بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:ـ
يمكن تناول المظهر اللغوي للنص النقدي من مدخل وظائف اللغة .. ومنذ أن وضع سوسير الأساس المنهجي لعلم اللغة الحديث حين فرق بين اللغة والكلام اتخذت الوظيفة الاتصالية موقعها من البحث اللغوي ، فاللغة بحسب سوسير هي نسق سابق في وجوده عن استخدام الكلمات ، والممارسة الفعلية التي هي تلفظ فردي أو ( كلام ) . ومن ثم أصبح أي حديث عن اللغة في أي مجال - كحديثنا عن النص النقدي مثلا - دون الاهتمام بالموقف التواصلي ضربا من العبث .. وتعد الوظيفة الاتصالية إطارا تتحرك ضمن شروطه بقية وظائف اللغة ، فالوظيفتان الإفهامية والشعرية في مخطط جاكبسون - على سبيل المثال - ليستا سوى تفسير لمظهرين من مظاهر التواصل البشري عبر وسيط اللغة ..
ويمكن تناول وظائف اللغة عبر ثنائية الرمز والإشارة ، وهما كما عرضهما الدكتور مصطفى ناصف في (خصام مع النقاد) وظيفتان تعتمدان على علاقة اللغة بالأشياء ، وهي علاقة مباشرة بسيطة في حالة الإشارة ، وعلاقة مكثفة معقدة في حالة الرمز ، فالكلمة من حيث هي إشارة مستقلة عن موضوعها وتشير إليه بوضوح ، بينما في الرمز نحن نتحدث عن تداعيات ذهنية وانفعالية تثيرها الكلمة وتتداخل فيها سياقات متعددة .. وكل كلمة يمكن أن تؤدي الوظيفتين بحسب وضعها في الموقف التواصلي ، فالأسد مثلا هو ذلك الحيوان المفترس حين يشير إليه طفل في حديقة حيوان ، وهو رمز الشجاعة والكبرياء حين تستعمل المفردة في سياق وصف رجل بالشجاعة .
وفي السياق ذاته ميز ريتشاردز في (النقد الأدبي) بين الوظيفة الانفعالية والوظيفة الرمزية للغة . ويشار هنا إلى أن ريتشاردز شدد أيضا على أن الوظيفتين حاضرتان في أي خطاب ، وإن تفاوت حضورهما ، وأنه استعمل هذا التصنيف للتمييز بين الخطاب العلمي والخطاب الشعري . وترادف الوظيفة الرمزية مدلول الإشارية في تناول الدكتور مصطفى ناصف ، وهي الوظيفة الغالبة على الخطاب العلمي ، بينما الوظيفة الانفعالية هي المهيمنة على الخطاب الشعري ..
وفق ثنائية الإشارة والرمز عند مصطفى ناصف ، أو الوظيفة الرمزية والانفعالية لدى ريتشاردز يبدو النص النقدي مزيجا من الإشارات والرموز ، فبما أن الناقد يتناول نصاً آخر ، فهو ملزم بأن يبقى على مسافة من النص المستهدف بالنقد ، وهذا هو الجانب الإشاري في النص النقدي . وهو جانب يصبغ النقد بصبغة الخطاب العلمي بما يتطلبه من التحديد والوضوح ، إلا أن موضوع النص النقدي الأساس يدور حول الانفعال الجمالي بالنص المستهدف ، مما يعني الانسياق في لعبة إنتاج الدلالة الجمالية بطاقة توازي ما يفعله مبدع النص المستهدف ، وهذا هو الجانب الانفعالي في لغة النص النقدي .
وهكذا يبدو العمل النقدي شائكا بقدر ما يتطلب من الناقد التأرجح بين تحديد الإشارة وكثافة الرمز . ويعتمد نجاح الرسالة النقدية في إتقان الجانبين كلاهما ، فبقدر ما ينجح الناقد في إنتاج الدلالات ومضاعفة التأثير الجمالي للنص الإبداعي ، عليه أن يوصل هذا المحمول الجمالي الرمزي بوضوح وتحديدا للقارئ المحايد وللمبدع على السواء . وقد ميز المناطقة المعاصرون من مستويات اللغة ما يسمى بـ(اللغة الواصفة) ، وهي لغة موضوعها اللغة ، بما يقربنا من اللغة الشارحة المفسرة للغة أخرى . ويمكن عزو النص النقدي إلى هذا التكوين اللغوي ، بما أنه لغة موضوعها لغة نص آخر ، مما يزيد من مسؤولية الناقد في المحافظة على مسافة بينه وبين النص المستهدف .
وقد يكون المخطط الذي وضعه جاكبسون في إطار تفسير إعلامي للغة أبلغ ما يمكن الاعتماد عليه في هذا الشأن . وقد حدد جاكبسون عناصر الموقف التواصلي بستة عناصر : المرسل والمرسل إليه والرسالة والسياق والسنن وقناة التواصل ، ومن ارتباط هذه العناصر بنسب متفاوتة تنتج الوظائف الثلاث الرئيسة للرسالة : الإفهامية ، والانفعالية ، والشعرية .. ويبرز عنصر المرسل إليه في الوظيفة الإفهامية ، بينما يتم التركيز في الوظيفة الانفعالية على المرسل وموقفه الانفعالي من السياق ، أما الوظيفة الشعرية فترتد الرسالة فيها إلى نفسها بحيث اللغة تكون موضوعا لذاتها . وفق هذا التقسيم تم تصنيف النصوص بحسب الوظيفة المهيمنة فيها ، فأين يمكن تصنيف النص النقدي إذن ؟
من الواضح أن التركيز في الرسالة النقدية يتوزع بالتساوي على الوظائف الثلاث جميعا ، فالناقد ينطلق من موقف جمالي يتضمن الانفعال بنص إبداعي معين ، وهو لذلك سيكون معنيا بالتعبير عن انطباعه الشخصي تجاه النص المستهدف . ويتسم انفعال الناقد بالنص الإبداعي بكونه انفعالا جماليا بحتا ، ينطوي على مضاعفة المحمول الشعري للنص المقروء والدخول في دائرة إنتاج المعنى بفعل موازٍ لطاقة النص الإبداعي ذاته ، وهنا تظهر الوظيفة الشعرية ، حين ينشغل الناقد بالتعبير عما يثيره النص المستهدف من انفعالات جمالية .. لكن النص النقدي موجه في النهاية لمبدع النص أولا ، ولقارئ مفترض ثانيا ، مما يدفع المرسل إليه والوظيفة الإفهامية للمقدمة ..
وينبغي أن لا يطغى أي من الوظائف الثلاث على الوظيفتين الأخريين ، فإذا غلبت الوظيفة الانفعالية استحال النص النقدي نقدا انطباعيا لا يبحث فيه الناقد عن عوالم النص بقدر ما يبحث عن ذاته ، منصرفا إلى انفعالات شخصية بعيدة عن النص والنقد كليهما .. ونشير بهذا الصدد إلى ما يشيع في الساحة النقدية من روح انفعالية حادة خرجت بالخطاب النقدي كثيرا عن عوالم الإبداع ، وعن جادة الموضوعية في الوقت ذاته .. وفي مواجهة هذه الظاهرة تكتب الناقدة يمنى العيد مقالا نقديا عن الشاعر قاسم حداد(بمناسبة حصوله على جائزة العويس) بصيغة المخاطب ، وتبرره بقولها " دعني إذاَ أضف احتمالا آخر لاختياري هذه المخاطبة الطافرة من ذاتي دعني أزعم أنها رغبتي في أن نوسع للنقد الودود مساحة في صحافتنا، أو حيزا أراه يتراجع أمام مخاطبات نقدية قائمة، أكثر فأكثر، بردود الفعل الحقود، والرغبة غير المضمرة أحيانا، في تحطيم كل ما ليس أنا " .
أما حين تغلب الوظيفة الشعرية فإن الناقد يسترسل في لغة شعرية ترتد إلى نفسها وتنشئ عالمها الخاص بعيدا عن النص المستهدف ، فتغيب بذلك العلاقة الجدلية بين القارئ والنص . ومثل هذا الناقد لا يحدثنا عن العمل الأدبي الذي يقرأه في ذاته ، وإنما يحدثنا عن العواطف والانفعالات التي يخلفها هذا العمل على صفحة إحساسه ، فقراءته تتصل بمعاناته هو ولا تتصل بمعاناة النص . وقد توظف اللغة الشعرية في النقد لتغطية اضطراب الرؤية الجمالية ، والموقف النقدي . والأمثلة على هذا التوظيف الشعري للغة النقدية تشيع في النقد الصحفي ، وفيما يعرف بالمنتديات الحوارية التي تتيحها الشبكة الإلكترونية ، حيث يستغرق النص النقدي في لغة شعرية يغيب فيها النص المستهدف بالنقد ، ولا يكاد يخرج القارئ منها بإضافة محددة لرصيده الجمالي لا سيما فيما يتعلق بالنص المستهدف .
ومن الملحوظ أن بعض الأقلام الأكاديمية أخذت تستسهل هذه الممارسة المجانية للنقد . ولعل من الطريف أن أنقل ما أورده الأستاذ الشاعر حامد بن عقيل متمثلا هذا النوع من النصوص النقدية في إحدى حواراته بمنتدى جسد الثقافة ، حين يقول على لسان ناقد من هذه الفئة : "تتموضع الحكاية في بوتقة السرد المنكفئ على ذات مأزومة في مواجهة عوالم تتقاطع مع إشراقات تختفي أحيانا و تشق عباب الوعي أحيانا أخرى في قلب بطل / ة القصة لتعلن رفضها انتهاك العالم لخصوصية الذات المتعثرة في الأنا و الآخر لدى القاص / ة ( ...... ) في قصّة ( ..... ) ."
ولا يخفى ما تجنيه غلبة الوظيفة الإفهامية على النص النقدي ، فهي تفقر النص النقدي وتكاد تفرغه من محتواه الجمالي الأساس في تكوينه . ونجد هذا في بعض أمثلة النقد الأكاديمي ، حيث تتحول بعض القراءات عن النص المقروء في سبيل الامتثال المطلق لأدوات المنهج ، وأحيانا يتحول النص النقدي إلى محض رسومات بيانية ومخططات هندسية ، يغيب فيها الانفعال الجمالي بالنص .
خلاصة القول أن النص النقدي ينبغي أن يصوغ لغته من مواد البيئة الثقافية المحلية ، ويتحرك في إطار قضاياها وإشكالياتها ، بحيث يوازن بين وظائف اللغة لتحقيق أركان الموقف التواصلي الذي يتطلبه النقد ، والتي يمثل الجانب التداولي التواصلي فيها حجر الأساس.
منقول للفائدة( أسماء بنت صالح الزهراني)
أخوكم القلم الحر أبو مشاري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:ـ
يمكن تناول المظهر اللغوي للنص النقدي من مدخل وظائف اللغة .. ومنذ أن وضع سوسير الأساس المنهجي لعلم اللغة الحديث حين فرق بين اللغة والكلام اتخذت الوظيفة الاتصالية موقعها من البحث اللغوي ، فاللغة بحسب سوسير هي نسق سابق في وجوده عن استخدام الكلمات ، والممارسة الفعلية التي هي تلفظ فردي أو ( كلام ) . ومن ثم أصبح أي حديث عن اللغة في أي مجال - كحديثنا عن النص النقدي مثلا - دون الاهتمام بالموقف التواصلي ضربا من العبث .. وتعد الوظيفة الاتصالية إطارا تتحرك ضمن شروطه بقية وظائف اللغة ، فالوظيفتان الإفهامية والشعرية في مخطط جاكبسون - على سبيل المثال - ليستا سوى تفسير لمظهرين من مظاهر التواصل البشري عبر وسيط اللغة ..
ويمكن تناول وظائف اللغة عبر ثنائية الرمز والإشارة ، وهما كما عرضهما الدكتور مصطفى ناصف في (خصام مع النقاد) وظيفتان تعتمدان على علاقة اللغة بالأشياء ، وهي علاقة مباشرة بسيطة في حالة الإشارة ، وعلاقة مكثفة معقدة في حالة الرمز ، فالكلمة من حيث هي إشارة مستقلة عن موضوعها وتشير إليه بوضوح ، بينما في الرمز نحن نتحدث عن تداعيات ذهنية وانفعالية تثيرها الكلمة وتتداخل فيها سياقات متعددة .. وكل كلمة يمكن أن تؤدي الوظيفتين بحسب وضعها في الموقف التواصلي ، فالأسد مثلا هو ذلك الحيوان المفترس حين يشير إليه طفل في حديقة حيوان ، وهو رمز الشجاعة والكبرياء حين تستعمل المفردة في سياق وصف رجل بالشجاعة .
وفي السياق ذاته ميز ريتشاردز في (النقد الأدبي) بين الوظيفة الانفعالية والوظيفة الرمزية للغة . ويشار هنا إلى أن ريتشاردز شدد أيضا على أن الوظيفتين حاضرتان في أي خطاب ، وإن تفاوت حضورهما ، وأنه استعمل هذا التصنيف للتمييز بين الخطاب العلمي والخطاب الشعري . وترادف الوظيفة الرمزية مدلول الإشارية في تناول الدكتور مصطفى ناصف ، وهي الوظيفة الغالبة على الخطاب العلمي ، بينما الوظيفة الانفعالية هي المهيمنة على الخطاب الشعري ..
وفق ثنائية الإشارة والرمز عند مصطفى ناصف ، أو الوظيفة الرمزية والانفعالية لدى ريتشاردز يبدو النص النقدي مزيجا من الإشارات والرموز ، فبما أن الناقد يتناول نصاً آخر ، فهو ملزم بأن يبقى على مسافة من النص المستهدف بالنقد ، وهذا هو الجانب الإشاري في النص النقدي . وهو جانب يصبغ النقد بصبغة الخطاب العلمي بما يتطلبه من التحديد والوضوح ، إلا أن موضوع النص النقدي الأساس يدور حول الانفعال الجمالي بالنص المستهدف ، مما يعني الانسياق في لعبة إنتاج الدلالة الجمالية بطاقة توازي ما يفعله مبدع النص المستهدف ، وهذا هو الجانب الانفعالي في لغة النص النقدي .
وهكذا يبدو العمل النقدي شائكا بقدر ما يتطلب من الناقد التأرجح بين تحديد الإشارة وكثافة الرمز . ويعتمد نجاح الرسالة النقدية في إتقان الجانبين كلاهما ، فبقدر ما ينجح الناقد في إنتاج الدلالات ومضاعفة التأثير الجمالي للنص الإبداعي ، عليه أن يوصل هذا المحمول الجمالي الرمزي بوضوح وتحديدا للقارئ المحايد وللمبدع على السواء . وقد ميز المناطقة المعاصرون من مستويات اللغة ما يسمى بـ(اللغة الواصفة) ، وهي لغة موضوعها اللغة ، بما يقربنا من اللغة الشارحة المفسرة للغة أخرى . ويمكن عزو النص النقدي إلى هذا التكوين اللغوي ، بما أنه لغة موضوعها لغة نص آخر ، مما يزيد من مسؤولية الناقد في المحافظة على مسافة بينه وبين النص المستهدف .
وقد يكون المخطط الذي وضعه جاكبسون في إطار تفسير إعلامي للغة أبلغ ما يمكن الاعتماد عليه في هذا الشأن . وقد حدد جاكبسون عناصر الموقف التواصلي بستة عناصر : المرسل والمرسل إليه والرسالة والسياق والسنن وقناة التواصل ، ومن ارتباط هذه العناصر بنسب متفاوتة تنتج الوظائف الثلاث الرئيسة للرسالة : الإفهامية ، والانفعالية ، والشعرية .. ويبرز عنصر المرسل إليه في الوظيفة الإفهامية ، بينما يتم التركيز في الوظيفة الانفعالية على المرسل وموقفه الانفعالي من السياق ، أما الوظيفة الشعرية فترتد الرسالة فيها إلى نفسها بحيث اللغة تكون موضوعا لذاتها . وفق هذا التقسيم تم تصنيف النصوص بحسب الوظيفة المهيمنة فيها ، فأين يمكن تصنيف النص النقدي إذن ؟
من الواضح أن التركيز في الرسالة النقدية يتوزع بالتساوي على الوظائف الثلاث جميعا ، فالناقد ينطلق من موقف جمالي يتضمن الانفعال بنص إبداعي معين ، وهو لذلك سيكون معنيا بالتعبير عن انطباعه الشخصي تجاه النص المستهدف . ويتسم انفعال الناقد بالنص الإبداعي بكونه انفعالا جماليا بحتا ، ينطوي على مضاعفة المحمول الشعري للنص المقروء والدخول في دائرة إنتاج المعنى بفعل موازٍ لطاقة النص الإبداعي ذاته ، وهنا تظهر الوظيفة الشعرية ، حين ينشغل الناقد بالتعبير عما يثيره النص المستهدف من انفعالات جمالية .. لكن النص النقدي موجه في النهاية لمبدع النص أولا ، ولقارئ مفترض ثانيا ، مما يدفع المرسل إليه والوظيفة الإفهامية للمقدمة ..
وينبغي أن لا يطغى أي من الوظائف الثلاث على الوظيفتين الأخريين ، فإذا غلبت الوظيفة الانفعالية استحال النص النقدي نقدا انطباعيا لا يبحث فيه الناقد عن عوالم النص بقدر ما يبحث عن ذاته ، منصرفا إلى انفعالات شخصية بعيدة عن النص والنقد كليهما .. ونشير بهذا الصدد إلى ما يشيع في الساحة النقدية من روح انفعالية حادة خرجت بالخطاب النقدي كثيرا عن عوالم الإبداع ، وعن جادة الموضوعية في الوقت ذاته .. وفي مواجهة هذه الظاهرة تكتب الناقدة يمنى العيد مقالا نقديا عن الشاعر قاسم حداد(بمناسبة حصوله على جائزة العويس) بصيغة المخاطب ، وتبرره بقولها " دعني إذاَ أضف احتمالا آخر لاختياري هذه المخاطبة الطافرة من ذاتي دعني أزعم أنها رغبتي في أن نوسع للنقد الودود مساحة في صحافتنا، أو حيزا أراه يتراجع أمام مخاطبات نقدية قائمة، أكثر فأكثر، بردود الفعل الحقود، والرغبة غير المضمرة أحيانا، في تحطيم كل ما ليس أنا " .
أما حين تغلب الوظيفة الشعرية فإن الناقد يسترسل في لغة شعرية ترتد إلى نفسها وتنشئ عالمها الخاص بعيدا عن النص المستهدف ، فتغيب بذلك العلاقة الجدلية بين القارئ والنص . ومثل هذا الناقد لا يحدثنا عن العمل الأدبي الذي يقرأه في ذاته ، وإنما يحدثنا عن العواطف والانفعالات التي يخلفها هذا العمل على صفحة إحساسه ، فقراءته تتصل بمعاناته هو ولا تتصل بمعاناة النص . وقد توظف اللغة الشعرية في النقد لتغطية اضطراب الرؤية الجمالية ، والموقف النقدي . والأمثلة على هذا التوظيف الشعري للغة النقدية تشيع في النقد الصحفي ، وفيما يعرف بالمنتديات الحوارية التي تتيحها الشبكة الإلكترونية ، حيث يستغرق النص النقدي في لغة شعرية يغيب فيها النص المستهدف بالنقد ، ولا يكاد يخرج القارئ منها بإضافة محددة لرصيده الجمالي لا سيما فيما يتعلق بالنص المستهدف .
ومن الملحوظ أن بعض الأقلام الأكاديمية أخذت تستسهل هذه الممارسة المجانية للنقد . ولعل من الطريف أن أنقل ما أورده الأستاذ الشاعر حامد بن عقيل متمثلا هذا النوع من النصوص النقدية في إحدى حواراته بمنتدى جسد الثقافة ، حين يقول على لسان ناقد من هذه الفئة : "تتموضع الحكاية في بوتقة السرد المنكفئ على ذات مأزومة في مواجهة عوالم تتقاطع مع إشراقات تختفي أحيانا و تشق عباب الوعي أحيانا أخرى في قلب بطل / ة القصة لتعلن رفضها انتهاك العالم لخصوصية الذات المتعثرة في الأنا و الآخر لدى القاص / ة ( ...... ) في قصّة ( ..... ) ."
ولا يخفى ما تجنيه غلبة الوظيفة الإفهامية على النص النقدي ، فهي تفقر النص النقدي وتكاد تفرغه من محتواه الجمالي الأساس في تكوينه . ونجد هذا في بعض أمثلة النقد الأكاديمي ، حيث تتحول بعض القراءات عن النص المقروء في سبيل الامتثال المطلق لأدوات المنهج ، وأحيانا يتحول النص النقدي إلى محض رسومات بيانية ومخططات هندسية ، يغيب فيها الانفعال الجمالي بالنص .
خلاصة القول أن النص النقدي ينبغي أن يصوغ لغته من مواد البيئة الثقافية المحلية ، ويتحرك في إطار قضاياها وإشكالياتها ، بحيث يوازن بين وظائف اللغة لتحقيق أركان الموقف التواصلي الذي يتطلبه النقد ، والتي يمثل الجانب التداولي التواصلي فيها حجر الأساس.
منقول للفائدة( أسماء بنت صالح الزهراني)
أخوكم القلم الحر أبو مشاري
تعليق