المقالة الأولى
" أما قبل "
هذه سلسة من المقالات المتتالية والمترابطة تلقي بعض الضوء على بعض قصائد الشاعر عبد الواحد سعود الزهراني التي سجلت حضورا غير عاديا في أغراضها ومناسباتها وتلقاها الناس بغير ماتلقوا قصائد أخرى له أو لشعراء آخرون .
قصائد كانت من وجهة نظري شاهدة على العصر وذلك يكفيها .
اســــــتهلال :
عندما نتحدث عن ظاهرة عبد الواحد الشعرية ، وأثرها في الحياتين الأدبية والاجتماعية في الجنوب ، بل في كثير من أنحاء المملكة، فإن ذلك لا يغدو غريبا ولا مستحدثا ، عند أناس عرفوه معرفة الأخ ،والصديق ، والزميل ، والشاعر الذي لا تغيب صورته عن مجالسهم ، ومناسباتهم ، وساحاتهم ، حتى غدا أكثرهم يضعه في قاموسه وأولوياته ساعة الحديث عن الفحولة الشعرية ،وعن قوة النوع الشعري ، وقدرته على صنع الجزالة في اللغة والأسلوب ، والرؤيا وفي جعل أغراض الشعر حاضنة للكثير من المجسات التي يمكنها أن تلامس [ خفايا العصر ] أو ربما تشارك في كتابته ولو بطريقة مغايرة ..!!
واحسب أن شاعرا يمتلك هذه القدرات وهذه الخصال ينبغي أن يحظى باهتمام استثنائي لحياته وإنتاجه، بدءا من مكان ولادته ، مرورا بطفولته ، ومعرفة هواياته ، وأترابه وعالمه العائلي ، والبيئي والمدارس والجامعات التي تعلم فيها ، والمعلمين الذين أعطوه العلم والمعرفة ودروس الشعر ، والكشف عن الخصائص والاستعدادات التي يملكها ، والتي أسهمت في خلق شخصيته وأغراضه وفنونه الشعرية.
وأعلم أن الإحاطة بكل ذلك أشبه بالمستحيل لكنه لا يقف عائقاً دون المضي في دراسة أجزاء من تلك الجوانب ســيّـما في حياته المديدة – إنشاء الله – والعامرة بمزيد من الإنتاج والإبداع .
أقول ذلك لأن الحياة العربية لا تزال تثبت وتؤكد يوما بعد آخـر أن علينا دائماً انتظار المــبدع حتى يموت لكي نتسابق في الإعلان عن حقنا ( المتأخر ) في الإصغاء إليه وأتساءل لماذا يتوجب علينا دائماً، في الحياة العربية، أن نأتي متأخرين عشرات السنين لكي نصغي إلى مبدعينا المتقدمين .
إنني أتفهم أن يسبق المبدعون عصرهم، ولكن ألا يلحق العصر بالمبدعين وأن يتأخر عن النص وعن صاحبه المبدع إلى هذا الحد المخجل فإن ذلك مالا أفهمــه بل إن ذلك يؤكد أن هناك خلل بل عطب حضاري يفتك بنا ومرض أزلي وغيبوبة أبدية خيمت علينا لا نكاد نفيق منها إلا لحظات تأبينية ثم مانلبث معــاودة الإغفاء مرة أخرى .
وبينما يتم هــذا عندنا فإن في احتفاء الثقافة الأوربية بتفاصيل رموزها الإبداعية وتهيئة كل الإمكانات المادية والبحثية لدراسة هذه الرموز حدّ تأسيس المتاحف الخاصة بهم ووضع كل مفردات هذه التفاصيل أمام أعين الزوار والقراء وإدامة هذا الجهد بصورة دائمة ،، وكأنه جزء من الاحتفاء بالتاريخ والحضارة التي أغنى وجودها تطور المجتمعات والبيئات وصناعة الجمال الخالد .. ومثل ذلك ماينبغي عليه أن يضعنا أمام ضرورة إعادة النظر في الكثير من خفايا هذه الموضوعات وضرورة تسمية الأشياء بأسمائها دون عقد أو حساسيات من الإيديولوجيات أو الأمكنة أو سيكولوجيا الأعراق والعصبيات المسئولة عن جزء كبير من تخلفنا وعقوقنا !!!
مدخـــــــــــل :
عندما قال " ييتس " " القصيدة هي نفسي" فهو لم يزد على وصف المشاعر المشتركة والمتبادلة بين ذاته والقصيدة .
ولا يفاجئنا نزار قباني حينما يرى الشعر رغيفًا ساخنًا من الكلمات الذي نقتسمه معًا، وثوبًا بديعًا من المشاعر والانفعالات التي نلبسها معًا...
وإذا دققنا النظر في كلمة " معــاًَ " عند نزار فأننا سنفهم سر " تجوله داخل النفس ...ليحمل أحيانًـا أجوبة لا أسئلة لها وأحلامًـا لا تفسير لها...
أما أدونيس فقد أكد أن الشعر لا ينتهي، بل يظل مشروعا قائما وان وعي الشاعر لا يرتبط بالتاريخ أو الماضي فقط ، بل يبدأ من الذات اليقظة المتقدة بالوعي والاستباق .
وعندما يبدي الشاعر محمود درويش رأيه فإنه يقول :
قصائدنا بلا لون ولا طعم ولا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
وإن لم يفهم البسطا معانيها
فأولى أن نذريها
ونخلد نحن للصمت
والشعر لدى عبد الواحد ليس كلمات وأحرف منظومة في إطار سياقي بل ثمة أبعاد تتخفّى خلف وهج قصيدته ،
وقد تكون القصيدة عنده فكرة أو حالة أو حدثـًا....وقد يكون سؤالا ميتافيزيقيـًا، فهي أشبه بغيوم لها أشكال يجب أن تتحول إلى صور أو مطر...أما الصور فتتكون عندما تجد إيقاعها ، وأما المطر فإنه يحي الأرض ويغير وجهها .
ولقد استطاع هذا الزهراني الحالم، المسافر كثيرا في دنيا الخيال ، أن يخط لنفسه مسارا شعريا متفردا، يتداوى به من الوجع، والحنين، والخوف، والترقب ، والحلم بمستقبل مشرق ...ليصنع من هذه العناصر المتناثرة تاجا من الأماني، لقرائه، وللحالمين، مثله، بغــدٍ أجمل .
القصايد رسالة فات عنوانها والهيض امانه
رفضت حملها السماوات وتعذرت منها الجبال
والقصايد خذت من كل ما في الوجود أقوى صفاته
مزرعة تنبت أحلى عود بين الشجر وامر عود
والقصايد بقايا نشوة النصر وإذلال الهزيمة
يوم زرق الرماح ويوم وقع النصال على النصال
وانها رجع زفرات المساجين وأحزان اليتامى
يذرفون الدموع ويلطمون الخدود مع ونين
والقصايد تراحيب التلاقي وتلويح الوداعِ
حيث ما تخرج إلا من قلوب تذوب وتحترق
والقصايد براكين المشاعر وزلزال الضماير
وارتعاش الخفوق ونزف جرح الشعور إلى نزف
أما نحن لو نظمنا شعرنا ما يعبر عن وجعنا
والقيم والمبادي عندنا من حناجرنا وفوق
واتذكرك يابن ثامره بين صفحات الجرايد
ليتك يا شاعر الفرسان باقي على قيد الحياة
لو نسمعك بعض إنتاجنا يا محمد يا ثوابي
كان حرمت من نظم القصايد ومن ساجوعها
" أما قبل "
هذه سلسة من المقالات المتتالية والمترابطة تلقي بعض الضوء على بعض قصائد الشاعر عبد الواحد سعود الزهراني التي سجلت حضورا غير عاديا في أغراضها ومناسباتها وتلقاها الناس بغير ماتلقوا قصائد أخرى له أو لشعراء آخرون .
قصائد كانت من وجهة نظري شاهدة على العصر وذلك يكفيها .
اســــــتهلال :
عندما نتحدث عن ظاهرة عبد الواحد الشعرية ، وأثرها في الحياتين الأدبية والاجتماعية في الجنوب ، بل في كثير من أنحاء المملكة، فإن ذلك لا يغدو غريبا ولا مستحدثا ، عند أناس عرفوه معرفة الأخ ،والصديق ، والزميل ، والشاعر الذي لا تغيب صورته عن مجالسهم ، ومناسباتهم ، وساحاتهم ، حتى غدا أكثرهم يضعه في قاموسه وأولوياته ساعة الحديث عن الفحولة الشعرية ،وعن قوة النوع الشعري ، وقدرته على صنع الجزالة في اللغة والأسلوب ، والرؤيا وفي جعل أغراض الشعر حاضنة للكثير من المجسات التي يمكنها أن تلامس [ خفايا العصر ] أو ربما تشارك في كتابته ولو بطريقة مغايرة ..!!
واحسب أن شاعرا يمتلك هذه القدرات وهذه الخصال ينبغي أن يحظى باهتمام استثنائي لحياته وإنتاجه، بدءا من مكان ولادته ، مرورا بطفولته ، ومعرفة هواياته ، وأترابه وعالمه العائلي ، والبيئي والمدارس والجامعات التي تعلم فيها ، والمعلمين الذين أعطوه العلم والمعرفة ودروس الشعر ، والكشف عن الخصائص والاستعدادات التي يملكها ، والتي أسهمت في خلق شخصيته وأغراضه وفنونه الشعرية.
وأعلم أن الإحاطة بكل ذلك أشبه بالمستحيل لكنه لا يقف عائقاً دون المضي في دراسة أجزاء من تلك الجوانب ســيّـما في حياته المديدة – إنشاء الله – والعامرة بمزيد من الإنتاج والإبداع .
أقول ذلك لأن الحياة العربية لا تزال تثبت وتؤكد يوما بعد آخـر أن علينا دائماً انتظار المــبدع حتى يموت لكي نتسابق في الإعلان عن حقنا ( المتأخر ) في الإصغاء إليه وأتساءل لماذا يتوجب علينا دائماً، في الحياة العربية، أن نأتي متأخرين عشرات السنين لكي نصغي إلى مبدعينا المتقدمين .
إنني أتفهم أن يسبق المبدعون عصرهم، ولكن ألا يلحق العصر بالمبدعين وأن يتأخر عن النص وعن صاحبه المبدع إلى هذا الحد المخجل فإن ذلك مالا أفهمــه بل إن ذلك يؤكد أن هناك خلل بل عطب حضاري يفتك بنا ومرض أزلي وغيبوبة أبدية خيمت علينا لا نكاد نفيق منها إلا لحظات تأبينية ثم مانلبث معــاودة الإغفاء مرة أخرى .
وبينما يتم هــذا عندنا فإن في احتفاء الثقافة الأوربية بتفاصيل رموزها الإبداعية وتهيئة كل الإمكانات المادية والبحثية لدراسة هذه الرموز حدّ تأسيس المتاحف الخاصة بهم ووضع كل مفردات هذه التفاصيل أمام أعين الزوار والقراء وإدامة هذا الجهد بصورة دائمة ،، وكأنه جزء من الاحتفاء بالتاريخ والحضارة التي أغنى وجودها تطور المجتمعات والبيئات وصناعة الجمال الخالد .. ومثل ذلك ماينبغي عليه أن يضعنا أمام ضرورة إعادة النظر في الكثير من خفايا هذه الموضوعات وضرورة تسمية الأشياء بأسمائها دون عقد أو حساسيات من الإيديولوجيات أو الأمكنة أو سيكولوجيا الأعراق والعصبيات المسئولة عن جزء كبير من تخلفنا وعقوقنا !!!
مدخـــــــــــل :
عندما قال " ييتس " " القصيدة هي نفسي" فهو لم يزد على وصف المشاعر المشتركة والمتبادلة بين ذاته والقصيدة .
ولا يفاجئنا نزار قباني حينما يرى الشعر رغيفًا ساخنًا من الكلمات الذي نقتسمه معًا، وثوبًا بديعًا من المشاعر والانفعالات التي نلبسها معًا...
وإذا دققنا النظر في كلمة " معــاًَ " عند نزار فأننا سنفهم سر " تجوله داخل النفس ...ليحمل أحيانًـا أجوبة لا أسئلة لها وأحلامًـا لا تفسير لها...
أما أدونيس فقد أكد أن الشعر لا ينتهي، بل يظل مشروعا قائما وان وعي الشاعر لا يرتبط بالتاريخ أو الماضي فقط ، بل يبدأ من الذات اليقظة المتقدة بالوعي والاستباق .
وعندما يبدي الشاعر محمود درويش رأيه فإنه يقول :
قصائدنا بلا لون ولا طعم ولا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت
وإن لم يفهم البسطا معانيها
فأولى أن نذريها
ونخلد نحن للصمت
والشعر لدى عبد الواحد ليس كلمات وأحرف منظومة في إطار سياقي بل ثمة أبعاد تتخفّى خلف وهج قصيدته ،
وقد تكون القصيدة عنده فكرة أو حالة أو حدثـًا....وقد يكون سؤالا ميتافيزيقيـًا، فهي أشبه بغيوم لها أشكال يجب أن تتحول إلى صور أو مطر...أما الصور فتتكون عندما تجد إيقاعها ، وأما المطر فإنه يحي الأرض ويغير وجهها .
ولقد استطاع هذا الزهراني الحالم، المسافر كثيرا في دنيا الخيال ، أن يخط لنفسه مسارا شعريا متفردا، يتداوى به من الوجع، والحنين، والخوف، والترقب ، والحلم بمستقبل مشرق ...ليصنع من هذه العناصر المتناثرة تاجا من الأماني، لقرائه، وللحالمين، مثله، بغــدٍ أجمل .
القصايد رسالة فات عنوانها والهيض امانه
رفضت حملها السماوات وتعذرت منها الجبال
والقصايد خذت من كل ما في الوجود أقوى صفاته
مزرعة تنبت أحلى عود بين الشجر وامر عود
والقصايد بقايا نشوة النصر وإذلال الهزيمة
يوم زرق الرماح ويوم وقع النصال على النصال
وانها رجع زفرات المساجين وأحزان اليتامى
يذرفون الدموع ويلطمون الخدود مع ونين
والقصايد تراحيب التلاقي وتلويح الوداعِ
حيث ما تخرج إلا من قلوب تذوب وتحترق
والقصايد براكين المشاعر وزلزال الضماير
وارتعاش الخفوق ونزف جرح الشعور إلى نزف
أما نحن لو نظمنا شعرنا ما يعبر عن وجعنا
والقيم والمبادي عندنا من حناجرنا وفوق
واتذكرك يابن ثامره بين صفحات الجرايد
ليتك يا شاعر الفرسان باقي على قيد الحياة
لو نسمعك بعض إنتاجنا يا محمد يا ثوابي
كان حرمت من نظم القصايد ومن ساجوعها
تعليق