على طريقة خالد الفيصل أغالط باستمرار مرور السنين، وأراجع أفكاري وأنوخ ركابها أكثر مما تحتمل، وعلى الأخص في مواسم الصيد، فقد أصبحت مغرما بمطاردة طيور الحجل منذ اللحظة التي صادفت فيها تلك الحجلة التي كانت ترقد على عش لها فيه مجموعة من البيض، فذهبت مسرعا لأخبر أخي الأكبر، ففرح فرحا عظيما وأثنى عليّ على غير عادته، حيث تعودت أن أكون مذنبا في نظره كغيره ممن هم أكبر منا حتى ولو لم تكن هناك تهمة، فمصيرها تتلبسنا ولو بعد حين.
ذهب هو أيضاُ إلى زميل له يستشيره ويستعين به للقبض على تلك الحجلة المسكينة، فاتفقوا على أن يكون الهجوم ليلا، بعد أن تأوي إلى عشها، لكن هيهات، فما عملوه من تغيير في بيئة العش قد جعلها تلاحظ وتفكر في أن بقاءها بعيدا عن العش قد يمكنها من صنع عش آخر وملأه ببيض جديد !
جعلتني تلك البيضة مغرما بمطاردة طيور الحجل، والحق أنني كنت استمتع بذلك كثيرا، حيث كنت مؤهلا لمطاردتها التي تبدأ ولا تنتهي، فما أكثر وما أسرع ما تطيح عيني عليها، مجموعات أحيانا وفرادى أحيانا أخرى، ولكنني ومع حفظي للمثل الذي يقول:" العجلة ما تصيد الحجلة " إلا أنني دائما أستعجل، ولا أحصي عدد المرات التي أرى فيها حجلا فاغزي إلى مكانه، وأفاجأ بأنني لا أجد شيء، فيصل بي الظن إلى أن الحجل قد ابتعد عن المكان الذي رأيته فيه، ولكنه وبمجرد ما أتحرك حركة طبيعية أفاجأ به يطير من حولي ويحدث أصواتا تكاد تأخذ قلبي معه.
عندما كان العمر يسعفني والظروف تناسبني، لم يكن هناك ملل ولا تعب، إلا أن الأمر بدأ يختلف عما كان عليه، ففي صيف هذا العام، غدوت على طريقة امرؤ القيس والطير في وكناتها، وما أن وصلت رأس" الصُّدُر" التي تطل على تهامة، إلا وطيور الحجل كعادتها في مثل هذه الأوقات متقاطرة تتحرك وبسرعة عجيبة إلى حيث أنا في قمة الجبل.
لم يكن هناك أروع ولا أجمل من ذلك المنظر، الجو بديع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نسيم بارد لطيف يأتي من البحر لا يحجبه عني حجاب، أشعة الشمس تعري قمة الجبل من الظل وتكسيه بالضوء، تداخلات طبيعية عجيبة تنسجها قدرة الخالق جل وعلا في أروع وابهى الحلل، لا صوت ولا صدى، إلا لذلك السرب من طيور " القهابى " ، وهو يقترب من مكاني ويبتعد، يقترب من خلال الناظور للدرجة التي أعتقد أن باستطاعتي الإمساك به، ويبتعد بمجرد ما أزيح الناظور عن نظري ..!
درست المنطقة، وقِسْت المسافة التي بيني وبينه ، وبحثت عن أفضل الطرق التي يمكن أن توصلني إليه دون أن يحس أو يشعر بحركتي، ولكن وكالعادة، وصلت إلى المكان الذي كنت أظن أنه سيمكنني من رؤيته دون أن يراني، فإذا به قد تحرك وأصبح في مكانٍ يمكنه هو من رؤيتي قبل أن أراه، فتحرك وطار بعيدا وعدت أدراجي بحسرتي....!
صعدت الجبل مرة أخرى، ولم أصل إلى قمته إلى بعد مشقة وتعب، التفت متحسرا إلى مكاني الذي كنت فيه على مقربة من طيور الحجل، وإذا بي أرى واحدة منتصبة شامخة على حجر مرتفع عما حوله، أخذت الناظور لكي أتأكد وإذا بها من أجمل ما خلق الله ، ألوانها المتدرجة مابين الرصاصي والكحلي ، الحمرة التي حول منقارها ، والوشمة التي في وجهها ، والعيون المكحلة الواسعة ، والرواجب الصفراء التي تلتف حول ساقيها ، والريش الذي ينفخه الهوا ، فيبدو كفستان زواج فتاة جميلة في ليلة عرسها ، كلها أشياء جعلتني أحتار في العودة إلى حيث هي أو الاكتفاء بالتمتع بمناظرتها والاستمتاع بجمالها وأنا في مكاني..
إن عدت فالخوف من تكرار تجربتي وتكرار تعبي الذي لم أعد أحتمله، وإن بقيت فنفسي تنازعني إلى النزول حتى ولو لم أتمكن من الطلوع مرة أخرى، تغريني هي في كل مرة أنظر إليها بالناظور حيث تبدو في أحسن الأوضاع للرمي، وأجمل ألألوان للنظر، وأحلى الأصوات للاستماع...
تداخلت الرغبات في نفسي ، فلم أعد كما كنت مغرما بالصيد لمجرد الصيد ،أو الاستعراض به أمام بني قومي ، أو الاستمتاع برقص الحجلة وهي مذبوحة في يدي ، أو نتف ريشها وتقطيع لحمها الأبيض ، بل أصبحت ميالا إلى الاستمتاع بالنظر ولو من بعيد . والعفو عند المقدرة حتى ولوكان الصيد في يدي ، فإنني لا أجد غضاضة من فكّه وإعطاءه حريته .
ما إن تحركت متجها إلي حيث هي، حتى تدحرجت من خلال الجرف الذي سلكته ليكون ساترا لي من نظرها ، فانكسرت عينا من عيون الناظور وأصابني بعض الإصابات التي أحسست بالآمها ولم اهتم بتحديد مكانها، فالذي كان يهمني هو أنها لم تحس بي فتغادر مكانها ، سيما وإنني قد اقتربت منها أكثر من أي وقت مضى، تسللت قليلا إلى حافة الجرف، وأخذت عين الناظور التي بقيت معي لكي أنظر من خلالها إلى تلك الحجلة الجميلة ، فزَلَقَتْ رجلي واتجهت إلى الهاوية ولم ينقذني من الهلاك إلا سماعي لأذان صلاة الفجر الذي أنبعث من حولي من مختلف المساجد ....!
ذهب هو أيضاُ إلى زميل له يستشيره ويستعين به للقبض على تلك الحجلة المسكينة، فاتفقوا على أن يكون الهجوم ليلا، بعد أن تأوي إلى عشها، لكن هيهات، فما عملوه من تغيير في بيئة العش قد جعلها تلاحظ وتفكر في أن بقاءها بعيدا عن العش قد يمكنها من صنع عش آخر وملأه ببيض جديد !
راقبوها حتى أظلم الليل ولكنها لم تعد، فجمعوا ما وجدوا من البيض وجآؤا
به وكان نصيبي منه بيضة واحدة لا أنسى طعمها..!
به وكان نصيبي منه بيضة واحدة لا أنسى طعمها..!
جعلتني تلك البيضة مغرما بمطاردة طيور الحجل، والحق أنني كنت استمتع بذلك كثيرا، حيث كنت مؤهلا لمطاردتها التي تبدأ ولا تنتهي، فما أكثر وما أسرع ما تطيح عيني عليها، مجموعات أحيانا وفرادى أحيانا أخرى، ولكنني ومع حفظي للمثل الذي يقول:" العجلة ما تصيد الحجلة " إلا أنني دائما أستعجل، ولا أحصي عدد المرات التي أرى فيها حجلا فاغزي إلى مكانه، وأفاجأ بأنني لا أجد شيء، فيصل بي الظن إلى أن الحجل قد ابتعد عن المكان الذي رأيته فيه، ولكنه وبمجرد ما أتحرك حركة طبيعية أفاجأ به يطير من حولي ويحدث أصواتا تكاد تأخذ قلبي معه.
عندما كان العمر يسعفني والظروف تناسبني، لم يكن هناك ملل ولا تعب، إلا أن الأمر بدأ يختلف عما كان عليه، ففي صيف هذا العام، غدوت على طريقة امرؤ القيس والطير في وكناتها، وما أن وصلت رأس" الصُّدُر" التي تطل على تهامة، إلا وطيور الحجل كعادتها في مثل هذه الأوقات متقاطرة تتحرك وبسرعة عجيبة إلى حيث أنا في قمة الجبل.
لم يكن هناك أروع ولا أجمل من ذلك المنظر، الجو بديع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نسيم بارد لطيف يأتي من البحر لا يحجبه عني حجاب، أشعة الشمس تعري قمة الجبل من الظل وتكسيه بالضوء، تداخلات طبيعية عجيبة تنسجها قدرة الخالق جل وعلا في أروع وابهى الحلل، لا صوت ولا صدى، إلا لذلك السرب من طيور " القهابى " ، وهو يقترب من مكاني ويبتعد، يقترب من خلال الناظور للدرجة التي أعتقد أن باستطاعتي الإمساك به، ويبتعد بمجرد ما أزيح الناظور عن نظري ..!
درست المنطقة، وقِسْت المسافة التي بيني وبينه ، وبحثت عن أفضل الطرق التي يمكن أن توصلني إليه دون أن يحس أو يشعر بحركتي، ولكن وكالعادة، وصلت إلى المكان الذي كنت أظن أنه سيمكنني من رؤيته دون أن يراني، فإذا به قد تحرك وأصبح في مكانٍ يمكنه هو من رؤيتي قبل أن أراه، فتحرك وطار بعيدا وعدت أدراجي بحسرتي....!
صعدت الجبل مرة أخرى، ولم أصل إلى قمته إلى بعد مشقة وتعب، التفت متحسرا إلى مكاني الذي كنت فيه على مقربة من طيور الحجل، وإذا بي أرى واحدة منتصبة شامخة على حجر مرتفع عما حوله، أخذت الناظور لكي أتأكد وإذا بها من أجمل ما خلق الله ، ألوانها المتدرجة مابين الرصاصي والكحلي ، الحمرة التي حول منقارها ، والوشمة التي في وجهها ، والعيون المكحلة الواسعة ، والرواجب الصفراء التي تلتف حول ساقيها ، والريش الذي ينفخه الهوا ، فيبدو كفستان زواج فتاة جميلة في ليلة عرسها ، كلها أشياء جعلتني أحتار في العودة إلى حيث هي أو الاكتفاء بالتمتع بمناظرتها والاستمتاع بجمالها وأنا في مكاني..
إن عدت فالخوف من تكرار تجربتي وتكرار تعبي الذي لم أعد أحتمله، وإن بقيت فنفسي تنازعني إلى النزول حتى ولو لم أتمكن من الطلوع مرة أخرى، تغريني هي في كل مرة أنظر إليها بالناظور حيث تبدو في أحسن الأوضاع للرمي، وأجمل ألألوان للنظر، وأحلى الأصوات للاستماع...
تداخلت الرغبات في نفسي ، فلم أعد كما كنت مغرما بالصيد لمجرد الصيد ،أو الاستعراض به أمام بني قومي ، أو الاستمتاع برقص الحجلة وهي مذبوحة في يدي ، أو نتف ريشها وتقطيع لحمها الأبيض ، بل أصبحت ميالا إلى الاستمتاع بالنظر ولو من بعيد . والعفو عند المقدرة حتى ولوكان الصيد في يدي ، فإنني لا أجد غضاضة من فكّه وإعطاءه حريته .
ما إن تحركت متجها إلي حيث هي، حتى تدحرجت من خلال الجرف الذي سلكته ليكون ساترا لي من نظرها ، فانكسرت عينا من عيون الناظور وأصابني بعض الإصابات التي أحسست بالآمها ولم اهتم بتحديد مكانها، فالذي كان يهمني هو أنها لم تحس بي فتغادر مكانها ، سيما وإنني قد اقتربت منها أكثر من أي وقت مضى، تسللت قليلا إلى حافة الجرف، وأخذت عين الناظور التي بقيت معي لكي أنظر من خلالها إلى تلك الحجلة الجميلة ، فزَلَقَتْ رجلي واتجهت إلى الهاوية ولم ينقذني من الهلاك إلا سماعي لأذان صلاة الفجر الذي أنبعث من حولي من مختلف المساجد ....!
تعليق