فينا من يستعين بالآخرين ممن يظن فيهم الخير والصلاح ليعطي الحق من نفسه للآخرين ولو كان عليه ما كان ولو طلبوا منه ما طلبوا ؟
أحبابنا :
إذا كانت الشمس من مصادر الضوء فإن ديننا الإسلامي يريد من كل مسلم ومسلمة أن يكونا مصدراً أساسيا حقيقياً للصفاء والنقاء والطيب وجمال النفس والإيثار والحب والتسامح بل إنه يريد كل مسلمة ومسلمة مدرسة يتعلم فيها الصفاء ويدرس فيها الإيثار ويجد نفسنه فيها التسامح ويتفوق فيها الحب الطاهر .
إخوة الإيمان :
إن الخطوة الأولى التي خطاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت تربية صادقة للطرفين فيا من كره الكلمة ولم يقتص أحسنت واغفر لأخيك ويا من أحب القصاص من نفسه سامحناك وغفر الله لك ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة )
ألا هل يسير من يصلح بين الناس على هذه الخطوات النبوية الكريمة ؟
إن الجهل بأخلاق القرآن الكريم وتوجيهات الدين القويم يجعل من الإنسان وحشاً كاسراً في اعتداءاته على الآخرين بلسانه وكم من مسلم تركه الناس اتقاء فحشه ولسانه ولماذا نجد في مجتمعاتنا من يفاخر بأنه شتم فلاناً أبا عن جد ؟ بل تجد بعضهم يفاخر بأنه شتم أخيه حتى سابع أو ثامن جد ؟! يا عجباً من هذا كله إننا بحاجة إلى مراجعة أخلاقنا ولعل القصة التي سمعناها اليوم تكون لنا وصفة طبية كل منا يراجع موقفه على ضوئها وما أجمل ألا تغرب شمس هذا اليوم إلا وقد صحح مواقفه وفق الشرع الحنيف فلا عار ولا عيب في ذلك إنما العار والعيب في أن تطيع الشيطان في اخوانك لا يقل أحدنا فلان من الناس يضحك مني إذا عدت إلى الحق فقط تذكر أنك تعبد الله وهو يرضيه هذا ولا تعبد فلاناً وعلاناً
أخا الإسلام : لو أن حول عنقك أغلالا موثقة لما لامك أحد وأنت تسعى في خلاص نفسك منها عليك بالنظر للخطأ والذنب على أنه وثاق محسوس يقيدك ويحبس أنفاسك أو يمنعك الحركة وفك نفسك منه
انظر لمواقفك حتى مع أهلك في بيتك اعتذر من الخطأ ولو كان لصغير وأنت كبير أو فقير وأنت غني أو امرأة وأنت رجل ولو كان لحيوان أيها الإنسان أكرم الجميع بطاعتك لله في معاملتك معهم إياك أخا الإسلام أن يكون قلبك دارا ومأوى لموجبات الزلل والخطأ من الغضب والحمق والأنانية والكبر والكذب أو أن يكون لسانك ترجماناص لها
أيها الناس إننا مسلمون فلا نعطل أخلاق الإسلام في ذواتنا بحجة فساد أهل الزمان لا بد أن يكون كل منا كنزا للصفاء غنيا ينفح الخير منه يميناً وشمالا .
صلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
يا مالك الملك يا من حبه ديني ونورُه في دجى الأسحار يهديني
يا مبدع الكون في أجلى مظاهره شكرا إليك فمنك الخير يأتيني
أوليتني نعما لم أحص عدَّتها من فيضها عشتُ في عز وتمكين
أنت الرحيم الذي من فيض رحمته قد أسعد الناس في الدنيا وفي الدين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين , وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين وردهم إليك ردا جميلا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
@@@@@@@@@@@@
تعليق