Unconfigured Ad Widget

تقليص

خمسة قرون على الخروج من الأندلس ... دروس وعبر .

تقليص
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو ماجد
    المشرف العام
    • Sep 2001
    • 6289

    خمسة قرون على الخروج من الأندلس ... دروس وعبر .

    فتح الأندلس صفحة مشرقة في التاريخ الإسلامي ، بل كان فتحًا مبينًا للحضارة الإنسانية .
    ثمانية قرون ، حكمها العرب والمسلمون ، عمروها ولم يستعمروها ( كالمستعمرين في الحضارة المعاصرة ) .
    أُخرج المسلمون منها ، وكانت صفحةً سوداء في تارخهم ، وجرحًا لم ولن يندمل .

    أترككم مع هذه القراءة المختلفة ( على الأقل لدي ) والتي كتبها الأستاذ : الطاهر أحمد مكي ، في مجلة العربي الكويتية ، وسأوردها لكم في حلقات ، آمل أن أكون وفقت في وضعها بين أيديكم ، راجيًا أن تكون ذات فائدة :

    ثمة قاعدة انتهى إليها علماء التاريخ: إن الإسلام إذا بلغ أرضا استقر فيها إلى الأبد, وكانت إسبانيا وصقلية الاستثناء الوحيد في هذه القاعدة! فكيف كانت بداية الفتح.. وكيف انتهى أفول الخروج?
    الحق أن إزاحة الإسلام عن إسبانيا بعد عمر طويل وحضارة زاهرة, ظاهرة تستأهل الدرس العميق, والغوص وراء أسبابها الخفية والظاهرة, لأن الأسباب إذا تشابهت - مهما تكررت - تؤدي إلى نتائج متقاربة, وإذن فنحن مهددون بأكثر من أندلس أخرى إذا لم نكن في يقظة حذرة مما حولنا, أو يدبر لنا.

    وقبل أن آتي إلى بعض هذه الأسباب - ولا أزعم أنني سأتناولها كلها أو أقدر وحدي على استقصائها جميعها في هذه العجالة - أود أن أصحح لبسا تقع فيه الكثرة الغالبة من المثقفين, وهو أن إسبانيا كانت بلدا مستقلا, جاء العرب فاحتلوه زمنا, ثم تجمع الإسبان فحرروه منهم, وهي مقولة مغلوطة من أولها إلى آخرها.

    لم تجئ حركة الفتح الأولى عفوا, ولا كانت مجرد مغامرة, بل جاءت وليدة تخطيط محكم, ودراسة واعية, وإدراك جيد بما كان يجري على أرض إسبانيا نفسها, وكان عبور طارق بن زياد, بعد عبورين سبقاه, وحملة استطلاع تبينت الواقع, ومعلومات تؤكد أن الدولة القوطية تتفكك, والصراع بين أمرائها على أشده, وهم ليسوا بأقرب إلى السكان من البربر المسلمين, فقد جاءوها من الشمال جموعا وثنية همجية, ثم استقروا فيها حاكمين, ومن ثم فإن قطاعا عريضا من المجتمع الإسباني كان يغذي عملية العبور هذه, والبقية الأخرى لم يكن الأمر كله يعنيها في شيء على الإطلاق, قلة فحسب كانت خائفة ومذعورة: الإقطاعيون وملاك العبيد. وكان هؤلاء, مع رقيق الأرض, يمثلون الأغلبية الساحقة من الشعب, ويئنون تحت ضغوط شخصية ونفسية ومادية هائلة, ويتمنون الخلاص على يد أي مخلوق.

    كان هناك صراع قوي بين الأجناس والطبقات والأديان, فلم تكن إسبانيا مسيحية كلها في ذاك الوقت, بل كان فيها إلى جانب الكاثوليك طوائف أخرى, من الوثنيين والأريوسيين واليهود, في فترة أبعد ما تكون عن التسامح الديني أو التعايش بين الطوائف.

    ولم تكن الدولة على وفاق مع المجتمع, وتفتقد القاعدة الاجتماعية التي تقوم عليها.

    وحتى رجال الدين الكاثوليك كانوا يطمحون إلى تغيير النظام القائم, ولم يرعبهم في شيء أن يعيشوا في ظل الإسلام.

    كان لا بد إذن من قارعة, من الداخل أو الخارج, تذهب بهذا النظام الذي ينتمي إلى العصر القديم, تتمثل في جنس جديد, أو موجة جديدة من الشمال أو الجنوب, تذهب بهؤلاء القائمين في طليطلة من القوط. وكان محالا أن تجيء من الداخل, لأن المجتمع عاجز عن خلق أي شيء, تعوزه الحيوية والحماسة, مريض بلا علاج, وما كان ممكنا أن تجيء من الشمال, لأن فرنسا كانت تعاني من المشكلات نفسها تقريبا, فكان الإسلام هو القارعة!.

    ويمكن القول إذن, (والقول لمؤرخ إسباني), إن المسلمين عبروا المضيق في مهمة قدرية للقضاء بعنف على نظام قائم لا توجد قوة غيره قادرة على أن تأتي عليه في ضربة قاضية, وأن تشغل مكانه.

    ومن المؤكد أن تخطيطا على مستوى عال تم في مدينة سبتة بين أبناء الملك الذي أزيح عن العرش وحاكم المدينة, وكان صديقا لهم, وبين موسى ابن نصير القائد العام, وطارق بن زياد قائد الحملة, وفيه تم تحييد جانب كبير من النبلاء والقواد حتى لايقاوموا, وآخرون أخذوا جانب المسلمين صراحة, وتعكس الخطة معرفة واعية بطبيعة الأرض التي سوف يجري القتال فوقها, فبعد اثني عشر قرنا من الفتح الإسلامي سلكت قوات الجنرال فرانكو - حين ثار على النظام الجمهوري عام 1936 وكان في المغرب - في طريقها إلى إسبانيا, الطريق نفسه الذي سلكه موسى بن نصير: الجزيرة الخضراء, فإشبيلية, فماردة, فطليطلة.

    كان البربر أول من دخل الأندلس, فقد كان جيش طارق بربريا كله, واحتملوا صدمة الفتح الأولى, واتصلت هجرتهم إليه لقرب بلادهم منه, وتشابه مناخ أوطانهم به, وكثرة القلاقل عندهم. وبعدهم جاء العرب, يمنيين, أو مضريين, مع موسى بن نصير أولا, ومع بلج بن بشر القيسي فيما بعد, وفي أفواج قليلة مع عبد الرحمن الداخل أخيرا, وبقيت الأغلبية الساحقة من السكان من أهل البلاد الأصليين, ايبيريين أو سلتيين أو قوطا أو أفارقة أو فينيقيين, إلى جانب قلة من اليهود قدمت إلى إسبانيا قبل المسلمين بزمن طويل. وقد أسلمت الأغلبية العظمى من أهل البلاد, واحتفظت قلة محدودة بعقيدتها الكاثوليكية, ولكنها تعربت فيما عداها, لغة وعادات وحياة وسلوكا, ولذلك عرفوا باسم المستعربين وكان المسلمون الذين من أصل إسباني أشد الجميع تحمسا للدين الجديد.

    بعد أقل من نصف قرن من الزمان, مع قدوم عبد الرحمن بن معاوية, وتوليه الإمارة, استقل الأندلس, وأصبح دولة لا سلطان لأحد عليها غير أبنائها. نعم كان الأمير عربيا قرشيا جاء من المشرق, لكن ألم يكن لذريق ملكها قبيل الفتح قوطيا جاء من شمال أوربا?.

    في ظل الأمن والاستقرار والتعايش والرخاء, سوف تتأصل الحضارة الإسلامية وتزدهر, وتعطي خير ثمارها, وسوف تصبح قرطبة العاصمة من كبريات مدن العالم, ويضرب بها المثل فى العلم والرفاهية والرقي, وتبلغ شهرتها الخافقين.

    مع أول القرن الثامن الميلادي جاء العرب إلى الأندلس, ومع نهاية القرن العاشر أصبح بهم دولة مرهوبة الجانب, مركزية السلطة, يسودها الأمن, وتفيض بالخير: الحقول خضراء زاهية, والبيوت أنيقة مريحة, والحمامات كثيرة ونظيفة, وأنظمة الري دقيقة ومحكمة, والأقوات موفورة بأرخص الأسعار, ويتحرك الناس في صحة بادية وملابس نظيفة, وانكمش الفقر أو تلاشى.

    وقد صنع هذا المجد عربيان عظيمان, كان الأول خليفة, وهو عبد الرحمن الناصر, وكان الثاني حاجبا أو رئيسا للوزراء فى لغتنا المعاصرة, وهو المنصور بن أبي عامر, وكما تكون إنجازات العباقرة عظيمة تجيء أخطاؤهم من المستوى نفسه.

    إلى الملتقى في الجزء التالي .
  • عاشق الليل

    #2
    جزاك الله خير



    ذكرتنا بالماضى المجيد

    الذى لم يبقى منه غير صفحات وحبر وورق

    والسلام عليكم

    تعليق

    • الغمر
      مشرف منتدى شعبيات
      • Feb 2002
      • 2328

      #3
      ابو ماجد
      لست ادري لماذا يخالجني شك ان في القادم من المقال تجنٍِ كبير وظلمِِ مريع ..
      مؤشرات اعتبرها خآصه واعتذر عن البوح بها كانت السبب وراء شكي .
      ساتابع معك ان شاء الله حتى تصل النهايه ...وعندها اما يصدق ظني او اكون مخطئا فابين ان شاء الله .

      حضارة الاندلس نور اشرق باشراقة نور الاسلام على تلك البلاد لترى اوروبا كلها النور وليضئ العالم كله .
      لست عاجزا عن التعليق على ما سبق من المقال ولكن ليس لدي الا ان اوافقه فقد اجاد في الوصف .

      ننتظر القادم
      لعيونك

      تعليق

      • ابن مرضي
        إداري
        • Dec 2002
        • 6170

        #4
        نتابع باهتمام يا استاذنا أبا ماجد ، فأنا بالذات لي قصة عشق مع بالأندلس .
        كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

        تعليق

        • العقرب
          عضو مميز
          • Dec 2004
          • 1835

          #5
          ابا ماجد اختيار موفق
          ولو انه يزيد الجرح كيه ولكن الشمس لا يحجبها المنخل

          وفقك الله الى عمل الخير

          ودمت

          تعليق

          • أبو ماجد
            المشرف العام
            • Sep 2001
            • 6289

            #6
            أخي الكريم : عاشق الليل

            وما فائدة التاريخ إذا لم يكن تذكرة وعبرة ؟؟

            أشكر لك مرورك الذي أسعدني .

            تعليق

            • أبو ماجد
              المشرف العام
              • Sep 2001
              • 6289

              #7
              أخي الكريم : الغمر

              الشك بداية البحث عن الحقيقة ، والتاريخ أكثر العلوم الإنسانية تعرضًا للتزوير والتحريف ( أنا هنا لا أنفي ولا أثبت التزوير ).

              وأنا أنتظر رأيك الذي يهمني أيضًا .

              أشكر لك إطلالتك وحضورك .

              تعليق

              • أبو ماجد
                المشرف العام
                • Sep 2001
                • 6289

                #8
                أخي الكريم : بن مرضي

                تعلقكم المعروف بالأندلس يثبت أن تلك البلاد لا زالت جزءًا منا ( هكذا شعورنا ) شخصيًا أربط لا شعوريًا بين الأندلس و( الديرة ) لماذا ؟ لا أدري !!
                أشكر لك تواجدك الذي دائمًا يسعدني .

                تعليق

                • أبو ماجد
                  المشرف العام
                  • Sep 2001
                  • 6289

                  #9
                  أخي الكريم : العقرب

                  تقول العرب : لا يضير الشاة سلخها بعد الذبح ، فهل نتذكر جرح الأندلس أم فلسطين أم أم ... الله المستعان .

                  أشكرك ياعزيزي فقد شرفتني بحضورك .

                  تعليق

                  • أبو ماجد
                    المشرف العام
                    • Sep 2001
                    • 6289

                    #10
                    الإخوة والأخوات الكرام
                    إليكم الجزء الثاني من هذه القراءة ، أرجو لكم الفائدة ووقتًا ممتعًا .

                    كنا توقفنا في الحلقة السابقة عند :

                    صنع هذا المجد عربيان عظيمان, كان الأول خليفة, وهو عبد الرحمن الناصر, وكان الثاني حاجبا أو رئيسا للوزراء فى لغتنا المعاصرة, وهو المنصور بن أبي عامر, وكما تكون إنجازات العباقرة عظيمة تجيء أخطاؤهم من المستوى نفسه.

                    كان الخطأ الذي وقع فيه الاثنان - والتبعة على الأول - أكثر, لأنه الذي بدأ, والثاني سار على طريقه - أنهما لكي ينفردا بالأمر, ويتمكنا من السلطة, أتيا على النفوذ العربي تماما, استغنيا عن أبناء البيوتات, وأذلا كبار الرجال فيها, واستعاضا عنهم بولاء الرقيق من الصقالبة, والنازحين من الأفارقة, وأولئك ولاؤهم مأجور, وهؤلاء إحساسهم بالوطن واهن, ولم يكن للقاعدة العريضة من الجماهير دور طليعي, بل مجرد مادة مهيأة للثورة, حين يبلغ السوء مبلغه, وتنحدر الحال إلى قدر لا يحتمل, ويجيء الزعيم المنتظر ليقودها, في الحال تلبي نداءه, وتصطف وراءه, وتمضي معه بلا تردد إلى نهاية الطريق, دون أن تعرف بدءا ماذا يريد.

                    حين توفي المنصور بن أبى عامر خلفه ابنه من بعده, وكان دون أبيه قدرة وموهبة, ولم يبق غير سنوات ثم لحق به, وكانت هذه السنوات القليلة كافية لكي يتجمع كل أولئك الذين يريدون أن ينقضوا على السلطة, يريدونها لهم, أو لأناس يرضون عنهم, وتحول الأمر إلى فوضى, وكل الذين في الأندلس بدأوا يتقاتلون لغير سبب, أو لسبب مفرط في الأنانية, يهجمون ويرتدون, وخلال التقدم والانسحاب يدمرون وينهبون, حتى عاد كل شيء أسود قاتما في العين وفي الأمل, وخرائب وأنقاضا في الواقع وفي الحياة, وماتت الضمائر في النفوس, وانحلت عقدة الولاء للجماعة, واستبيحت كل الحرمات, وانقض كل خوّان على جانب من الدولة, وأعلن نفسه أميرا, ووسط هذه المصائب برزت طائفتان - إن كان مثل هذا يعد تميزا - جماعة من الفقهاء, وللحق والتاريخ ليسوا كلهم, يقدمون لكل حدث فتوى ولكل جريمة مبررا, وفي خدمة الأقوى دائما, وطوائف من الشعراء, وكانوا صحفيي ذلك الأمس البعيد, يتغنون بمن يدفع أكثر, ولمن يقدم لهم رفاهية أعظم, وتحول الفن الجميل والنبيل على أيديهم إلى سلعة تباع وتشترى, وغرقوا في الأنانية فأخذوا يدورون حول أنفسهم غزلا وخمرا ومديحا, وفي جو كهذا أمسك الخيّرون بأنفسهم, وتواروا خجلا, أو هاجروا إلى أرض بعيدة, أو دفعوا الثمن معاناة وسجنا وقتلا.

                    واهتزت السلطة المركزية, وتهاوت الخلافة وسطا على أمجادها جماعة من السفهاء, وقام على أنقاضها قرابة ثلاثين من الأمراء, يتقاتلون طمعا, ويتدافعون حول أشبار, ويعلنون الحرب من أجل أمتار, ويدفعون كلهم الجزية للعدو المسيحي الرابض على الحدود في الشمال وهم صغار, ولم يكن بأقوى منهم لو اتحدوا.

                    وقد ورثوا في كل مكان ذهبوا إليه أمجاد الأمس الباذخة, ولم يضيفوا إليها جديدا, ومضوا يبعثرونها بلا حساب, شأن السفيه حين يتلقى ثروة لم يبذل فيها جهدا, ولا كلفته مشقة, وتحول الأندلس على امتداده العريض إلى مجتمع مستهلك, ينفق في بذخ دون أن ينتج شيئا, أو شيئا قليلا لا أهمية له.

                    طوال أيام (الفتنة), وعلى امتداد عصر الطوائف, كانت الاستعانة بالأعداء من نصارى الشمال شيئا مألوفا, وكان هؤلاء يقاتلون إلى جانب كل المتصارعين, ويذكون بينهم روح العداوة والبغضاء, فهم هنا أو هناك إنما يقتلون أعداءهم على المدى البعيد, ويقبضون ثمن ذلك ذهبا وفضة نقدا, وسلاحا وملابس ومواشي وأغذية وخيلا وبغالا تساق إليهم عينا, وقبل ذلك كله حصونا وقلاعا يتنازل عنها الأمراء المسلمون لصالحهم, فيحتلونها بلا قتال, ويستولون على ما حولها من أراض دون أن يرسلوا سهما أو يخسروا جنديا واحدا.

                    في بداية عصر الفتنة كان في قرطبة العاصمة أكثر من فرد يتنازعون على الخلافة, ووراء كل واحد جموع جائعة, وأجانب مفسدون, وغوغاء مخربون, يلتفون حوله, و يغذون أطماعه. وبينما واضح الصقلبي يتولى الحجابة بعد مصرع الخليفة المهدي في ظل الخليفة هشام المؤيد, وكان محاصرا وضعيفا, ويطمح أن يصبح ما كانه المنصور بن أبي عامر من قبل, كان سليمان المستعين - مطالب آخر بالخلافة - يطلب عون ملك قشتالة, ويعده بأن يتنازل له عن عدد من القلاع والحصون تقع على الحدود بين الدولتين, واستولى عليها المنصور من قبل تأمينا لحدود الدولة, فوجد الكونت القشتالي الفرصة مواتية لتوسيع رقعة مملكته دون حاجة إلى القيام بحملة حربية ضد الأندلس, فأرسل إلى واضح يعلمه بعرض سليمان المستعين, ويطلب إليه أن يتنازل له عن هذه الحصون والقلاع لأنها في قبضته, وإلا فسوف يساعد المستعين وأنصاره البربر.

                    لم يجرؤ واضح على اتخاذ القرار وحده, فدعا قاضي الجماعة والفقهاء والعدول, وأبلغهم رسالة شانجه كونت قشتالة, وطلب منهم الرأي, فأخرس الخوف من البربر والقشتاليين الإحساس بالشرف القومي في أعماق هؤلاء السادة, وكان رأيهم أن يستجيب لمطالب النصراني.

                    وفي شهر سبتمبر من عام 1010م, وقع واضح معاهدة مع شانجه تنازل له فيها عن أكثر من مائتي حصن وقلعة, واتخذ بقية الأعداء من نصارى الشمال من الحادث مثلا يحتذى, وأصبحوا بشيء من التهديد والصخب يستطيعون أن يأخذوا ما يريدون من حصون وقواعد, ولم يجرؤ أحد على أن يرفض لهم طلبا, وكان على القرطبيين, وقد وقعوا في قبضة حكام ضعاف مستبدين, أن يحنوا رءوسهم أمام أعداء دينهم, وأن يعانوا نزوات حكامهم, وأن يتعرضوا للنهب والمظالم, وأن يتحملوا كل النتائج التي تعرض للشعوب حين تذهب للثورة, وتلقي بنفسها في أتون الفتن, دون أن يكون على رأسها قائد عظيم محنك, ووراءها هدف واضح محدد, ودون أن تدفعها أفكار سامية عظيمة.

                    وعلى أنقاض الخلافة قام عصر الطوائف وبلغ الغاية في الشر والخير على السواء, ومع التفرقة ضاعت القوة الواحدة الموجهة للسياسة الأندلسية العامة, واختفى المثل الأندلسي الأعلى, وظهر اليهود على المسرح السياسي, ومكنوا لأنفسهم في إمارة غرناطة زمنا, وتغيرت الأمور حول الأندلس تغيرا حاسما, فقد استيقظت إسبانيا النصرانية ومدت يدها إلى أوربا, ونظم أهل المغرب أمورهم وأقاموا دولة المرابطين القوية, وبين النصارى في الشمال والمغاربة في الجنوب, وقف ملوك الطوائف, وقد وهن أمرهم, وأضعفهم الترف والبذخ, لا يكاد سلطان أحد منهم يتخطى حدود مدينته, وسادت العصر كله روح من البذخ المسرف, والإجرام السافر الذي لا يتورع عن شيء من المطامع والغزوات إلى الخناجر والسموم.

                    وبين صخب الحياة اللاهية, وعربدة اللحظات الماجنة, وغيبة الوعي بالغد والمصير, استيقظ الأندلس كله على كبرى القوارع.

                    وقدر لمدينة طليطلة أن تكون أولى المدن الكبرى الذاهبة, ورغم أنها لم تسقط في حرب, ولم يخسرها المسلمون في قتال, بل ذهبت نتيجة خدعة ماكرة من ألفونسو السادس, واستسلام مهين من القادر يحيى بن ذي النون أمير المدينة, كانت الضربة القاصمة التي شالت بعدها كفة المسلمين ورجح جانب الكاثوليك, وكانت محنة حقيقية لما تمثله طليطلة من ثقل في حياة الأندلس السياسية والحربية والشعورية, فقد كانت عاصمة إسبانيا على أيام القوط, وأحيط فتحها على يد طارق ابن زياد بأساطير جميلة, ذات خيال ممتع, عما لقي فيها من كنوز وثروات وسلاح, ولم تفقد أهميتها حتى بعد أن أصبحت العاصمة قرطبة.

                    في البدء آلى ألفونسو على نفسه أن يحافظ على حياة مسلمي طليطلة, وحياة نسائهم وأطفالهم, وألا يلحق ضررا بأملاكهم, وتعهد بأن يسمح لمن يريد أن يخرج بالخروج, ولمن يريد البقاء أن يبقى, ولا يطلب من هذا إلا أن يدفع ضريبة الرأس, ومن يهاجر يمكنه أن يعود فى الحال, ويسترد أملاكه مهما عظمت قيمتها دون معارضة, وأجاب أهل طليطلة إلى كل الضمانات التي طلبوها فيما يتصل بحرية ممارسة شعائرهم الدينية, والحفاظ على جامعهم الكبير.

                    غير أن الكاثوليك مالبثوا أن تنكروا لعهودهم, ونقضوا المعاهدة لأسابيع من دخولهم طليطلة (6 من مايو سنة 1085 م), فحولوا المسجد إلى كنيسة في يوليو من العام نفسه, وحيل بين المهاجرين والعودة إلى ديارهم, وضيق على المسلمين في أداء شعائرهم أولا, ثم أكرهوا على اعتناق الكاثوليكية فيما بعد, حين أزفت شمس الإسلام الأندلسي على المغيب.

                    يتبع الجزء الثالث والأخير .

                    تعليق

                    • العقرب
                      عضو مميز
                      • Dec 2004
                      • 1835

                      #11
                      اخي ابا ماجد بارك الله فيك

                      تلك ايام الموشحات الاندلسية والرقص والعود والخمور حلت محل الذكر الحكيم فانحلت الدولة وما اشبه الامس باليوم فنحن في عصر ( استار اكاديمي ، نجوم الفن ، البرتقالة ، ما اليك الاهيفاء وكم نذكر وكم نخلي)

                      الله المستعان

                      دمت بخير وفي انتظار التالي

                      تعليق

                      • حديث الزمان
                        عضوة مميزة
                        • Jan 2002
                        • 2927

                        #12

                        الأستاذ الفاضل أبو ماجد



                        نتابع باهتمام ، وهذا إثبات حضور فقط ....



                        سوف أعود إن شاء الله بعد الجزء الثالث



                        دمت بخير

                        لكل بداية .. نهاية

                        تعليق

                        • مجرد احساس
                          عضو نشيط
                          • Dec 2004
                          • 688

                          #13
                          أنى اتجهت الى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوص الجناحين

                          أخي ابو ماجد ...
                          حديث مشوق , وانا قلبا وقالبا معك ....دمت في رعاية الله
                          لأننا نتقن الصمت ..
                          ...
                          حمّلونا وزر النوايا!!

                          تعليق

                          • السوادي
                            إداري
                            • Feb 2003
                            • 2219

                            #14
                            واصل يا أبا ماجد .. واصل..
                            لا أريد أن يخرج الموضوع عما رسمتَ له ، وإلاّ لكان لي حوله رؤية لا تخصني وحدي ولستُ المبتدعَ لها..

                            السوادي

                            تعليق

                            • أبو ماجد
                              المشرف العام
                              • Sep 2001
                              • 6289

                              #15
                              أخي الكريم : العقرب
                              ما تفضلت به ضمن أهدافي من هذا الموضوع ( مقارنة حالنا اليوم ، بحال من أضاعوا الأندلس ) .
                              سنعود لمناقشة هذه الجزئية بالتفصيل بعد الانتهاء من الجزء الثالث والأخير ، وننتظر مساهمتك ، وبقية الإخوة والأخوات .

                              لك وافر التقدير .

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
                              أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif, webp

                              ماهو اسم المنتدى؟ (الجواب هو الديرة)

                              يعمل...