كزهر اللوز أنت أو أبعد
فهل أسقي حقول اللوز أسراري ..؟

عندما يعانق الضباب أغصان اللوز في منازل الربيع ، وهي محملة بأزهارها البيضاء المشوبة بشئ من الحمرة ، فلابد أن تهتـز حنايا القلوب نشوة وطربا ، فتهاجر المشاعر إلى عالم القصائد وهي تردد :

آه يا لوز في بني يسار
لا تقل بقربه و انتهبلي
لجل تلقى في الدرب شوك

و غرب آسيا هو الموطن الأصلي للوز ، ويزرع في معظم بلاد العالم ، وتنتشر زراعته في مناطق العالم العربي الواسعة ، من المغرب وحتى عـُمان واليمن والشام وأرض فلسطين ، ومناطق من أسيا كتركيا وإيران وغيرها، وقد عني الآسـيويون بزراعته منذ آلاف السنين ، ويوجد بكثرة في المناطق الباردة من المملكة ابتداء من الطائف حتى نهاية سلسلة جبال السـر وات ،
ونبات اللوز عبارة عن شجرة معمرة ، من جنس الورديات ، يصل ارتفاعها إلى 12 متراً لها أفرع ذات لون بني يميل إلى الحمرة ، ويوجد في الأنواع البرية بعض الأشواك البسيطة ولا توجد الأشواك في الأنواع المزروعة - المستأنسة - ، وأوراق اللوز بسيطة متطاولة وحافتها ملساء، وتتوزع الأزهار في جميع أجزاء النبات وتظهر قبل ظهور الأوراق في بداية فصل الربيع ، والأزهار لها لون وردي إلى أبيض معرقة بعروق بنية ، وتكون الثمار خضراء إلى رمادية مغطاة بشعر كثيف أملس ناعم ، وعند النضج ينشـقّ هذا الغلاف الثمري الرقيق ويسقط ، ويبقى الجزء الداخلي للثمرة وهو عبارة عن مادة صلبة خشبية الشكل منقرة ومخططة ، وعند كسر هذا الجزء نجد داخله بذرة ، وأحيانا بذرتين بيضيتا الشكل ، بلون بني فاتح وذات طعم لذيذ ، ويعرف اللوز بأسماء أخرى ، مثل المنـج والمزج أما علمياً فيعرف باسم Prunus amygdalus من الفصيلة الوردية ، وهذا النوع يعرف باللوز الحلو sweet almond. ويوجد نوع آخر من اللوز يعرف باللوز المــرّ Bitter almond والذي يعرف علمياً باسم Prunus dulcisvar.
والحلو ذو قيمة غذائية عالية لغناه بالزيت والبروتينات، والسكريات، وكثير من الفيتامينات، والمواد المعدنية، وقد شاعت فوائد اللوز التجميلية منذ قرون عــديدة.
وأشجار اللوز جميلة جدًا وهي مزهـرة. وتحتفل بإزهارها شعوب كثيرة

واللوز كان ذات يوم ، محصول رئيس في سراة غامد وزهران ، وكان يقع موقع القلب بين الأضلع عند سكانها ، يزرعونه جوار منازلهم ، بالقرب من النوافذ والشبابيك ، فتُسـرُّ قلوبهم وأنظارهم بمرآه ، مع شروق كل شمس ، وعند كل غروب ، تكلأه أفئدتهم قبل أيديهم ، ويفسحون له مزارع البر والحنطة ، ويمنحونه على سفوح الجبال أمكنة خاصة ويحيطونه بالجدران ، ويحمونه بكل ما تنتج البيئة، من وسائل التحرز والحفظ والمنعة ، وتحفُّـهُ أفئدتهم بالمودة ، فتنشأ بينهم وبينه علاقة حميمة ، تختلف عن بقية العلائق الأخرى ، ويأنس اللوز لصاحبه الإنسان ، وقد يصل الأنس إلى درجة العشق والموت الموحد ، فتلحق اللوزة بصاحبها ، حين لا تقوى على فراقه ، وقد يـُسمـِى باسمها إحدى بناته ويالها من محظوظة تلك التي تحمل اسم ( لـوزة ) و من شدة حبهم تجد اسمه في البيت والوادي : جناب اللوز ، بقعة اللوز ، أم اللوز ، وصفح اللوز ، وشعب اللوز
وهناك في الأرض المباركة في فلسطين ، نســمع ذات الصدى و نـتـقرى ذات الصورة

والله لزرعـك بالـدار يا عود اللوز الأخضر
وأروي ها لأرض بدمي لتنوّر فيها وتكبر

نفس الثقافة وذات العادة يزرعونه في الأفنية وتحت الشبابيك
وعندما يحين قطافه ويذهبون به للأسواق تراهم يتغنون به
وله فيقولون :

لـوز لــوز

طلـع اللـوز

مـن لـوزاتي

أحسن لــوز

جايب لكم أول

أول قطفة

حتى تدوقو

تدوقو اللوز
ولقد بلغ من شغف العرب باللوز أن ( المعتمد بن عباد ) حاكـِم مملكة اشبيلية والمنحدر من سلالة القائد موسى بن نصير، والذي جمع المجد من أطرافه ، وعـُـرِف واشتهر كملك وشاعر وعاشق ، أن زوجته اعتماد البرامكية ، أبدت رغبتها العيش في بلاد الثلج ، فأكد أنها في الربيع القادم سترى الثلوج حول قصرها هنا في اشبيلية ، فزرعت أشجار اللوز في حــدائق القصر ، وما أن جاء الربيع حتى انتشر نوار اللوز الأبيض ، وأحاطت أزهاره البيضاء و الأرجوانية ، بعين المكان ، وأعلنت عن نفسها بقوة وحققت ما أراده الملك لمعشوقته
وكــأنّ الأخوان رحباني قد عايشــا ذلك الأمير وشــاهداه مع محبو بته تحت أشجار اللوز فكتبــا له هذه الكلمات :
على جسر اللوزيّه تحت وراق الفيّه
هب الغربي و طاب النوم و أخدتنا الغفويّه
و سألوا كتير عليّ على جسر اللوزيّه
هب الغربي و طاب النوم ندهونا و ما وعينا
لامونا و شو نفع اللوم غصبا عنا غفينا
يا حبايبنا خطيّه لا تلومونا خطيّه
و كل يوم بينطرنا يوم على جسر اللوزيّه
يا حبيبي تنينتنا غرب ليل و درب بعيدي
رح يسرقني عتم الدرب هدّي إيد بإيدي
تاخدنا سهريّه و ترجعنا سهريّه
و هنّ يروحوا و نحنا نضل على جسر اللوزيّه

ويجمع اللوز تحته كل المشاعر والعواطف بكل تناقضاتها وتجلياتها
ويأبى الرحابنة إلا توضيح ذلك :
ضحك اللوز

ضحك اللوز و خلص اللوز و حبيبي ما لفي
ولع الصيف و دبل الصيف و حبيبي ما لفي
حبيبي حبيبي
وحدي أنا و الحيرة و التعب و الغنية
لفحتني نار الغيرة و الريح الـجبلية
و يقل لي منتلاقى أنت وأنا نتلاقى
نتلاقى تحت اللوز
الورق الأصفر طاير عالطرقات المهجورة
و الناطر بعدو ناطر و الصبية مقهورة
بعيونك خبيني قبل الشتي خبيني
خبيني تحت اللوز خبيني تحت اللوز

وقد تغنى محمود درويش بلــوز فلسطين فقال :
كنَا صغيرين
والأشجار عاليةٌ
وكنتِِِ أجمل من أُمي
ومن بلدي...
من أين جاؤوا؟
وكرمُ اللوز سيَّجه
أهلي وأهلك
بالأشواك والكـَبـَدِ!...
ولما شاهد ابن الوردي تمايل أغصان اللوز ودلالها خاطبها قائلاً :

يا شجرَ اللوزِ ترنحْ ومــلْ *** عجْباً فمنْ حقِّـكَ تختالُ
الزهـرُ في جيدِكَ درُّ الحـُلِيّ *** والماءُ في ساقِكَ خلخالُ

وكذلك تغنى " القرطبي " فقال :

سطر من اللوز في البستان ** ما زاد شيء على شيء ولا نقصا
كأنـما كل غصن كمّ جارية ** إذا النسيم ثنى أعطـافه رقصــا

أما " أبو الفضل الوليد " فقد اختلطت دموعه بندى اللوز عندما شــاهد أزهاره البيضاء ووثق ذلك بقوله :

سمعتِ نشـيدي للجمـالِ وللهـوى ** فلبّيتِ هذا القلبَ حينَ دعاك
فأنتِ كـَنَورِ اللوزِ للـنـُّّورِ باسماً ** ودَمعي ودَمعُ العاشقينَ نَداك

إلا أن " أبو عامر بن مسلمة " قد رأى للـّـوز حُسْــنَيـَيـَنِ وعبر عن ذلك وقال :

يا زهر اللوز لقد فقت في ال * إحسان والحسن فأنت البديـع
قد حزت حسنين وحازت نوا * وير الربـى حسناً فأنت الرفيع
تعلو بهاء الروض حسناً فقد * أصبحت مخصوصاً بحب الربيع
قد أمك الوصاف إذ شبهوا * غيـرك بالخد وجـار الجميـع
كالمشــرب في حمــرة * من يـره أصبح لا يســتطيع

وحَسـِبـَهُ " أبو هلال العسكري " نوع من الدر عندما قال :

كَأَنَّما اللَــوزُ بِحـافّاتِهِ ** أَنصافُ دُرٍّ رُكِّبَت في عَقيق

وأشبه بياض اللوز عند " السري الرفّاء " كواكب في سماء العقيق فدون بذلك شهادة مازال الزمن يرددها وينشدها

ولاطِـفْـهُ بالشَّهْدِ المُخَلَّقِ وَجهُه * وإن كانَ بالألطافِ غيرَ خَليقِ
بِأَحْــمَرَ مُبْيَضِّ الزُّجـاجِ كَأَنَّهُ * رِدَاءُ عَرُوسٍ مُشْرَبٌ بِخَلُوقِ
لَهُ فِي الحَشَـا بَرْدُ الوِصَالِ وَطيِبِهِ * وَإنْ كَانَ يَلْقَاهُ بِلَوْنِ حَريقِ
كأنَّ بَيَاضَ اللّــَوزِ فِي جَنَبَاتِهِ * كَوَاكِبُ لاَحَتْ في سَمَاءِ عَقيقِ

ولم يستطع " الشاب الظريف " صبرا حين تبسم اللوز فأوغر صدره ودعا صاحبه بكل قسوة إلى قصف غصون اللوز

تَبَسَّمَ زَهْـرُ اللَّوْزِ عَنْ دُرِّ مَبْسَمٍ * وَأَصْبَح في حُسْنٍ يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ
هَلُـمَّ إِلَيْـهِ بَيْنَ قَصْفٍ وَلــذَّةٍ * فإِنَّ غُصُونَ الزَّهْرِ تَصْلُحُ لِلقَصْفِ

أما " جبران خليل جبران " فإنه يطلب من الآخرين التواضع كتواضع زهر اللوز :

فَإِذا ما اللَّوزُ أَلقَى * زَهرَهُ فَوقَ الهَشيم
لَم يَقل هَذا حَقِيرٌ * وَأَنا المَولى الكَريم

وهذا " حازم القرطاجني " يهيم به فيهبه كلمات ليست كالكلمات :

لا نور يعدل نور اللوز في أنق * وبهجة عند ذي عدل وإنصاف
نظام زهر يظلّ الدرّ منتــثراً * عليه من كلِّ هامي القطر وكاف
بينا ترى وهي أصداف لدرّ حياً * بيضٍ غدتْ درراً في خضرأوصاف

وأخيرً فهاهو " علي بن إبراهيم الأندلسي " يقدمه لنا على طريقة كبار الطهــاة والأطباء :

اللــوز في كيلو سه محمود * لا سيما أخضَـرُهُ الجدِيدُ
ودمُــه مــروْنَـق صَـفِيّ * وخَـلْـطُهُ مِـزاجُه قَـوِيُّ
بَطيءُ هَضْمٍ وَهْو ذو إِعَانه * فِي غَسل كِليَة مع المثانة
وكُلُّ ما يوكلُ من لوزٍ طَرِي * أصلِحْه إن أكلته بالسّكَّر
أو عَسَــلٍ وَحُــلْـوةٍ وَتَــمْرِ * جميعُـهـا عجـيبةٌ لِـلْأَمر
يُعـزِّز القوة في الرجال * ويُبريءُ الرَّبْوَ مَعَ السُّعال

وكما حظي اللــوز في حياتنا بمكــانة عالية وقيمة غالية فكان لابد للشــعر الشعبي أن يعكس تلك العلاقة المميزة ويوضحها .

هـذا " أبو رزق " يضعه في مكانته اللائقة فيقول :

يا لوز ما بات عند أهل البوابير مجحود
ممنوع ما ريت بينه راعي المنـح ديجان
في المنازيه ما بصّر في الألباب عباس
صحيح ما يصلح إلا للقلوب الجوازات
وزاد على المر يزرع مر أبو مر حوبه
الرد
يقول أبو رزق هذا وقت جاحد ومجحود
تعلموا الناس درب الدنجّله من حديجـان
وهو من أول معَـلم علمه بـابا عبـاس
وتقاطعوا الناس من قدام قطع الجوازات
لو كان جبريل يصلح بينهم مرحوا بـه
ويضع " مـحـمــد بن جـحـلــوط " على حديقة اللوز لوحة ( ممنوع القطف )
يا درمحي تشرب البراد من حـر بواشـي
ومـن تعـرض لسـم الـداب بينيوبيـنـه
مانيب ميـد الحناشـه العاديـه ميد فعيـات
مادام شي ناس يعصونك وناسـاً مطاعيـن
لا تـقطف اللوز من جافان وتاطى عنوبه
الـــرد / احــمــد الـدرمـحــي
أنا ومضنون عينـي بيننـا حـرب واشـي
حسبي على من سعى بالحرب بينـي وبينـه
لجل إن حرب القلوب أقوى من المدفعيـات
يا اهل الهوى وش بنا نصبح ونمسي مطاعين
مثل الـذي يمدحـون السيـف وتطاعنوا بـه
ويستنكر " عـلـي بــن بشيـتـي " من يشبه اللوز بالسدر فيقول :
أيات مبـدى النحـل يانـاس وإلا اهمـج
والسدر ماهو شبيـه اللوز له مجني
والسيل في الخبت لا جـا ينتـوش رايـك
يا اهـل الزراعة بـدربـه لا تلمـونـه
ويرد ابـــــن طــويـــر
مالي ومـال الـذي غلطـان وإلا أهمج
والحفـل ما يستـوي ذا اللـيـل لهمجـنـا
والليلة لا حد يقـول يا عيظه وش رايـك
خلـوا التهامـي لحـالـه لا تلومـونـه
ويرفض " حــســن السـهـيـمـي " مقارنة لباب اللوز بما يحويه الصدف فينشد قائلاً :
إنّْ لبّْ اللوز ماهو كما الباب الصـَدَف
علموا اللي أهديت له صقر غالي واشتـواه
لا يصـدق مـن يداهـن لمـال ومنصـبـا
الزعامـة ماتجـي بالمـدايـح والهـقـاوي
يـا الله انـك ثبّْـت الأرض لا تهـوي بنـا
الــــرد : عــلـــي مـســفــر
يا حسن لا تحسب الشعر من باب الصُـدَف
القصايـد تختلـف بيـن صيـفٍ واشتـواه
حافظ اعلى دين ربـك وجنّْـب مـن صبـا
وانا اشوف الثلب من تحت حمله والهقـاوي
مـا يخـاف الثلـب صوتـي ولا تهويبنـا

أما " أحمد حوقان " فقد شــدا وغنى بشــــكل أخــر :

أول القول يا ذكر الذي عاش عا لذكر الجميل
حِـنّ ذكره ظهر قدام يخلق وبشّر بالشفاعة
وخذ الراية العليا وقبله ثـلاثماية نبي
الذي كل واللي ذل واللي نسي درب النصايح
والذي ما عرف ينصح وعوّد تبدّى واخذله
وحكم راية الإسلام ما في يده غير العصا يه
وطلب ربّه العانة وقواه أبو طالب علي
ودياراّ مضاها حلّ فيها الخضر وانهار مايه
تنتج اللوز والرمان والرازقي وأعنابها
وبعد ينظر أعمال أمته لا حضر يوم القيامة
بعد ما يسقي العطشان من حوض ماي الكوثرا


وكالعادة يقول " جار الله الزهراني " رحمه الله شــيئا مختلف عن اللوز
البدع
يقول جار الله يزرع بارضنا لوز مخبي
عند ابن قرهم يشد علـى جمـال تخبـا
في حزّة النثرة يغطاه الثمر والغضاريف
ما عيني أزعل على جافان وانقل ترابـه


الرد
والله ما اضيق من راعي الخطا لـو زمـخ بـي
والرادي المصري اعرف هرجته لو تخبي
عساه أبو خمس ما يبقى لجمر الغضا ريف
في ملتقى يزحمون الروس و إنقلترا به


أما " حسن بن جمعان " فللوز عنده علاقة أخــرى :

شـراء حـسـن ثــور مــن رغــدا ن بأربعمـاية
راعـيـة يحـلـف يـقـل مــا يـاكـل إلا لـبــاب
وأن خـــص مـايـكـل إلا مـــوز و إلا تـمــر
و اللـي يقـول يـا عجـا يب فاسمعـوا يـا حضـور
يقلون شحمة يداوى كل من كل منه


وأخيرا ًهذه مقطوعة عاطفية مشبوبة المشاعر يزجيها لنا شاعر الحب
محمد بن جحلوط
أٌقول يارازقاً يطلـع ثمـر فـي نبيتـه
حزت قصابة يظلي يقصف المرح بابـه
وأثر الرياحين تيبـس لايكـن صدعنهـا
وأضن مايخلف اليابس ورى حت حياتي
واللوز هبت له الشرقيـه وأقفـى لبابـه

الــــــــــــــــــرد:
حسن سعيد بن خنيفس
لي صاحب أقفى وأنا مدري عنه فين بيته
وأن كان عود لنا في الديرة يا مرحبا بـه
حلفت يا ديرة المحبـوب ما تـوب عنهـا
اللي بشانه قفى عمري وراحـت حياتـي
أقفو بسيدي وقلبي من ورى أقفال بابـه