إخواني الكرام .... هذه ورقة أخرى من كتابي الجديد والذي سيصدر قريبا بإذن الله بعنوان ( من وحي القرية)
إطلالة على الماضي
وقفة أمام بوابة الذكريات
* المكان : أمام منزلنا القديم . * الزمان : بعد أكثر من عشرين عامًا على الرحيل
وقفتُ هنا ... أدق أبواب الماضي .. بمشاعري ولحاظي ..لأسكبها في عباراتي وألفاظي .. وقفت أستنشق عبير الذكريات .. وأحفر تحت تراب الزمن .. لعلي أنتزع منه بعض نفسي المدفونة في هذا المكان ...
وقفت كما قال الشاعر يحيى السماوي :
أتفحص الشرفات أبحث بينها = عن خيط ذكرى من قميص حياتي
يا الله ... لم يكن يدور بخلدي وأنا ذاهب إلى القرية القديمة التي قضيت فيها سنوات عمري الأولى أن أراها بهذه الصورة !!! لقد تبدل كل شيء في هذا المكان ...
أخذتُ أطرق باب الماضي لعلي أرى خلفه أحلى أيامي وأجمل ذكرياتي .. وحاولت عابثًا أن أمسك بذيل الأيام المنحدرة إلى المستقبل .. فتوقفتْ دورة الزمان .. وأركبتني الذكريات على ظهرها فتخطتْ بي حاجز عشرين عامًا .. هي المسافة التي بيني وبين تلك الأيام .. وفُتحتْ لي نافذة رأيت من خلالها أجمل السنوات وأسعد اللحظات ..
رأيت تلك المنازل العامرة والتي لا تتجاوز أربعة بيوت .. وكانت أصل القرية وقلبها النابض بالحركة والحياة .. لقد كانت هذه البيوت القليلة تضم تحت جناحيها معظم أفراد القرية .. وكانوا يعيشون تحت سقف واحد تقريبًا .. يجمعهم الإخاء .. وتضمهم المحبة .. وتسودهم الألفة ...
لقد كانت الحيـاة أبسط مما يتخيله العقل .. وكان الناس مثالاً للشهامـة والوفاء .. لقد تأصَّلتْ في نفوسهم أجمل المعاني والتي استقوها من بيئتهم ...
فاتصال المنازل علَّمهم التواصل والترابط والتكاتف .. وقوة أبنيتهم التي تحطمت عليها قرون الزمان رسَّخ في نفوسهم القوة والصلابة .. واحتضان بيوتهم لهم غرس فيهم إكرام الضيف .. ونجدة المحتاج .. وسعة بيوتهم للناس على ضيق أحجامها أكسبهم سعة صدورهم لخصومهم ..
يا الله ... لقد دارت دورة الزمان على هذه المنازل .. وعلى هذه الأماكن .. فلم يبق فيها إلا غبار الذكريات .. الذي أخذتُ أزيله عن ملامح منزلنا القديم .. فنظرتُ في جدرانه .. وكررتُ نظري على سقفه وحجارته فقرأت فيها عبارات الماضي .. وسطورًا خطَّها الزمان في دفتر الذكريات ... وإذا بالذكريات تطوف بي مرة أخرى وتتخطى حواجز السنين .. وتجتاز رقاب الأيام .. لتريني أيامي الأولى التي عشتها في هذه المرابع .. وكانت فيها جذور حياتي التي تعمَّقتْ تحت هذا التراب .. فهل للنسيان أن يجتثها من هذا المكان ؟؟!
لقد ارتبطت أيام عمري الأولى ارتباطًا وثيقًا بهذه المنازل فكانت فرحتي وبهجتي .. وسعادتي وغبطتي وكانت ساحاتها مكان لهوي ولعبي .. وعلمي وأدبي .. لقد ضحكت فيها كثيرًا .. وبكيت منها كثيرًا وحزنت بها أيامًا .. وفرحت بها أعوامًا .. فهل يعقل أن يبتلعها جوف النسيان .. أو أن تمحوها يد الزمان !! كـلا وألف كلا أن تتغير صورتها من خافقي ..أو تتبدل ملامحها من فؤادي .. وإذا أنا أتيت
إلى هنا لأقلِّبَ صفحات مضتْ .. وأنبش أيامًا خلتْ .. فما هذا إلا لأجدِّد إلى القلب صورًا ثابتة .. ولأغسل من الفؤاد ملامح باهتة ..
من يصدق أن هذا المكان والذي لا يكاد يتسع إلا للقلة القليلة قد كان يستوعب أغلب أفراد القرية .. نساءً ورجالاً وكبارًا وأطفالاً ؟! من يصدق أن في هذه الساحة كان الناس يروحون ويجيئون .. ويجلسون ويجتمعون ؟!
ومن يصدق أن في داخل هذه البيوت كان الناس يأكلون ويشربون وينامون ويضيِّفون .. وكانت في هذه البيوت تقام الأعراس والولائم .. والأفراح .. والمآتم؟!
فأين أولئك القوم ؟؟!
لقد ابتلعتهم الأرض في جوفها .. كما أكل الزمان من أطراف بيوتهم وساحاتهم ...
أما أنا فسوف أظل أحمل حُبَّ هذه الأماكن في قلبي .. وسوف أحتفظ بذكراها في فؤادي .. حتى أدفن وتدفن معي في قبري إن شاء الله ....
إطلالة على الماضي
وقفة أمام بوابة الذكريات
* المكان : أمام منزلنا القديم . * الزمان : بعد أكثر من عشرين عامًا على الرحيل
وقفتُ هنا ... أدق أبواب الماضي .. بمشاعري ولحاظي ..لأسكبها في عباراتي وألفاظي .. وقفت أستنشق عبير الذكريات .. وأحفر تحت تراب الزمن .. لعلي أنتزع منه بعض نفسي المدفونة في هذا المكان ...
وقفت كما قال الشاعر يحيى السماوي :
أتفحص الشرفات أبحث بينها = عن خيط ذكرى من قميص حياتي
يا الله ... لم يكن يدور بخلدي وأنا ذاهب إلى القرية القديمة التي قضيت فيها سنوات عمري الأولى أن أراها بهذه الصورة !!! لقد تبدل كل شيء في هذا المكان ...
أخذتُ أطرق باب الماضي لعلي أرى خلفه أحلى أيامي وأجمل ذكرياتي .. وحاولت عابثًا أن أمسك بذيل الأيام المنحدرة إلى المستقبل .. فتوقفتْ دورة الزمان .. وأركبتني الذكريات على ظهرها فتخطتْ بي حاجز عشرين عامًا .. هي المسافة التي بيني وبين تلك الأيام .. وفُتحتْ لي نافذة رأيت من خلالها أجمل السنوات وأسعد اللحظات ..
رأيت تلك المنازل العامرة والتي لا تتجاوز أربعة بيوت .. وكانت أصل القرية وقلبها النابض بالحركة والحياة .. لقد كانت هذه البيوت القليلة تضم تحت جناحيها معظم أفراد القرية .. وكانوا يعيشون تحت سقف واحد تقريبًا .. يجمعهم الإخاء .. وتضمهم المحبة .. وتسودهم الألفة ...
لقد كانت الحيـاة أبسط مما يتخيله العقل .. وكان الناس مثالاً للشهامـة والوفاء .. لقد تأصَّلتْ في نفوسهم أجمل المعاني والتي استقوها من بيئتهم ...
فاتصال المنازل علَّمهم التواصل والترابط والتكاتف .. وقوة أبنيتهم التي تحطمت عليها قرون الزمان رسَّخ في نفوسهم القوة والصلابة .. واحتضان بيوتهم لهم غرس فيهم إكرام الضيف .. ونجدة المحتاج .. وسعة بيوتهم للناس على ضيق أحجامها أكسبهم سعة صدورهم لخصومهم ..
يا الله ... لقد دارت دورة الزمان على هذه المنازل .. وعلى هذه الأماكن .. فلم يبق فيها إلا غبار الذكريات .. الذي أخذتُ أزيله عن ملامح منزلنا القديم .. فنظرتُ في جدرانه .. وكررتُ نظري على سقفه وحجارته فقرأت فيها عبارات الماضي .. وسطورًا خطَّها الزمان في دفتر الذكريات ... وإذا بالذكريات تطوف بي مرة أخرى وتتخطى حواجز السنين .. وتجتاز رقاب الأيام .. لتريني أيامي الأولى التي عشتها في هذه المرابع .. وكانت فيها جذور حياتي التي تعمَّقتْ تحت هذا التراب .. فهل للنسيان أن يجتثها من هذا المكان ؟؟!
لقد ارتبطت أيام عمري الأولى ارتباطًا وثيقًا بهذه المنازل فكانت فرحتي وبهجتي .. وسعادتي وغبطتي وكانت ساحاتها مكان لهوي ولعبي .. وعلمي وأدبي .. لقد ضحكت فيها كثيرًا .. وبكيت منها كثيرًا وحزنت بها أيامًا .. وفرحت بها أعوامًا .. فهل يعقل أن يبتلعها جوف النسيان .. أو أن تمحوها يد الزمان !! كـلا وألف كلا أن تتغير صورتها من خافقي ..أو تتبدل ملامحها من فؤادي .. وإذا أنا أتيت
إلى هنا لأقلِّبَ صفحات مضتْ .. وأنبش أيامًا خلتْ .. فما هذا إلا لأجدِّد إلى القلب صورًا ثابتة .. ولأغسل من الفؤاد ملامح باهتة ..
من يصدق أن هذا المكان والذي لا يكاد يتسع إلا للقلة القليلة قد كان يستوعب أغلب أفراد القرية .. نساءً ورجالاً وكبارًا وأطفالاً ؟! من يصدق أن في هذه الساحة كان الناس يروحون ويجيئون .. ويجلسون ويجتمعون ؟!
ومن يصدق أن في داخل هذه البيوت كان الناس يأكلون ويشربون وينامون ويضيِّفون .. وكانت في هذه البيوت تقام الأعراس والولائم .. والأفراح .. والمآتم؟!
فأين أولئك القوم ؟؟!
لقد ابتلعتهم الأرض في جوفها .. كما أكل الزمان من أطراف بيوتهم وساحاتهم ...
أما أنا فسوف أظل أحمل حُبَّ هذه الأماكن في قلبي .. وسوف أحتفظ بذكراها في فؤادي .. حتى أدفن وتدفن معي في قبري إن شاء الله ....