المقامة الجنوبية
(( فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ))
كنا جبالاً في الجبال وربما =
سرنا على موج البحار بحاراً
بمعابد الإفرنج كان أذاننا =
قبل الكتائب يفتح الأمصاراً
سلم على السراة ، وعلى الجنوب مدنه وقراه ، لتكون مع التأريخ صادقا ، وبالحق ناطقا . في السراة رجال تكاد الأسود أن تقول من شجاعتهم رفقاً يا ناس ، ويكاد السحاب ينادي جبالها لا مساس .
بها ولد أبو هريرة سيد المحدثين ، وهي ديار الخليل بن أحمد إمام النحويين ، من السراة سارت قوافل الوفود ، إلى رسول الوجود ، تعاهد على نصرة الإسلام ، ومتابعة الإمام . منها وفد جرير سيد بجيلة ، صاحب المواقف الجليلة ، ومنها أطل الطفيل سيد دوس ، موقد الحرب الضروس .
في جبال السروات نظم الشنفري الأزدي لاميته العصماء . وفي روابيها سجل الخثعمي داليته الغراء . أما علمت أنها أرض القرني أويس ، وبلاد أسماء بنت عميس .
في السراة كل خطيب وشاعر ، لأن الشعر من المشاعر .
السراة حيث خصوبة التراب ، ونداوة الضباب ، وهمع السحاب .
كأن الطل بديارهم دموع حبيب ، وكأن الظل بأرضهم برد قشيب .
أرض إذا طاولت هام جبالها =
قالت تواضع أيها الإنسان
وإذا دخلت غياضها ورياضها =
غنى الحمام وصفق الريحان
فيها مدرسة الحفظ لأن الحفظ هريري دوسي ، وهي إيوان الزهد لأن الزهد أويسي .
هنا الشعر الفصيح ، والنسب الصريح ، والوجه المليح ، خطباء حفاظ ، يغار منهم سوق عكاظ ، لروعة تلك الألفاظ ، مع القمم همم ، ومع الشجاعة كرم ، لا تنكر أخلاقهم البديعة ، فكما قال ابن خلدون : الأخلاق تتبع الطبيعة . ذكرهم الهمداني في الإكليل ، فكان قلمه بالثناء يسيل .
بلادهم ديار الجود ، وعرين الأسود ، البخل عندهم ذنب لا يغفر ، وعدوهم بالثرى يعفر ، أريحية يهتز منها النسيم ، وحاتمية ينشأ عليها الفطيم ، مشاعر جياشة ، وأرواح هشاشة ، ووجوه بشاشة ، ماء البشر في صفحات الوجوه يترقرق ، ودم البطولات في شرايين الأبوة يتدفق ، إصرار على القيم ، وحفاظ على الشيم .
قلوب حشيت بالإيمان إلى الأعماق ، فليس بها مكان للكفر والنفاق .
ما دخلها فيلسوف ، لأن صوت القرآن بها يطوف ، وما حلها زنديق ، لأن أسد الرسالة في الطريق .
إذا كبر الأزدي في حومة الوغى =
رأيت شجاعاً سيداً وابن سيد
ويطربهم وقع الرماح فما لهم =
سماع لعودٍ أو غناء لمعبد
أويسية دوسية عزماتهم =
كتائبهم تسعى لنصرة أحمد
عروبة صريحة صراحة اللبن المذاب ، وألسنة فصيحة فصاحة الفجر الجذاب ، هم أعمام حسان ، وأخوال سحبان ، وأجداد غسان .
بديهتهم أسرع من الضوء إذا سرى ، وذاكرتهم أغزر من السيل إذا جرى ، ما قطر للإلحاد في ديارهم قطرة ، لأنهم على الفطرة .
لو رأى جمال أرضهم كنفشيوس المسكين ، لما نظم قصيدة مرحباً يا بكين ، ولو أبصرها جوته شاعر الألمان ، لما أنشد إلياذة الحرمان :
فالطير يرسل للعشاق أغنيةً =
والغصن يعزف والأرواح في طرب
في كل يومٍ لهم عيد بأرضهم =
فالسحر والشعر بين الجد واللعب
أرض إذا جئتها أهدتك زينتها =
حمالة الورد لا حمالة الحطب
طاب الهوى ورق الهواء ، وزان الظل وعذب الماء ، أرض تصنع بها القوافي ، مع الود الصافي ، والجمال الضافي . كأن وحي البيان ، أرسل لطير البستان ، فالتقى سحر الكلام ، مع نشيد الحمام ، ودمع الغمام :
رفقاً بقلبي يا جنوب فإنني =
بشر وهذا السحر يخلب عيني
قتل المحب يجوز في شرع الهوى =
لو كان دينك في الصبابة ديني
ولو عدل صاحب البوصلة لوجهها للجنوب النفيس ، وذاك الروض الأنيس ، وترك هضبة مغناطيس . ولو رأى نابليون جبال الجنوب ووديانه ، لأراحنا من هيامه بجزيرة هيليانة .
والجنوب لم تدخله الباطنية ، ولا مذهب الظاهرية ، بل تلك الديار سنية سلفية ، وقد رحبوا بدعوة التوحيد ، التي أطلقها المجدد الفريد ، صاحب المنهج السديد ، وتقبلوا لهذه الدعوة بقبول حسن ، وصاروا على أحسن سنن .
وقد ردوا كل نحلة لا تصح ، لأنه نهي أن يورد الممرض على المصح ، وعاش أجيالها اليوم على كتب ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، وكتب مجدد الدعوة السلفية .
وقد آتاهم الله أذهاناً بالبديهة سائلة ، وألسنة بالفصحى قائلة ، ينظم أحدهم الأرجوزة ، في جلسة وجيزة ، وينشأ أحدهم القصيدة ، بموهبة فريدة .
شاركوا في القادسية وقادهم جرير ، وأنزلوا رستم من على السرير ، ما عرض الإسلام على أحدهم إلا أسلم ، وما نودي يوم الروع إلا تقدم ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأزدي أبا ضماد ، فأجابه إلى الإسلام والجهاد . وذكر ابن القيم وفد الأزد فأطنب في ذكرهم ، وأحسن في شكرهم . وذكر حديثاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في وفدهم :
(( علماء ، حلماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .
ومنهم محمد بن واسع الزاهد العابد ، العالم المجاهد ، صاحب الكلمات الفاصلة ، التي هي إلى القلوب واصلة . ومنهم المناذرة الملوك ، ومجدهم بالجود محبوك . وعلى بساطهم وقعت المساجلات ، وفي ديوانهم حصلت المناظرات والمحاورات .
ومنهم الغساسنة ملوك الشام ، أهل القلم والحسام ، حتى قال حسان :
إن تسألينا فإنا معشر نجب =
الأزد نسبتنا والماء غسان
ومنهم آل المهلب أسرة الشرف والريادة ، والكرم والسيادة .
واعلم أن أصول كثير من العلماء السراة ، من جبال السراة . فعبد الغني الأزدي الحافظ الشهير ، آباؤه من السروات بلا نكير ، والطحاوي صاحب العقيدة ، من تلك البلاد المجيدة ، بل ذكر الشيخ المنسي في كتابه في تاريخ الرجال ، أن مئات المحدثين من تلك الجبال ، واحتفل النسابة الجاسر ، بذكر مواطن القوم والمآثر ، وطالع ما كتبه عن رجالهم الذهبي في السير ، وما سطره أهل التاريخ والخبر .
وفيهم ثلاث فضائل ، لم تجتمع في غيرهم من القبائل :
سلامة الصدور ، كماء الطهور ، فليس عندهم ضغائن ، ولا دفائن ؛ بل غضب الواحد في لسانه ، ثم يعود إلى إحسانه .
ومنها ذكاء وقاد ، وطبع في الفهم منقاد ، مع غزارة في القريحة ، وأخلاق مليحة .
ومنها فصاحة وبيان ، كأن على طرف كل لسان سحبان ، وعلى شفتي كل شفة حسان . والحمد لله الذي سلمهم من برص الإسماعيلية ، وسلطان النصيرية ، وداء البطائحية ، وحمق الصوفية ، وتجهم الجهمية ، فطريقتهم محمدية أحمدية .
وليس عندهم صلف الخوارج المارقين ، ولا عتو الروافض المحترقين ، وليس للزندقة عندهم قرار ، ولا للبدعة ببلدهم دار ، بل أهل سكينة ووقار ، كما وصفهم بذلك المختار . ولم تدخلهم العجم الجفاة ، ولا طيش الأعراب الحفاة ، فهم أهل جنات وعيون ، وأهل أدب وشجون .
وقد مدحهم الداعية الشهير القرعاوي ، وذكرهم بحسن المساعي ، وإجابة الداعي ، وسطر فيهم الشعراء أحسن قصائدهم ، ودبج فيهم الخطباء أجود قلائدهم .
وسل أهل العلم ممن زارهم ، وحل دارهم ، فإنه ينقلب إلى أهله مسروراً ، بعد أن ملئوه حبوراً . وما دفعني لما قلته عصبية ، أو حمية مذهبية ، بل كلمة حق ، وشهادة صدق ، وقد ذكرت فضال غيرهم من أهل البلدان ، وما تنقصت بسببهم غيرهم من سكان الأوطان ، وانظر إلى الإنصاف والإتحاف في المقامة المكية ، والمقامة النجدية ، واليمنية ، وغيرها من المقامات ، وهذا من الاعتراف بالحسنات .
واعلم أن مئات المورخين والأدباء ، سبقوني إلى ذكر مناقب جبال السروات الشماء ، وأهلها الكرماء ، وقد نظم لبيد قصيدة في تبالة ، وحط ابن بطوطة في السراة رحالة ، ولما زارها تأبط شرا ، مدحها وقد تأبط خيرا ، وقد قال أحد شعرائها ، ينوه بمجد فضائلها .
نحن وجه الشمس إسلام وقوة =
نسب حر ومجد وفتوة
نحن أزد الله في يوم الردى =
قد وضعنا الكفر في سبعين هوة
وأويس جدنا من قرن =
أو ما تلمح مجداً في البنوة
والسيوف البيض في أيماننا =
يوم ضرب الهام من دون النبوة
للشيخ الدكتور : عائض القرني
(( فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ))
كنا جبالاً في الجبال وربما =
سرنا على موج البحار بحاراً
بمعابد الإفرنج كان أذاننا =
قبل الكتائب يفتح الأمصاراً
سلم على السراة ، وعلى الجنوب مدنه وقراه ، لتكون مع التأريخ صادقا ، وبالحق ناطقا . في السراة رجال تكاد الأسود أن تقول من شجاعتهم رفقاً يا ناس ، ويكاد السحاب ينادي جبالها لا مساس .
بها ولد أبو هريرة سيد المحدثين ، وهي ديار الخليل بن أحمد إمام النحويين ، من السراة سارت قوافل الوفود ، إلى رسول الوجود ، تعاهد على نصرة الإسلام ، ومتابعة الإمام . منها وفد جرير سيد بجيلة ، صاحب المواقف الجليلة ، ومنها أطل الطفيل سيد دوس ، موقد الحرب الضروس .
في جبال السروات نظم الشنفري الأزدي لاميته العصماء . وفي روابيها سجل الخثعمي داليته الغراء . أما علمت أنها أرض القرني أويس ، وبلاد أسماء بنت عميس .
في السراة كل خطيب وشاعر ، لأن الشعر من المشاعر .
السراة حيث خصوبة التراب ، ونداوة الضباب ، وهمع السحاب .
كأن الطل بديارهم دموع حبيب ، وكأن الظل بأرضهم برد قشيب .
أرض إذا طاولت هام جبالها =
قالت تواضع أيها الإنسان
وإذا دخلت غياضها ورياضها =
غنى الحمام وصفق الريحان
فيها مدرسة الحفظ لأن الحفظ هريري دوسي ، وهي إيوان الزهد لأن الزهد أويسي .
هنا الشعر الفصيح ، والنسب الصريح ، والوجه المليح ، خطباء حفاظ ، يغار منهم سوق عكاظ ، لروعة تلك الألفاظ ، مع القمم همم ، ومع الشجاعة كرم ، لا تنكر أخلاقهم البديعة ، فكما قال ابن خلدون : الأخلاق تتبع الطبيعة . ذكرهم الهمداني في الإكليل ، فكان قلمه بالثناء يسيل .
بلادهم ديار الجود ، وعرين الأسود ، البخل عندهم ذنب لا يغفر ، وعدوهم بالثرى يعفر ، أريحية يهتز منها النسيم ، وحاتمية ينشأ عليها الفطيم ، مشاعر جياشة ، وأرواح هشاشة ، ووجوه بشاشة ، ماء البشر في صفحات الوجوه يترقرق ، ودم البطولات في شرايين الأبوة يتدفق ، إصرار على القيم ، وحفاظ على الشيم .
قلوب حشيت بالإيمان إلى الأعماق ، فليس بها مكان للكفر والنفاق .
ما دخلها فيلسوف ، لأن صوت القرآن بها يطوف ، وما حلها زنديق ، لأن أسد الرسالة في الطريق .
إذا كبر الأزدي في حومة الوغى =
رأيت شجاعاً سيداً وابن سيد
ويطربهم وقع الرماح فما لهم =
سماع لعودٍ أو غناء لمعبد
أويسية دوسية عزماتهم =
كتائبهم تسعى لنصرة أحمد
عروبة صريحة صراحة اللبن المذاب ، وألسنة فصيحة فصاحة الفجر الجذاب ، هم أعمام حسان ، وأخوال سحبان ، وأجداد غسان .
بديهتهم أسرع من الضوء إذا سرى ، وذاكرتهم أغزر من السيل إذا جرى ، ما قطر للإلحاد في ديارهم قطرة ، لأنهم على الفطرة .
لو رأى جمال أرضهم كنفشيوس المسكين ، لما نظم قصيدة مرحباً يا بكين ، ولو أبصرها جوته شاعر الألمان ، لما أنشد إلياذة الحرمان :
فالطير يرسل للعشاق أغنيةً =
والغصن يعزف والأرواح في طرب
في كل يومٍ لهم عيد بأرضهم =
فالسحر والشعر بين الجد واللعب
أرض إذا جئتها أهدتك زينتها =
حمالة الورد لا حمالة الحطب
طاب الهوى ورق الهواء ، وزان الظل وعذب الماء ، أرض تصنع بها القوافي ، مع الود الصافي ، والجمال الضافي . كأن وحي البيان ، أرسل لطير البستان ، فالتقى سحر الكلام ، مع نشيد الحمام ، ودمع الغمام :
رفقاً بقلبي يا جنوب فإنني =
بشر وهذا السحر يخلب عيني
قتل المحب يجوز في شرع الهوى =
لو كان دينك في الصبابة ديني
ولو عدل صاحب البوصلة لوجهها للجنوب النفيس ، وذاك الروض الأنيس ، وترك هضبة مغناطيس . ولو رأى نابليون جبال الجنوب ووديانه ، لأراحنا من هيامه بجزيرة هيليانة .
والجنوب لم تدخله الباطنية ، ولا مذهب الظاهرية ، بل تلك الديار سنية سلفية ، وقد رحبوا بدعوة التوحيد ، التي أطلقها المجدد الفريد ، صاحب المنهج السديد ، وتقبلوا لهذه الدعوة بقبول حسن ، وصاروا على أحسن سنن .
وقد ردوا كل نحلة لا تصح ، لأنه نهي أن يورد الممرض على المصح ، وعاش أجيالها اليوم على كتب ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، وكتب مجدد الدعوة السلفية .
وقد آتاهم الله أذهاناً بالبديهة سائلة ، وألسنة بالفصحى قائلة ، ينظم أحدهم الأرجوزة ، في جلسة وجيزة ، وينشأ أحدهم القصيدة ، بموهبة فريدة .
شاركوا في القادسية وقادهم جرير ، وأنزلوا رستم من على السرير ، ما عرض الإسلام على أحدهم إلا أسلم ، وما نودي يوم الروع إلا تقدم ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأزدي أبا ضماد ، فأجابه إلى الإسلام والجهاد . وذكر ابن القيم وفد الأزد فأطنب في ذكرهم ، وأحسن في شكرهم . وذكر حديثاً يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في وفدهم :
(( علماء ، حلماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .
ومنهم محمد بن واسع الزاهد العابد ، العالم المجاهد ، صاحب الكلمات الفاصلة ، التي هي إلى القلوب واصلة . ومنهم المناذرة الملوك ، ومجدهم بالجود محبوك . وعلى بساطهم وقعت المساجلات ، وفي ديوانهم حصلت المناظرات والمحاورات .
ومنهم الغساسنة ملوك الشام ، أهل القلم والحسام ، حتى قال حسان :
إن تسألينا فإنا معشر نجب =
الأزد نسبتنا والماء غسان
ومنهم آل المهلب أسرة الشرف والريادة ، والكرم والسيادة .
واعلم أن أصول كثير من العلماء السراة ، من جبال السراة . فعبد الغني الأزدي الحافظ الشهير ، آباؤه من السروات بلا نكير ، والطحاوي صاحب العقيدة ، من تلك البلاد المجيدة ، بل ذكر الشيخ المنسي في كتابه في تاريخ الرجال ، أن مئات المحدثين من تلك الجبال ، واحتفل النسابة الجاسر ، بذكر مواطن القوم والمآثر ، وطالع ما كتبه عن رجالهم الذهبي في السير ، وما سطره أهل التاريخ والخبر .
وفيهم ثلاث فضائل ، لم تجتمع في غيرهم من القبائل :
سلامة الصدور ، كماء الطهور ، فليس عندهم ضغائن ، ولا دفائن ؛ بل غضب الواحد في لسانه ، ثم يعود إلى إحسانه .
ومنها ذكاء وقاد ، وطبع في الفهم منقاد ، مع غزارة في القريحة ، وأخلاق مليحة .
ومنها فصاحة وبيان ، كأن على طرف كل لسان سحبان ، وعلى شفتي كل شفة حسان . والحمد لله الذي سلمهم من برص الإسماعيلية ، وسلطان النصيرية ، وداء البطائحية ، وحمق الصوفية ، وتجهم الجهمية ، فطريقتهم محمدية أحمدية .
وليس عندهم صلف الخوارج المارقين ، ولا عتو الروافض المحترقين ، وليس للزندقة عندهم قرار ، ولا للبدعة ببلدهم دار ، بل أهل سكينة ووقار ، كما وصفهم بذلك المختار . ولم تدخلهم العجم الجفاة ، ولا طيش الأعراب الحفاة ، فهم أهل جنات وعيون ، وأهل أدب وشجون .
وقد مدحهم الداعية الشهير القرعاوي ، وذكرهم بحسن المساعي ، وإجابة الداعي ، وسطر فيهم الشعراء أحسن قصائدهم ، ودبج فيهم الخطباء أجود قلائدهم .
وسل أهل العلم ممن زارهم ، وحل دارهم ، فإنه ينقلب إلى أهله مسروراً ، بعد أن ملئوه حبوراً . وما دفعني لما قلته عصبية ، أو حمية مذهبية ، بل كلمة حق ، وشهادة صدق ، وقد ذكرت فضال غيرهم من أهل البلدان ، وما تنقصت بسببهم غيرهم من سكان الأوطان ، وانظر إلى الإنصاف والإتحاف في المقامة المكية ، والمقامة النجدية ، واليمنية ، وغيرها من المقامات ، وهذا من الاعتراف بالحسنات .
واعلم أن مئات المورخين والأدباء ، سبقوني إلى ذكر مناقب جبال السروات الشماء ، وأهلها الكرماء ، وقد نظم لبيد قصيدة في تبالة ، وحط ابن بطوطة في السراة رحالة ، ولما زارها تأبط شرا ، مدحها وقد تأبط خيرا ، وقد قال أحد شعرائها ، ينوه بمجد فضائلها .
نحن وجه الشمس إسلام وقوة =
نسب حر ومجد وفتوة
نحن أزد الله في يوم الردى =
قد وضعنا الكفر في سبعين هوة
وأويس جدنا من قرن =
أو ما تلمح مجداً في البنوة
والسيوف البيض في أيماننا =
يوم ضرب الهام من دون النبوة
للشيخ الدكتور : عائض القرني
تعليق