مزيبد يا راعي الغنم *** مزيبد ما حلبت لي
لحن يعزفه "علي" من خلال نفخه فيما كان يعرف بـ "الصفريقا " وهو أنبوب من اللحاء وخاصة من لحاء شجر الخَمَار ، يبلغ طوله حوالي 40 سم ، يجفف حتى ييبس ويصبح صلبا ويوضع فيه خروق بعدد أصابع اليد الواحدة من أعلاه ، يتم من خلالها التحكم في نوع اللحن وقوة الصوت .!
علي يجيد العزف على هذا الناي الطبيعي بطريقة تستوقف الماضي كما يقال ،[ يستطلع ] ؛ أي لا يتوقف خلال العزف لمدة تمكنه من إنهاء البيت أو الأبيات التي يعزف .
الله الله شب عليه يا أخي . يقول عيسى وهو قادما لتوه لينضم إلى علي ومتعب الجالسين على سطح "المعزب" الذي يشتركون فيه ، بعد أن أشار إلى الغنم بالعودة إلى المراح . يفعل ذلك بلغته التي يعرفها غنمه : يلف يده اليسرى على شكل اسطوانة ويسد ما فيها من فراغات بيده اليمنى ويضعها على شفته لـ " يَنْفُطْ " فيها ؛ أي ينفخ فيها نفخا يحدث اصواتا تشابه أصوات الماعز عندما يرى شيئا مُسْتنكرا كالذئب أو ما شابهه ، حيث يضرب بأظلافه الأمامية على الصخر مصحوبة بالصوت الذي إذا سمع شبيها له من عيسى استجاب وعاد جافلا إلى حيث النداء فهي ليست من الأغنام التي قال عنها صاحبها ذات يوم : " بعض الغنم بهذلت رعيانها حي هلم حي !".
يعنز البندقية عيسى ، ويرمي بنفسه على السطح العاري من كل شيء إلا من معنوياته هو وزملاءه ، هات فنجال شاهي ياشيخ .
ابشر بسعدك . خلني أغسل لك فنجال.
تكفى صب لي في "عقال فيصل "...
والله مافيه إلا " ساق سلوى " ودك وإلا بغير .
ليه يا أخي وين فنجالي "عقال فيصل" ؟
انكسر وأنا أغسل الفناجيل قبل شوية .
فدا فدا ، فداك وأنا أخوك . يكفينا فنجالين ، نتداولها يارجال .
هات هات يا أبو علوه ، الله يرضى عليك . اشغب اللحن الله يرضى عليك يا أخي .
يرد علي: والله يا أخي هذا اللحن صعيب ، ماعندك لحن ثاني ، هذا اشحبني ..
تعرف اللي يقول : نخلةٌ جيتها بالليل ..
لا والله يا أخي ما اعرفها ، أنا ما أعرف القصائد ، يعجبني صوت " الصفريقا " ولا أعرف ويش تقصدون ولا ويش تغنون ولا أحفظ شيء يا أخي من هذه القصائد .
ياحظك يا عيسى والله يا حظك .. يردد علي في هدوء وتفكير في حالة عيسى الذي لا يهمه إلا غنمه وفنجال " عقال فيصل" الذي لا يلذ له الشاي إلا فيه . ياحظك يا عيسى لا هم ولا حب ولا يحزنون !
يتكئ علي على يده اليمني التي ثناها تحت رأسه ويبحث لها عن مكانا مستويا في الحجر الذي خلفه .
يتمدد قليلا و يشلّ صوته الشجي بطرق الجبل :
فيما مضى كنت احتلج والعب الميس
وابني المهاجيس
واللي تحسس من " نيس"
في نُصُبْ البيضات يسمع غنايه
متعب مشغول بتحضير العشاء حسب دوره، كل ليلة على واحد، لا يجد كثيرا من العناء في التحضير، جمر القرض الذي في " الملّة " يكفي لطهي جمل، فما بالك بتحضير براد حليب، وحفنة من العصيدة. كل ما يضيره هو غيابه عن ما يدور بين علي وعيسى من أحاديث الجوى ، و حرارة الجو في داخل المعْزَبْ التي يريد أن يهرب منها إلى خارجه حيث الجو اللطيف وأصوات خرير المياة التي تكاد لا تسمع معها أصوات الحيوانات المفترسة التي يطيب لها رفع أصواتها بمجرد أن يلف الظلام تلك الشعاب .
يحوز" البهم "عيسى و"يزرب" على الغنم في "المراح " على بال ما يحضر متعب العشاء ، أما علي فيغير من لحن إلى آخر ، الغنم أيضا تطرب وترفع أذانها صاغية إلى علي في كل مرة يشلّ فيها الصوت بالغناء أو بالعزف على الناي ، وعيسى ومتعب لا يجدون متعة أخرى تسليهم عن إذاعة علي التي لا يملون منها فهي لا تأتيهم إلا على حسب المزاج .
سموا بالله ، يالله اقلطوا يالربع ، انتبهوا تراه حار .
تتزاحم الأيدي في " الحلّة " الصغيرة وتنتظم انتظاما تلقائيا ، فبمجرد أن ترتفع واحدة تدخل الأخرى فالزاد لا يكفي ولا يسمح بالانتظار ..
الله حسيبك يا متعب ، حار يا أخي الأكل ، ليش ما تركته يبرد شوية ؟
طيب اصبروا يالربع وخلوه يبرد .!
والله ما عاد فيه صبر، يقول المثل:" مقابلة الجيش، ولا مقابلة العيش "...!
هات هات يا ابو علوه ، اعطنا بالله :" منين ياجيك الرضا ياشايل الهم ".
أصاه أصاه .. تسمعون هذا الصوت .؟
شييييييييخ شييييخ شييييييخ ، صوت ضحك الوبر الذي يبدأ ضعيفا ثم يقوى فيعود ضعيفا كما بدأ .
الله أعلم أنه في وبْدْ الثريا . وتروه كبير ما يغبى في صوته .
أقطع ايدي ان كان ماهو في الحجوب .
الظلام الذي سجى لا يكاد يرى من خلاله طرف اليد إذا مدها أحدهم ، إلا أنهم يعرفون شعابهم ووديانهم وجبالهم شبرا شبرا .
ازهلوه بكره أن شاء الله ما تسفر إلا وهو عندكم نفطر عليه ونسوي على مرقته عريكة تحبها قلوبكم .
يسرح علي مع تنفس الصبح ويأخذ مكانه في " المحجاة " وإذا بالصوت الذي يأتيه مع هبوب النسيم يكاد يفطر قلبه ولا يعير اهتمامه أي شيء آخر .
يبدأ يبحث عن مصدر الصوت في جميع الجهات حتى يتبين له أنه من واد بعيد وأنه من فتاة ليست غريبة عليه.
تضغط على لوزتيها بأصابعها وتجرّ صوتها المخنوق :
يامااااااااااااااااايه يا يمـــــــــــه
يامااااااااااااااااايه يا يمـــــــــــه
يامااااااااااااااااايه يا يمـــــــــــه
ينسى على تماما أنه ممسك على صيده الذي سرى من أجله، ويزداد شوقا على شوق ويبدأ بعزف واحدا من أعذب ألحانه.
لحن يعزفه "علي" من خلال نفخه فيما كان يعرف بـ "الصفريقا " وهو أنبوب من اللحاء وخاصة من لحاء شجر الخَمَار ، يبلغ طوله حوالي 40 سم ، يجفف حتى ييبس ويصبح صلبا ويوضع فيه خروق بعدد أصابع اليد الواحدة من أعلاه ، يتم من خلالها التحكم في نوع اللحن وقوة الصوت .!
علي يجيد العزف على هذا الناي الطبيعي بطريقة تستوقف الماضي كما يقال ،[ يستطلع ] ؛ أي لا يتوقف خلال العزف لمدة تمكنه من إنهاء البيت أو الأبيات التي يعزف .
الله الله شب عليه يا أخي . يقول عيسى وهو قادما لتوه لينضم إلى علي ومتعب الجالسين على سطح "المعزب" الذي يشتركون فيه ، بعد أن أشار إلى الغنم بالعودة إلى المراح . يفعل ذلك بلغته التي يعرفها غنمه : يلف يده اليسرى على شكل اسطوانة ويسد ما فيها من فراغات بيده اليمنى ويضعها على شفته لـ " يَنْفُطْ " فيها ؛ أي ينفخ فيها نفخا يحدث اصواتا تشابه أصوات الماعز عندما يرى شيئا مُسْتنكرا كالذئب أو ما شابهه ، حيث يضرب بأظلافه الأمامية على الصخر مصحوبة بالصوت الذي إذا سمع شبيها له من عيسى استجاب وعاد جافلا إلى حيث النداء فهي ليست من الأغنام التي قال عنها صاحبها ذات يوم : " بعض الغنم بهذلت رعيانها حي هلم حي !".
يعنز البندقية عيسى ، ويرمي بنفسه على السطح العاري من كل شيء إلا من معنوياته هو وزملاءه ، هات فنجال شاهي ياشيخ .
ابشر بسعدك . خلني أغسل لك فنجال.
تكفى صب لي في "عقال فيصل "...
والله مافيه إلا " ساق سلوى " ودك وإلا بغير .
ليه يا أخي وين فنجالي "عقال فيصل" ؟
انكسر وأنا أغسل الفناجيل قبل شوية .
فدا فدا ، فداك وأنا أخوك . يكفينا فنجالين ، نتداولها يارجال .
هات هات يا أبو علوه ، الله يرضى عليك . اشغب اللحن الله يرضى عليك يا أخي .
يرد علي: والله يا أخي هذا اللحن صعيب ، ماعندك لحن ثاني ، هذا اشحبني ..
تعرف اللي يقول : نخلةٌ جيتها بالليل ..
لا والله يا أخي ما اعرفها ، أنا ما أعرف القصائد ، يعجبني صوت " الصفريقا " ولا أعرف ويش تقصدون ولا ويش تغنون ولا أحفظ شيء يا أخي من هذه القصائد .
ياحظك يا عيسى والله يا حظك .. يردد علي في هدوء وتفكير في حالة عيسى الذي لا يهمه إلا غنمه وفنجال " عقال فيصل" الذي لا يلذ له الشاي إلا فيه . ياحظك يا عيسى لا هم ولا حب ولا يحزنون !
يتكئ علي على يده اليمني التي ثناها تحت رأسه ويبحث لها عن مكانا مستويا في الحجر الذي خلفه .
يتمدد قليلا و يشلّ صوته الشجي بطرق الجبل :
فيما مضى كنت احتلج والعب الميس
وابني المهاجيس
واللي تحسس من " نيس"
في نُصُبْ البيضات يسمع غنايه
متعب مشغول بتحضير العشاء حسب دوره، كل ليلة على واحد، لا يجد كثيرا من العناء في التحضير، جمر القرض الذي في " الملّة " يكفي لطهي جمل، فما بالك بتحضير براد حليب، وحفنة من العصيدة. كل ما يضيره هو غيابه عن ما يدور بين علي وعيسى من أحاديث الجوى ، و حرارة الجو في داخل المعْزَبْ التي يريد أن يهرب منها إلى خارجه حيث الجو اللطيف وأصوات خرير المياة التي تكاد لا تسمع معها أصوات الحيوانات المفترسة التي يطيب لها رفع أصواتها بمجرد أن يلف الظلام تلك الشعاب .
يحوز" البهم "عيسى و"يزرب" على الغنم في "المراح " على بال ما يحضر متعب العشاء ، أما علي فيغير من لحن إلى آخر ، الغنم أيضا تطرب وترفع أذانها صاغية إلى علي في كل مرة يشلّ فيها الصوت بالغناء أو بالعزف على الناي ، وعيسى ومتعب لا يجدون متعة أخرى تسليهم عن إذاعة علي التي لا يملون منها فهي لا تأتيهم إلا على حسب المزاج .
سموا بالله ، يالله اقلطوا يالربع ، انتبهوا تراه حار .
تتزاحم الأيدي في " الحلّة " الصغيرة وتنتظم انتظاما تلقائيا ، فبمجرد أن ترتفع واحدة تدخل الأخرى فالزاد لا يكفي ولا يسمح بالانتظار ..
الله حسيبك يا متعب ، حار يا أخي الأكل ، ليش ما تركته يبرد شوية ؟
طيب اصبروا يالربع وخلوه يبرد .!
والله ما عاد فيه صبر، يقول المثل:" مقابلة الجيش، ولا مقابلة العيش "...!
هات هات يا ابو علوه ، اعطنا بالله :" منين ياجيك الرضا ياشايل الهم ".
أصاه أصاه .. تسمعون هذا الصوت .؟
شييييييييخ شييييخ شييييييخ ، صوت ضحك الوبر الذي يبدأ ضعيفا ثم يقوى فيعود ضعيفا كما بدأ .
الله أعلم أنه في وبْدْ الثريا . وتروه كبير ما يغبى في صوته .
أقطع ايدي ان كان ماهو في الحجوب .
الظلام الذي سجى لا يكاد يرى من خلاله طرف اليد إذا مدها أحدهم ، إلا أنهم يعرفون شعابهم ووديانهم وجبالهم شبرا شبرا .
ازهلوه بكره أن شاء الله ما تسفر إلا وهو عندكم نفطر عليه ونسوي على مرقته عريكة تحبها قلوبكم .
يسرح علي مع تنفس الصبح ويأخذ مكانه في " المحجاة " وإذا بالصوت الذي يأتيه مع هبوب النسيم يكاد يفطر قلبه ولا يعير اهتمامه أي شيء آخر .
يبدأ يبحث عن مصدر الصوت في جميع الجهات حتى يتبين له أنه من واد بعيد وأنه من فتاة ليست غريبة عليه.
تضغط على لوزتيها بأصابعها وتجرّ صوتها المخنوق :
يامااااااااااااااااايه يا يمـــــــــــه
يامااااااااااااااااايه يا يمـــــــــــه
يامااااااااااااااااايه يا يمـــــــــــه
ينسى على تماما أنه ممسك على صيده الذي سرى من أجله، ويزداد شوقا على شوق ويبدأ بعزف واحدا من أعذب ألحانه.
تعليق