لماذا نجح الفراهيدي وفشل دوناش اليهودي؟!
ترى الدكتورة ليلى ابراهيم أبو المجد الخبيرة بشئون التراث العبري ان الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفي سنة 175 هـ ـ 791م كان يملك حسا موسيقيا عبقريا مكنه من وضع يده على بحور الشعر العربي.
وما كنت اعرفها بل حتى كتابة هذه السطور لم نلتق بعد لكن ثمة دعوة وجهتها لي عبر الهاتف لزيارتها في مكتبها بكلية الاداب جامعة عين شمس.
وحين هاتفتها كان لطرح بعض التساؤلات تتعلق ببحثها المعنون (دراسة مقارنة بين منهج الخليل بن احمد ودوناش بن لبراط في العروض والقافية).
ودناش بن لبراط عالم يهودي توفي عام 990م .. ويعد صاحب اول محاولة لتطبيق علم العروض العربي على الشعر العبري. والبحث سبق ان حصلت على نسخة منه من المجلس الاعلى للثقافة وجذبني موضوعه .. حيث يتطرق الى واحدة من الحالات الجلية لتأثير الثقافة العربية على الثقافة العبرية.
وخلال حديثي الهاتفي معها اكتشفت انها لا تعرف الموطن الاصلي للفراهيدي .. كانت تظنه بصريا قحا .. ولد وعاش ومات في البصرة .. وهذا خطأ يقع فيه بعض الباحثين حيث يظنون ان كل من اقام في البصرة ولو قلة من السنين فهو بصري ..
وحين قلت لها انه عماني .. ابدت اسفها لانها لم تكن تعرف ذلك!!
اسهبت في الحديث عن عبقرية الخليل بن احمد .. فأكدت ما جاء في بحثها .. ان الفراهيدي كان صاحب منهج دقيق اعتمد على الوصف والتحليل كما انه اعتمد في تطبيق هذا المنهج على استقراء الشعر الجاهلي والاسلامي والاموي واستقراء مختلف الظواهر الايقاعية للشعر العربي.
وتقول الدكتورة ليلى ان الخليل التزم في منهجه بالصدق في الوصف فلم يفرض مبادئ على الشعر بل جاء لكل مبدأ بشاهد عليه في الشعر .. وقد تقيد بما سمع من هذا الشعر وباحترام الشائع من ظواهره وعدم اهمال النادر منها بشرط سماعه ..
وتؤكد الدكتورة ليلى ان خليل بن احمد كان يتمتع بحس مرهف مكنه من ان يستخدم علمه بأصول الموسيقى في استنباط علم العروض وبنى نظامه في العروض على المفاهيم الصوتية في عصره والتي كانت شائعة الاستعمال في النحو والصرف واللغة وهما مفهوم الحركة والسكون وجعل الأساس في نظامه وحدات صوتية وظيفية تتكون من حركات وسكون (أسباب وأوتاد) ووضع بالاعتماد على تلك الوحدات وحدات ايقاعية هي التفاعيل وصاغها في صيغ تعكس اساسها الايقاعي وجعل دلالة الصيغة محصورة في الايقاع لا في الصرف واتبع في طريقة تكوينها الطريقة التي استعملها في حصر مواد معجمه العين وهي التقليب الثابت.
هذا النظام العروضي الدقيق والثري اثار حسد عالم اللغويات اليهودي دوناش بن لبراط فحاول ادخاله الى العبرية .. الا انه انتقى نظام النطق الطبري وأغفل نظامين اخرين في النطق هما النظام البابلي والنظام الفلسطيني .. والأخير كان الاكثر شعبية والاكثر انتشارا لانه المتبع في تراتيل الصلاة .. اما سبب تفضيل نظام النطق الطبري فيرجع الى انه يتفق مع الاساس الذي يقوم عليه العروض العربي.
وقد استغل دوناش نطق السكون المتحرك في النظام الطبري فهو ينطق كحركة مخطوفة مجانسة للحركة التالية وقابل بينه وبين الحركة في العربية واستطاع بذلك ان يتخلص من شبهة الابتداء بالساكن الذي لا تسمح به العربية ونجح بذلك في ان يأتي الوتد المجموع من السكون المتحرك او السكون المركب (الحركات المخطوفة) المقطع الذي يليه.
وتقول الباحثة ان دوناش تجاهل الكثير من نقاط الاختلاف الجوهرية بين العربية والعبرية وعلى رأسها ان العربية لا تقبل الجمع بين الساكنين الا في الوقف نثرا وفي القافية شعرا بينما يشيع الجمع بين الساكنين في العبرية.
وقد لجأ دوناش الى تغيير نطق وتنقيط الكلام في العبرية فيقرأ الحركة الطويلة في اخر الكلمة كحركة قصيرة من نفس النوع لكي لا يقف على نهاية الكلمة بساكنين.. وقد عرضه هذا لهجوم عنيف من علماء العبرية على اعتبار انه لم يراع ان اللغة العبرية لغة نبرية حيث بمحاولته تلك تتحول الكلمة في بعض الاحيان من منبورة العجز الى منبورة الصدر او العكس كما ان تغيير موضع النبر في الكلمة يؤدي الى تغيير معناها.
وترى الباحثة ان العروض العربي من خلال محاولة دوناش اضر بالنبر اللغوي في العبرية ليس عن طريق تقصير الحركات الطويلة في اخر الكلمة فقط ولكن نتيجة الالتزام بالنبر العروضي العربي الذي يقع على الجزء الثاني من الوتد المجموع.
ان من اهم اسباب فشل محاول دوناش ايضا عدم ادراكه ان اللغة العبرية لا تتمتع بهذا القدرمن المقاطع القصيرة المفتوحة الموجودة لدى العربية والذي لا بد من توافره كشرط لادخال هذا الوزن الى اي لغة وما قام به دوناش من تجاوزات بدت شكليا انها الحل الامثل لادخال هذا الوزن الى العبرية انما اعانته على اقامة نظام على الورق في امر يعتمد في تذوقه على السمع .. لذلك لم يكن غريبا ان يحظى عمل الخليل بن احمد باعجاب وتقدير كل من تعامل معه سواء بالاستدراك عليه او بالنقد او بالدرس والشرح بينما لم يسلم دوناش ولم تسلم نظريته من الهجوم والنقد سواء من معاصريه مثل مناحم بن سروق وتلاميذه او ممن خلفهم امثال يهودا اللاوي وافراهام بن عزرا ولا حتى من المعاصرين امثال عزرا فليشر..
وتلحظ الباحثة ان شاعرا مثل يهودا اللاوي قد دفعته الغيرة على اللغة العبرية الى مهاجمة دوناش نظرا لما ألحقه باللغة العبرية من اضرار بينما دفعته غيرته من الشعر العربي وتمنيه ان يكون لليهود تراث شعري مثيل له الى ان ينظم معظم قصائد ديوانه على غرار البحور والاوزان العربية.
منقول
ترى الدكتورة ليلى ابراهيم أبو المجد الخبيرة بشئون التراث العبري ان الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفي سنة 175 هـ ـ 791م كان يملك حسا موسيقيا عبقريا مكنه من وضع يده على بحور الشعر العربي.
وما كنت اعرفها بل حتى كتابة هذه السطور لم نلتق بعد لكن ثمة دعوة وجهتها لي عبر الهاتف لزيارتها في مكتبها بكلية الاداب جامعة عين شمس.
وحين هاتفتها كان لطرح بعض التساؤلات تتعلق ببحثها المعنون (دراسة مقارنة بين منهج الخليل بن احمد ودوناش بن لبراط في العروض والقافية).
ودناش بن لبراط عالم يهودي توفي عام 990م .. ويعد صاحب اول محاولة لتطبيق علم العروض العربي على الشعر العبري. والبحث سبق ان حصلت على نسخة منه من المجلس الاعلى للثقافة وجذبني موضوعه .. حيث يتطرق الى واحدة من الحالات الجلية لتأثير الثقافة العربية على الثقافة العبرية.
وخلال حديثي الهاتفي معها اكتشفت انها لا تعرف الموطن الاصلي للفراهيدي .. كانت تظنه بصريا قحا .. ولد وعاش ومات في البصرة .. وهذا خطأ يقع فيه بعض الباحثين حيث يظنون ان كل من اقام في البصرة ولو قلة من السنين فهو بصري ..
وحين قلت لها انه عماني .. ابدت اسفها لانها لم تكن تعرف ذلك!!
اسهبت في الحديث عن عبقرية الخليل بن احمد .. فأكدت ما جاء في بحثها .. ان الفراهيدي كان صاحب منهج دقيق اعتمد على الوصف والتحليل كما انه اعتمد في تطبيق هذا المنهج على استقراء الشعر الجاهلي والاسلامي والاموي واستقراء مختلف الظواهر الايقاعية للشعر العربي.
وتقول الدكتورة ليلى ان الخليل التزم في منهجه بالصدق في الوصف فلم يفرض مبادئ على الشعر بل جاء لكل مبدأ بشاهد عليه في الشعر .. وقد تقيد بما سمع من هذا الشعر وباحترام الشائع من ظواهره وعدم اهمال النادر منها بشرط سماعه ..
وتؤكد الدكتورة ليلى ان خليل بن احمد كان يتمتع بحس مرهف مكنه من ان يستخدم علمه بأصول الموسيقى في استنباط علم العروض وبنى نظامه في العروض على المفاهيم الصوتية في عصره والتي كانت شائعة الاستعمال في النحو والصرف واللغة وهما مفهوم الحركة والسكون وجعل الأساس في نظامه وحدات صوتية وظيفية تتكون من حركات وسكون (أسباب وأوتاد) ووضع بالاعتماد على تلك الوحدات وحدات ايقاعية هي التفاعيل وصاغها في صيغ تعكس اساسها الايقاعي وجعل دلالة الصيغة محصورة في الايقاع لا في الصرف واتبع في طريقة تكوينها الطريقة التي استعملها في حصر مواد معجمه العين وهي التقليب الثابت.
هذا النظام العروضي الدقيق والثري اثار حسد عالم اللغويات اليهودي دوناش بن لبراط فحاول ادخاله الى العبرية .. الا انه انتقى نظام النطق الطبري وأغفل نظامين اخرين في النطق هما النظام البابلي والنظام الفلسطيني .. والأخير كان الاكثر شعبية والاكثر انتشارا لانه المتبع في تراتيل الصلاة .. اما سبب تفضيل نظام النطق الطبري فيرجع الى انه يتفق مع الاساس الذي يقوم عليه العروض العربي.
وقد استغل دوناش نطق السكون المتحرك في النظام الطبري فهو ينطق كحركة مخطوفة مجانسة للحركة التالية وقابل بينه وبين الحركة في العربية واستطاع بذلك ان يتخلص من شبهة الابتداء بالساكن الذي لا تسمح به العربية ونجح بذلك في ان يأتي الوتد المجموع من السكون المتحرك او السكون المركب (الحركات المخطوفة) المقطع الذي يليه.
وتقول الباحثة ان دوناش تجاهل الكثير من نقاط الاختلاف الجوهرية بين العربية والعبرية وعلى رأسها ان العربية لا تقبل الجمع بين الساكنين الا في الوقف نثرا وفي القافية شعرا بينما يشيع الجمع بين الساكنين في العبرية.
وقد لجأ دوناش الى تغيير نطق وتنقيط الكلام في العبرية فيقرأ الحركة الطويلة في اخر الكلمة كحركة قصيرة من نفس النوع لكي لا يقف على نهاية الكلمة بساكنين.. وقد عرضه هذا لهجوم عنيف من علماء العبرية على اعتبار انه لم يراع ان اللغة العبرية لغة نبرية حيث بمحاولته تلك تتحول الكلمة في بعض الاحيان من منبورة العجز الى منبورة الصدر او العكس كما ان تغيير موضع النبر في الكلمة يؤدي الى تغيير معناها.
وترى الباحثة ان العروض العربي من خلال محاولة دوناش اضر بالنبر اللغوي في العبرية ليس عن طريق تقصير الحركات الطويلة في اخر الكلمة فقط ولكن نتيجة الالتزام بالنبر العروضي العربي الذي يقع على الجزء الثاني من الوتد المجموع.
ان من اهم اسباب فشل محاول دوناش ايضا عدم ادراكه ان اللغة العبرية لا تتمتع بهذا القدرمن المقاطع القصيرة المفتوحة الموجودة لدى العربية والذي لا بد من توافره كشرط لادخال هذا الوزن الى اي لغة وما قام به دوناش من تجاوزات بدت شكليا انها الحل الامثل لادخال هذا الوزن الى العبرية انما اعانته على اقامة نظام على الورق في امر يعتمد في تذوقه على السمع .. لذلك لم يكن غريبا ان يحظى عمل الخليل بن احمد باعجاب وتقدير كل من تعامل معه سواء بالاستدراك عليه او بالنقد او بالدرس والشرح بينما لم يسلم دوناش ولم تسلم نظريته من الهجوم والنقد سواء من معاصريه مثل مناحم بن سروق وتلاميذه او ممن خلفهم امثال يهودا اللاوي وافراهام بن عزرا ولا حتى من المعاصرين امثال عزرا فليشر..
وتلحظ الباحثة ان شاعرا مثل يهودا اللاوي قد دفعته الغيرة على اللغة العبرية الى مهاجمة دوناش نظرا لما ألحقه باللغة العبرية من اضرار بينما دفعته غيرته من الشعر العربي وتمنيه ان يكون لليهود تراث شعري مثيل له الى ان ينظم معظم قصائد ديوانه على غرار البحور والاوزان العربية.
منقول