ومع ذلك فقد أسرعت بشكل جنوني لألحق بالوالد..
وصلت للاستقبال.. وأعطيته أسماء المصابين..
أشار لي بالذهاب لمكتب التنويم..
وبحمد الله قبل وصولي لهم اتصل أخي ..
فقد كانت عاطفتي والوالدة أشبه ببركان..ينتظر الثوران ..
طلبت من الوالدة تجلس على مقاعد النساء..
وجاء أخواي.. تفرست في وجهيهما ..لعلي أعرف خبرا ..
وحينما التقينا ضمياني وبكيا كطفلين صغيرين..
أخبراني بما صار.. استرجعت ،،
ولم استطع الاستمرار في الوقوف فقعدت على
الرصيف أبكي كيتيم ...
كان هم إخوتي على الوالدة..
فهي كبيرة في السن ولربما تسوء الكارثة ...
وتتضاعف المصيبة ..
لم تنتظر الوالدة فجاءت تتبع الخطى ..
وين أبوكم يامه؟؟
وين أختكم ؟؟
بكى الأخوان عندها فصرخت الوالدة وسقطت على الأرض..
كانت تلك الليلة كابوسا بما تعنيه الكلمة من معنى..
فهول المصيبة ثم ما يترتب عليها من ترتيبات من تغسيل وصلاة ودفن
وغير ذلك تشكل أزمة واستنفارا لكل الطاقات..
لم نذق جميعا طعم النوم ..
كنت في تلك الليلة أفكر بوضع الوالد في الثلاجة ..
هممت أن أذهب للثلاجة لأكون قريبا منه!!
وما عساني أنفعه حينها!!
في ضحى اليوم الثاني ..
انطلقنا للثلاجة..
كان يوما مشمسا ، والوجوه عابسة .. كأننا حفاري قبور..
حين استكملنا إجراءات استخرج الجثة توجهنا للثلاجة.. بجوار المكتب..
قادنا عامل بنغالي يحمل بيده نقالة صغيرة..
لم يظهر عليه أثر الخوف والتردد مثلنا!!!
فتح الباب فخرج منها تيار هوائي بارد للغاية..
ويا للمنظر الموحش..
أكثر من مئة جثة قد رصت بشكل فوضوي ولكأنها مزبلة ..!! أي والله..
وكانت بقع الدماء تملاْ المكان ..
أليس للموتى كرامه ..؟؟ أليسوا مسلمين؟؟ وفي أرض حرام!!
بحث العامل في الأرقام وعيوننا جميعا تسير معه..
وأخيرا أشار لأبي.. وقال دونكموه!!
أذكر أن أعمامي وإخوتي انكبوا على يد والدي ليقيلوها
لم يجرأ أحد على رفع غطاء الوجه..
فقد كان محمرا من الدم بشكل مخيف..
وكانت يده بارزة وتلمع فيها أزرار كم الثوب الحديدية,,
وكان لابسا كما تركته بالأمس ثوبه الأسود..
أخرجناه وتوجهنا به للمغسلة.. على مسافة بعيدة..
دخلت مع عمي للمشاركة في التغسيل ..
كنت أتساءل .. هل أنا أحلم؟؟ ألم أكن بالأمس معه أتحدث !!
ما أرهب الموت وأعظم ترويعه..
كنت اقترب من وجهه ولا أجرؤ النظر إليه ..
كانوا يقلبونه يمينا وشمالا كدمية !!
وبالأمس لا يجرؤ أحد أن يقاطع حديثه!!
كان سيدا مطاعا في أولاده وعماله وخدامه وزوجاته واليوم هو جثة هامدة!!
كان يستنشق الهواء ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق والآن يلف بخرقة !!
شقت السنون والهموم في وجهك ياأبي سنون طويلة..
والآن نم قرير العين مطمئنا ( بإذن الله)
ياأبي لكم تمنيت في تلك اللحظات أن أكون فدائك.. ولم تصب بخدش!!
ارحل فقد تركت في القلوب جروحا لن يمحوها الدهر لفراقك رحمك الله..
يا أبي لو علمت كيف أصبح حالنا من بعدك ..
تشتت حالنا ، وتبدلت القلوب ، وثقل حملنا من دونك
حملناه للحرم الشريف ووضع الوالد بين يدي الشيخ أسامة بن خياط..
فكبر،فكبر خلفه مئات الآلاف من المصلين .. وسيشفعون له إن شاء الله
حينما وصلنا للمقبرة ظننت أن هناك جنازات أخرى فقد كان الحشد كبيرا..
أناس جاءوا من كل مدن المملكة من أصحابه وأحبابه وأقاربه بل وحتى طلابه..
فقد مكث الوالد في التعليم خمسة وثلاثين سنة..
صلوا عليه الجنازة ثم وضعته وإخوتي في قبره الملحد..
أردت أن أكشف وجهه لأقبله ولكن ضيق القبر حال عن ذلك..
ردمناه بالتراب .. ونفضنا أيدينا .. وانتهى كل شيء..
مرت من تلك اللحظات حتى آخر لقاء معه بالأمس حوالي أربعة وعشرون ساعة..
سبحان الله ما أغرب صروف الحياة..
أسأل الله تعالى أن يجعله
في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
اللهم اغفر لأبي زلله وخطأه وتجاوز عن سيئاته
واجعل قبره روضة من رياض الجنة..
انتهى الجزء الثالث.
الرسالة الأخيرة..
وداع والدي أبي محمد رحمه الله الجزء الرابع
انتهت أيام العزاء المعروفة...
بالنسبة لمن جاء معزيا فقد أدى الواجب وانتهى كل شيء..
أما لأهل الفقيد فالحال مختلف كليا..
فضريبة الموت غالية جدا.. يدفعها أحبابه وأصحابه ثمنا غاليا من الأسى والحزن العميق
أما أنا فحالي كما قال القائل تكاثرت الظباء على خراش ..
فما يدري خراش ما يصيد!!!
جاء العيد بعد موت الوالد بأسبوع فقط.. ويا للعيد !!
لا والد ولا ولد... فالحمد لله على كل حال..
بعد انتهاء الإجازة الرسمية للموظفين توجهت لجدة قاصدا مقابلة الأمير محمد..
بلغني الحرس على البوابة بأنه لا يوجد أحد.. والأمير في الرياض..
ذهبت للرياض في اليوم التالي...
ومن المطار توجهت لوزارة الداخلية مباشرة ..
أتيت لمدير مكتب الأمير...
ولم يكن موجودا حينها..
وحين دخل علينا وقفت له وسلمته معروضا أشرح فيه حالي ..
فقال لي : أنت ممنوع من السفر لسنتين!!
قلت له: لماذا؟
قال القوانين !!
قلت له أي قوانين؟؟ وهل تعرفني؟؟ هل أنا متهم؟ هل تعرف قضيتي أصلا!!
قال لا !! ولكن إذا كان جوازك مفقود فأنت ممنوع من السفر سنتين حسب القوانين..
قلت له ياأستاذي الكريم أنا لم أفقد جوازي بل سلمته للجوازات.. ثم لماذا لم تبلغوني..
أليس من الواجب عليكم تبليغي بحالي حتى أتصرف فأنا منذ شهرين لم أتلقى أي رد..
نادى أحد موظفيه وقال له : انظر في معاملة المذكور وليش ما اتصلتم عليه؟
وبعد دقائق جاء برقم المعاملة وادعى أنهم لم يتصلوا علي بسبب عدم وجود رقم تلفوني!
قلت له مستحيل الخطاب موجود عليه الرقم جب المعاملة!!
وفعلا أكد مدير مكتب الأمير على ذلك وطلب المعاملة!!
انتظرت ربع ساعة لكي يحظر لي المعاملة فلم يحظرها..!!
اتصل مدير المكتب عليهم وغمغم معهم بكلمات ثم قال لي:
ما يوجد عليها رقم، ومثل ما قلت لك راجعنا بعد سنتين!!
هكذا إذن سنتين!!
سأعيش سنتين في جحيم القلق والانتظار..
لو كنت فعلت جرما استحق عليه الانتظار لهان الأمر ولكنني مظلوم..
ظلمتني قوانيننا الغامضة، ظلمتني البيروقراطية والتعقيدات السخيفة..
ظلمتني حيلتي الضعيفة ..
ولكنني لم أعدم الحيل!!
فمن ضاقت عليه حيل الناس المعهودة فليطرق كل الأبواب ..
كما قال الشاعر..
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا..
قرعت باب الأمير محمد بن نايف ولكن هذه المرة ليس من باب مكتبه ..
بل عن طريق الساحة السياسية..!!
كتبت في ذلك اليوم مقالا ناريا !!
لم أتشجم فيه العناء..!!
فقد أخذ مني دقائق معدودة..
فقد كنت مهيئا للانهيار...
فقد توالت علي النكبات مما يصلح ذكره ومما لا يصلح ذكره ..
فلا مفر من المكروه ..
وما قصدت الشتيمة والله حينها بل أردت أن ألفت الانتباه..!!
فأنا صاحب مظلمة وقد دخلت في دوامة لا يعلم مداها إلا الله..
ومن خبر متاهات المعاملات الحكومية والتي قد تدور وتدور عقودا من الزمان..
لم يلمني في سلوك درب لا تعلم عواقبه !!
ولا يمكن التنبؤ بخاتمته!!
ولكن خيرا حصل والحمد لله!!
حينما أنزلت المقال في الساحات .. أضفت رقم سجلي المدني ورقم تلفوني الجوال..
وطلبت من الأمير محمد بن نايف أن يسجنني أو أن يجمعني بأهلي وأبنائي!!
هذا هو العنوان تقريبا...
تباينت ردود المشاركين في الحوار فما بين متعاطف ومستاء ، إلى بعض الذين نبهوني..
إلى خطأ الأسلوب ، وأن الواجب طلب ذلك سرا...
إلى الذين صبوا علي جام غضبهم على جرأتي ووقاحتي مع الأمير..
ونحو ذلك من الآراء التي صبت في نهاية الأمر في مصلحة القضية!!
فقد كنت متيقنا أن التفاعل السلبي أو الإيجابي هو في النهاية سيوصل للمقصود!!!
وهو لفت النظر ، وخاصة نظر الأمير...
اتصل علي مجموعة من الإخوة على الهاتف وراسلني مجموعة برسائل sms
جاءتني مكالمات خارجية .. أذكر واحدة منها جيدا..
هذه المكالمة كادت أن تحور موضوعي لمنحنى خطر ولكن الله سلم..!!
أصبت بخوف شديد !!
خاصة والدولة حينها استنفرت استنفارا كبيرا لمؤتمر الإرهاب في الرياض..
والذي ستحضره ممثليات دول كثيرة ...
فكان ظهور مقالي حينها غير مناسب بالتأكيد..
لمن يفهم ما أعنيه جيدا!!
وحينها جاءتني خاطرة عجيبة !!
لقد عزمت على الهرب!!
نعم الهرب خارج المملكة!!
كيف ؟؟ ولماذا؟
أما كيف فلا أدري فالهارب يسير في الأرض الفسيحة حتى يجد مأوى يؤويه..
أما لماذا ؟؟ فقد خفت .. خفت أن تكون عواقب فعلي كبيرة ..
فالهروب خير لي من الأسر والسجن والعذاب..!!
تركت جوالاتي وحقائبي وسيارتي وجميع ما أملك من متاع ..في مدينة الرياض
واستأجرت سائقا بسيارة خصوصي يوصلني لمدينة جيزان!!
سلكت طريق الوادي فهو أقرب وأقل نقاطا من الطرق الأخرى!!
ولقد صدقت توقعاتي فلقد عمم علي في المنافذ ولكن الله سلم!!
كان رفيقي في الرحلة أو السائق من الطائفة الإسماعيلية.. من سكان نجران
جاء للرياض ليوصل عائلة قريبة له..
لم أكن أعرفه من قبل .. ولكن الرجل كان دمث الأخلاق حسن التعامل ..
وحين سألته عن عمله قال أنا موظف في قطاع الأمن الداخلي!!
جرت الأمور بكل هدوء فلم يظهر علي أي شيء مريب!!
كان انطلاقنا حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا ..
ووصلنا لمدينة خميس مشيط حوالي العاشرة مساء..
لم يفارقني أبو حسن ( وهذه كنيته) حتى تأكد من اتفاقي مع سائق آخر ..
فرغم فساد معتقده إلا أنه جاهل بحال دينه فهو كما يدعي يصلي في مساجد السنة!!
انطلقت مع سائقي الجديد بسيارة خصوصي أيضا وتوجهنا لمنطقة فيفا..
قال لي مرافقي ؟
هل سبق ذهبت للمنطقة ؟
قلت لا..!!
قال هل هناك شخص تعرفه أو قريب ونحو ذلك؟
قلت لا !!
قال ياولدي المنطقة طريقها صعب ونحن سنصل إليها بعد منتصف الليل ..!!
فلماذا لا تبات في الفندق وغدا الصبح تذهب إليها..
قلت له أبدا ، أوصلني لفيفا وأنزلني عند جامعها وسوف أتصرف!!!
كنت أحسب الوقت وأسابق الزمن فإما أن يقبض علي أو أن أفر!!
ولكن أين الفرار وكيف ؟؟ والله لم أكن أدري !!!
فيفا منطقة ساحرة الجمال وهي جبل ضخم تسكنه قبيلة فيفا..
ومنظر هذه المنطقة ليلا أو نهارا منظر بديع للغاية!!
عندما وصلنا قريبا منها شاهدت أضواء متناثرة في ارتفاع شاهق يكاد يغطي الأفق!!
سألت السائق أين نحن متجهون؟؟
قال هذه فيفا !!
تقع المنطقة على الحدود اليمنية ولذلك قصدتها!!!
حينما وصلنا للمفرق المؤدي للجبل رأيت شققا مفروشة..
طمعت في الفراش الوثير فأنا لم أذق طعم النوم منذ حوالي 24 ساعة..
وفعلا غامرت بالنوم في الشقق مع أن ذلك خطأ قد يوقعني فيما فررت منه!!!
في الصباح توجهت لسوق المنطقة واسمها ( بني مالك) ..
ومنها يظهر جبل فيفا بوضوح خلافا لليلة الماضية..
تعاقدت مع سائق يوصلني للجبل ..
على أن يجد لي مكانا أسكن فيه..
وهكذا كان..
حينما دلفت للغرفة المعدة للسكن
رأيت بقايا شجرة القات على بساط الغرفة!!
سألت الصبي : هل هو مسموح !!
قال : نعم فقط في فيفا !!
المنزل الذي نزلت فيه يقف على هاوية سحيقة..
ومن نافذته ترى الناس والسيارات في أسفل الوادي كحجم الذر!!
ومع ضيق الطرقات تسير السيارات فيها بجرأة عجيبة لا يكاد يفعلها سواهم !!
أهل فيفا رجال كرام فيهم النخوة والشهامة ..
لا يشعر الضيف والغريب بأنه خارج أهله ودياره ولكن هيهات!!
فبالنسبة لي لا يغني عن حالي مال ولا بنون إلا رحمة أرحم الراحمين!!
كانت المناظر الخلابة من ذلك الجبل لا تغريني فقد صادفت قلبا خاويا فارغا!!
وما عساها تنفعني في محنتي وشقائي والله المستعان..
منذ يومين والأخبار منقطعة عني ..
ولم أحاول الاتصال على أي كان ، خوفا من معرفة موقعي الحالي!!
وآخر مكالمة لي كانت مع أخي وزوجتي شرحت لهم حالي بغموض ..
وقلت لهم توقعوا عدم اتصالي عليكم فترة طويلة..!!
وبدأت فكرة تحديد طريقة العبور المناسبة خارج البلاد ..
كنت أحاول الحصول على المعلومات عن طريق الشباب الصغار لكي لا ألفت النظر..
كان بجوار غرفتي مسجد صغير للغاية لا تتجاوز مساحته 5x5 متر مربع..
وفرشه جديد ومبني بشكل بدائي ، له كوة صغيرة تشرف على الوادي السحيق..
قدمني الناس للصلاة بهم مرارا..
وغالب وقتي أجلس في المسجد أقرأ وأستخير واصلي..
دعوت الله بصدق أن يهديني إلى الصواب في قولي وفعلي..
دعوته أن يلهمني رشدي ويقيني شر نفسي..
أكثرت من التضرع لله تعالى فأنا مقدم على قرار خطير يكون له ما بعده..
فكرت مرارا وتكرارا .. هل ما أفعله صواب؟
هل كل ما أفعله يفيدني في ديني ودنياي؟
سألت نفسي : انظري يانفس أين أصبحت؟ وأين تسيرين؟
أين سأذهب ؟ ومع من؟ ومن يضمن لي السلامة؟؟
ثم إلى أين؟
تساؤلات كثيرة !! وأجوبة معدومة..!!
بقيت على هذا الحال ثمان وأربعين ساعة ..
وأنا أدور في المسجد ذهابا وإيابا أنظر في حالي وعواقب الأمر الذي سوف أفعله!!
ناداني صاحب البيت للجلوس على دكة معدة للجلوس أمام الوادي في منزله!!
جلست من بعد عصر اليوم الثاني حتى غربت الشمس!!
كانت جلسة رائعة.. ترى من خلال الضباب الكثيف الأطفال يلعبون ويمرحون..
تسمع أصوات الديكة تتردد في الوادي ..
كان أجمل وقت حينما تبدأ المساجد بالأذان فيتردد صدى التكبير في الوادي..
ما أجمل الأمور على طبيعتها ..
خاطبت نفسي حينها كثيرا ..
وبعد تفكير عميق سبقتها دعوات واستخارة عزمت على أن أرجع أدراجي..!!!
فقد رأيت أن قرار الهروب فوائده إن وجدت لا تقارن بمصلحة العودة ..
إن مواجهة المشكلة والسعي بحلها بكل الطرق الممكنة خير من تعليقها ..
ففي النهاية لا بد من مواجهتها فالأفضل التعجيل بذلك والمبادرة!!
كل ذلك حصل وأنا لا أدري بما يخبئه القدر لي !!!
طلبت من ابن صاحب المنزل أن يوصلني للوادي ..!!
قلق الرجل من هذا القرار المفاجئ !!
وقال خيرا إن شاء الله ظننتك ستمكث عندنا مدة أطول..؟؟
شكرته وأكدت له بأنني سأعود له يوما بصحبة أهلي وأبنائي فمنطقته تستحق المغامرة..
وصلت لمطار جيزان في الليل ..
وقال لي بائع التذاكر : ما فيه مقاعد خالية قبل عشرة أيام!!!
وماذا أفعل في جيزان عشرة أيام!!
ذهبت للفندق ومنه اتصلت على زوجتي..
كانت تبكي بكاء كالطفل الصغير.. تقول هل ضربوك ؟؟ هل أنت في السجن؟
ماذا فعلوا فيك؟؟ قلت لها أنا بخير وطمأنتها على حالي وأن الفرج قريب!!
اتصلت على الوالدة وهنا كانت المفاجأة..
المباحث قالبة الدنيا عليك ..ايش سويت ياولدي!!
أخذت المعلومات منها بالتفصيل ثم أغلقت الهاتف ...
وأخيرا تحققت ظنوني فهاهم القوم يبحثون عني!!
هممت بالرجوع والهروب مرة أخرى..
وقعت في حيرة ماذا أفعل ..
هل ياترى أسلم نفسي..
حاولت الدخول لمنتدى الساحات السياسية من مقهى للانترنت ولكن هيهات..
فالمنتدى ممنوع !!
أخيرا رجعت لغرفتي وحاولت النوم وعيني على باب الفندق أن يكسره زوار الليل!!
بعد صلاة الجمعة توجهت للمطار ..
سمعت نداء الطائرة على الرياض..
توجهت لبائع التذاكر .. قال لي اذهب سجل انتظار..
عندما وصلت للكاونتر قال اذهب جب التذكرة بسرعة هناك مقعد خالي..!!!
طرت من الفرح ، وسابقت الريح لأركب هذه الطائرة
ولم تقر عيني حتى حملني مقعد الطائرة!!!
وبعد ساعة ونصف وصلت للرياض..
في الطائرة تصفحت كل الجرائد قلت لعل اسمي موجود ضمن قائمة جديدة للمطلوبين!!
وصلت للمطار ومنه توجهت لمكان إقامتي ..
حين وصلت وجدت كل شيء طبيعي تقريبا!!
دخلت لسكني فحملت الجوال فوجدت فيه 166 اتصال وعشرات الرسائل!!!
لاحظت فيها رقما أعرفه لشخص مهم من رجال الأمير محمد بن نايف القريبين منه
وقد أرسل لي رسالة يعرف نفسه ..
اتصلت عليه فلم يرد علي ..
وبعد صلاة العصر ..
اتصل علي .. فقال لي يارجل أتعبتنا أين كنت؟؟
قلت له : عفوا تركت الجوال وكنت خارج الرياض..!!!
قال هل تعرف موعدك اليوم ..؟؟
قلت مع من ؟؟
قال مع الأمير محمد بن نايف..!!
قلت له اليوم جمعة؟؟
قال ليس في مكتبه..بل في بيته!!
قلت له أفعل إن شاء الله ..
طلب عنواني وحدد مكانا وموعدا للقاء السائق الذي سيأخذني لمنزل الأمير..
بعدها ذهبت لمكان عملي..
كنت شغوفا لأدخل موقع الساحات لأعرف الحال!!
وبعد دخولي وجدت موضوعي هو الأول ..
ورأيت بعض التعاليق التي تؤكد أنه قد قبض علي..!!!
وبعضهم يدعوا لي ومنهم من ترحم ومنهم من يشمت!!!
جاءني اتصال من نسيبي قال يافلان هناك شخص يريدك!!
ناوله الهاتف فإذا هو الرائد صالح الشهري..!!
يا أخي أقلقتنا عليك ونحن نبحث عنك من يومين!! ونحو هذا الكلام ..
هل تعلم أن لديك جلسة مع الأمير اليوم ..؟؟
قلت له بلغت به قبل قليل ..
قال سأرسل برقية بموقعك وتلفونك ليتصل عليك المباحث !!
سبحان الله مبدل الأحوال ..
أصبح القوم يبحثون عني وأنا كنت أبحث عنهم شهورا..!!
كنت قلقا بالمقابلة ..
تمنيت أن تتأخر الجلسة فلعل الأمير أن يهدأ قليلا ..وتبرد المسألة..!!
فلربما كان الأمير غاضبا من كلامي ..في الساحات..
اتصل علي شخص وقال أنا من طرف الأمير محمد بن نايف..
حددت الموقع وانتظرته فجاء ..
صافحني بأدب جم، وعرفني بنفسه..
ولاطفني في الكلام وكأنه يريد التخفيف علي من مهابة الموقف..
دخلنا منزل الأمير الفسيح ..
لم أستطع إطالة النظر فيه فقد كنت مشغولا باللقاء..
زورت في نفسي كلاما كثيرا طار كله أو أغلبه عند اللقاء...
وبقت في الصالون الكبير أشرب القهوة والشاي برفقة السائق ..حوالي نصف ساعة..
وفي حوالي الساعة التاسعة وربعا دخل الأمير محمد علينا ..
أعرفه فقد كان لقاءنا الثالث ولكن هذا المرة ليس أحد سوانا..!!
خرج السائق وبقيت أمام الأمير لوحدي..
..
.
تعليق