كان يحث الخطا وهو مخترق مساريب القرية عائد إلى بيته مبكرا قبل المساء على غير العادة ولج البيت واتجه نحو العلية حيث كان يقبع في إحدى زواياها صندوق خشبي عتيق ، فتحه واخرج منه بعض الملابس ووضعها في بقشة وربطها من أطرافها الأربعة ثم ألقاها فوق الصندوق ،اتجه إلى زاوية المجلس وانتقى فرشة صغيرة لفها في حنبل وربطها بحبل صغير وأسندها جوار الباب استراح قليلاً ثم تناول العشاء مع زوجته وابنه
وقبل أن يهم ببعض الكلام مع زوجته أخبرته أنها ستستيقظ قبيل الفجر [ لتكب على الخبزة ] التي سياخذها معه في سفره
قال لها مداعبا : لاتنسي أن تاهبي في وسطها حبتين من البيض
اتجه إلى فراشه لينام ويرتاح فغداً الخميس هو يوم السفر، وزوجته مازالت تهتم ببعض أمور البيت ، وبينما النوم يحاول التسلل إلى عينيه ويداعب جفونه سمع طرقا خفيفا على الباب .
قفز من مرقده واتجه نحو الباب وقد توالى الطرق
فرد وهو لم يصل بعد إلى الباب
مــن عند الباب ..؟؟
جاءه الصوت خافتا : صـديق
تساءل للتأكد : من أنت ..؟؟
أنا دغسان
فتح الباب وهو يقول : زل حياك الله
قال له وهو يظن أنه جاء لوداعه أو ليوصيه بعض حاجته من أرض الغربة
خير ..!!
قال له دغسان : لا لا خير خير
قالها وهو يثني باصبعيه الوسطى والسبابة بعض شعرات من ذقنه ويعيدها إلى فمه ويضغط عليها بأطراف أسنانه كالعادة عندما يكون لديه أمر هام
تســاءل ملاسي : وش العـلم ..؟
أجابه : الشيخ ... بيجي بكره
رد ملاسي : يجي وإلا عساه ما يجي وشعليّ منه
قال دغسان : ماتجي منك ثم أردف وأنت تدري إن [ الـنـيـبه ] عندك
تنهد ملاسي وقال : لاحول ولا قوة إلا بالله امرنا لله
رد دغسـان : بيتاً من الشعر سبق لملاسي قوله
والزفر هذا يطلعه قلبي له أسباب
فرد عليه ملاسي بيتا من رده على نفس القصيدة
وإن صلح الناجر بقدومه لهس باب
تضاحكا وكأنما تلك الضحكة كانت التوافق ولو على مضض
عاد دغسان أدراجه بعد أن تأكد من تفهم خاله للأمر اغلق ملاسي الباب وعاد إلى فراشه لينام واستيقظ مع الفجر تناول الركوة وتوضأ منها واتجه نحو المسجد لصلاة الفجر وعند الباب وقعت عيني كل منهما على صاحبه تبادلا الابتسامة كالعادة وولجا سويا إلى المسجد وبعد الصلاة وقفا في أحد " مساريب القريه " في طريقهما للعودة
سأل دغسان ملاسي : وشبتسوي ..؟؟
رد ملاسي قائلا : باسافر وانتم فيكم باب السداد
قال دغسان : الشيخ ناصيك وما يسمع في قصايدك
ردد ملاسي قصيدة قديمه لها علاقة بالموقف :
ما جا نبي من المشرق ورا موسى
إلا رياحا تهب بها ونجديه
الأنبيا ما يجونا غير من شاما
ارض نظيفه وفيها حج وزياره
ضحك دغسان لآنه فهم المعنى لكنه استدرك وذكر له بعض أهل الغنم الذين يمكن
أن يقضون حاجته ويعطونه مهله في تسديد القيمه واستحثه على اللحاق بالأغنام قبل خروجها للمرعى .
وفي المساء أقبل الشيخ يرافقه دغسان والجيران والأقرباء وتعشوا على أم الشحم عند أبو أحمد وبعد العشاء أديرت القهوة والشاي وطاب السمر
نظر الجميع إلى دغسان وهو يحرك شفتيه فسأله الشيخ وكأنه يستحثه قائلا :
وش عندك يا دغسان :
تبسم وقال أسمعوا :[rams]http://www.geocities.com/sidg1426/dog9.rm[/rams]
حيا الله قصراً وثيقاً سامته والربوع
والضيف لاجاه ما يلقى له إلا انشراح
يرى المعاميل والكيفه ويارا احتشام
والقهوجي مجتهد في الهيل والبن جهاد
وقهوته مان فيها وادرج ادوالها
كان ملاسي معتنز على المرزح وأحد الشباب يدرج فناجيل القهوه على الضيوف
اعتدل في جلسته وطلب الإعاده قائلاً :
علهــا
وما ان فرغ دغسان من الإعاده حتى رد عليه محمد ملاسي مباشرة قائلا :
يقول ملاسي بغيت الهند يوم الربوع
لكنّ ناخوذة البابور واللنش راح
مارحت ظهران للفيده ولارحت شام
لكن لا تكره التعطيل يابن جهاد
والهجره اصبر عليها وادر جدوالها
قبيل العديد من السنوات راودتني أحلام محمد ملاسي رحمه الله فسافرت إلى الهند طلباً لاستقدام بعض العمال والعودة بهم للعمل في وطني واستغرقت الرحلة شهرا وعدة أيام شعرت خلالها بكل أنواع الغربة وسط سلاسل من البشر يحملون الأرض على أكتافهم وهم على ظهرها وشعرت بالوحدة بين هذا الخضم الهائل من الكتل البشرية وكنت كلما قست علىَ الغربة أردد قصيدة محمد ملاسي
وأتســاءل لو تحقق حلم ملاسي وسافر الهند ولم يتركه الناخوذة على الرصيف
يضيف ويستضيف ماذا كان سيفعل في هذا البلد ..؟؟
ماذا كانت ستصنع به الغربة والوحدة ..؟؟
كيف سيستطيع التقاط رزقه واكتسابه من بين هذه الجموع الجائعة التي يفترش الكثير منها الغبراء وتلتحف السماء ..؟؟
هل كان سيعود أدراجه مع أول ناخوذة يتجه نحو الوطن ..؟
أم سيتركه الناخوذة هنا مرة أخرىعلى أحد الأرصفة غريبا لا أهل ولا وطن .؟
هل كنا سننعم بالمزيد من شجنه وأحزانه ولوعته وإبداعه ..؟؟
لقد حمدت الله على أن محمد بن جهــاد المشهور بمحمد ملاسي قد عطلته [ النيـبة ] عن تلك الرحلة ولم يغامر بسفرة إلى الهند والتي كانت ذات يوم محط أمال الكثير من أبناء هذا البلد .
رددت مع الحكيم ملاسي
لكن لاتكره التعطيل يابن جهاد
والهجره اصير عليه وادرج ادوالها
ومما زاد في غربتي يومٌ غادرت فيه دلهي قبيل الفجر لزيارة إحدى عجائب الدنيا السبع
تـــاج محــل
وهو من أجمل المباني الإسلامية ، وهو ضريح شيده الإمبراطور المغولي المسلم شاه جهان تكريما لزوجته المحبوبة ممتاز محل ، التي توفيت عام 1630 م في مدينة أغرا بالهند
قطع الباص الرحلة في ثلاث ساعات من دلهي أو [ دللي ] كما يسمونها ، ولا علاقة لها [بدوللي ] النعجة المستنسخة ، وكل من كان حولي من الركاب في الباص كان مواطنين وكان كل منهم مشغول بما في نفسه من هموم فلجأ إلى الصمت أو استراق النظر عبر نوافذ الباص الزجاجية لقراءة كتاب الهند المفتوح والمكتوب بأحرف من الأجساد البشرية التي لا تنقطع ولا تتوقف أبداً .
قبل أن نصل بنصف ساعة بدأت قباب التــاج تخترق عنان السماء وتلوح في الأفق عرفتها على الحقيقة التي كنت لا اعرفها إلا عن طريق الصور فقط وتخيلت أنها ترتبط معيّ بنسب فلربما كان أحد رجال الأزد الذين وفدوا مع محمد ابن القاسم فاتح السند أحد أجدادي الذين تقطعت بهم السبل أو أعجبته الهند فأقاموا بها وكان لهم يد في هذه الأعجوبة التي أتجول الأن فيها وليس معي سوى قصيدة محمد ملاسي الذي كان يعلل نفسه بأن التأخير الإجباري ربما كان فيه خير كثير .
تجولت في تاج محل وقد لوثت قدسية المكان غجرية شعب معظمهم بوذي الديانة
يفدون عليه على شكل سلاسل بشرية متصلة ولا تنقطع يمارسون كل أنواع العبثية داخل هذا المبنى الذي كانت تلفه الروحانية والطهر والعفاف وأرقى أشكال التأدب مع المكان والزمان والسيرة العطرة
لم تفارق مخيلتي أمنية ملاسي التي اغتالها الشيخ فعبرت إلينا عبر نفحات الزمان القليلة والنادرة
صرخت من أعماقي
رحم الله الشيخ
فقد أنقذ ملاسي من معاناة كانت ربما تشجينا بروائع كتلك التي كتبها شوقي وهو منفي في الأندلس
اختلاف النهار والليل يُنسى ** اذكرا لي الصبا، وأيام أنسي
فخلدها الأدب سينية كسينية البحتري وهو يزور إيوان كسرى
صنت نفس عما يدنس نفسي ** وترفعت عن جدا كل جبس
رحم الله الخال وابن أخته
ملاسي ودغسان
وكل أموات المسلمين
أميــــن
وقبل أن يهم ببعض الكلام مع زوجته أخبرته أنها ستستيقظ قبيل الفجر [ لتكب على الخبزة ] التي سياخذها معه في سفره
قال لها مداعبا : لاتنسي أن تاهبي في وسطها حبتين من البيض
اتجه إلى فراشه لينام ويرتاح فغداً الخميس هو يوم السفر، وزوجته مازالت تهتم ببعض أمور البيت ، وبينما النوم يحاول التسلل إلى عينيه ويداعب جفونه سمع طرقا خفيفا على الباب .
قفز من مرقده واتجه نحو الباب وقد توالى الطرق
فرد وهو لم يصل بعد إلى الباب
مــن عند الباب ..؟؟
جاءه الصوت خافتا : صـديق
تساءل للتأكد : من أنت ..؟؟
أنا دغسان
فتح الباب وهو يقول : زل حياك الله
قال له وهو يظن أنه جاء لوداعه أو ليوصيه بعض حاجته من أرض الغربة
خير ..!!
قال له دغسان : لا لا خير خير
قالها وهو يثني باصبعيه الوسطى والسبابة بعض شعرات من ذقنه ويعيدها إلى فمه ويضغط عليها بأطراف أسنانه كالعادة عندما يكون لديه أمر هام
تســاءل ملاسي : وش العـلم ..؟
أجابه : الشيخ ... بيجي بكره
رد ملاسي : يجي وإلا عساه ما يجي وشعليّ منه
قال دغسان : ماتجي منك ثم أردف وأنت تدري إن [ الـنـيـبه ] عندك
تنهد ملاسي وقال : لاحول ولا قوة إلا بالله امرنا لله
رد دغسـان : بيتاً من الشعر سبق لملاسي قوله
والزفر هذا يطلعه قلبي له أسباب
فرد عليه ملاسي بيتا من رده على نفس القصيدة
وإن صلح الناجر بقدومه لهس باب
تضاحكا وكأنما تلك الضحكة كانت التوافق ولو على مضض
عاد دغسان أدراجه بعد أن تأكد من تفهم خاله للأمر اغلق ملاسي الباب وعاد إلى فراشه لينام واستيقظ مع الفجر تناول الركوة وتوضأ منها واتجه نحو المسجد لصلاة الفجر وعند الباب وقعت عيني كل منهما على صاحبه تبادلا الابتسامة كالعادة وولجا سويا إلى المسجد وبعد الصلاة وقفا في أحد " مساريب القريه " في طريقهما للعودة
سأل دغسان ملاسي : وشبتسوي ..؟؟
رد ملاسي قائلا : باسافر وانتم فيكم باب السداد
قال دغسان : الشيخ ناصيك وما يسمع في قصايدك
ردد ملاسي قصيدة قديمه لها علاقة بالموقف :
ما جا نبي من المشرق ورا موسى
إلا رياحا تهب بها ونجديه
الأنبيا ما يجونا غير من شاما
ارض نظيفه وفيها حج وزياره
ضحك دغسان لآنه فهم المعنى لكنه استدرك وذكر له بعض أهل الغنم الذين يمكن
أن يقضون حاجته ويعطونه مهله في تسديد القيمه واستحثه على اللحاق بالأغنام قبل خروجها للمرعى .
وفي المساء أقبل الشيخ يرافقه دغسان والجيران والأقرباء وتعشوا على أم الشحم عند أبو أحمد وبعد العشاء أديرت القهوة والشاي وطاب السمر
نظر الجميع إلى دغسان وهو يحرك شفتيه فسأله الشيخ وكأنه يستحثه قائلا :
وش عندك يا دغسان :
تبسم وقال أسمعوا :[rams]http://www.geocities.com/sidg1426/dog9.rm[/rams]
حيا الله قصراً وثيقاً سامته والربوع
والضيف لاجاه ما يلقى له إلا انشراح
يرى المعاميل والكيفه ويارا احتشام
والقهوجي مجتهد في الهيل والبن جهاد
وقهوته مان فيها وادرج ادوالها
كان ملاسي معتنز على المرزح وأحد الشباب يدرج فناجيل القهوه على الضيوف
اعتدل في جلسته وطلب الإعاده قائلاً :
علهــا
وما ان فرغ دغسان من الإعاده حتى رد عليه محمد ملاسي مباشرة قائلا :
يقول ملاسي بغيت الهند يوم الربوع
لكنّ ناخوذة البابور واللنش راح
مارحت ظهران للفيده ولارحت شام
لكن لا تكره التعطيل يابن جهاد
والهجره اصبر عليها وادر جدوالها
قبيل العديد من السنوات راودتني أحلام محمد ملاسي رحمه الله فسافرت إلى الهند طلباً لاستقدام بعض العمال والعودة بهم للعمل في وطني واستغرقت الرحلة شهرا وعدة أيام شعرت خلالها بكل أنواع الغربة وسط سلاسل من البشر يحملون الأرض على أكتافهم وهم على ظهرها وشعرت بالوحدة بين هذا الخضم الهائل من الكتل البشرية وكنت كلما قست علىَ الغربة أردد قصيدة محمد ملاسي
وأتســاءل لو تحقق حلم ملاسي وسافر الهند ولم يتركه الناخوذة على الرصيف
يضيف ويستضيف ماذا كان سيفعل في هذا البلد ..؟؟
ماذا كانت ستصنع به الغربة والوحدة ..؟؟
كيف سيستطيع التقاط رزقه واكتسابه من بين هذه الجموع الجائعة التي يفترش الكثير منها الغبراء وتلتحف السماء ..؟؟
هل كان سيعود أدراجه مع أول ناخوذة يتجه نحو الوطن ..؟
أم سيتركه الناخوذة هنا مرة أخرىعلى أحد الأرصفة غريبا لا أهل ولا وطن .؟
هل كنا سننعم بالمزيد من شجنه وأحزانه ولوعته وإبداعه ..؟؟
لقد حمدت الله على أن محمد بن جهــاد المشهور بمحمد ملاسي قد عطلته [ النيـبة ] عن تلك الرحلة ولم يغامر بسفرة إلى الهند والتي كانت ذات يوم محط أمال الكثير من أبناء هذا البلد .
رددت مع الحكيم ملاسي
لكن لاتكره التعطيل يابن جهاد
والهجره اصير عليه وادرج ادوالها
ومما زاد في غربتي يومٌ غادرت فيه دلهي قبيل الفجر لزيارة إحدى عجائب الدنيا السبع
تـــاج محــل
وهو من أجمل المباني الإسلامية ، وهو ضريح شيده الإمبراطور المغولي المسلم شاه جهان تكريما لزوجته المحبوبة ممتاز محل ، التي توفيت عام 1630 م في مدينة أغرا بالهند
قطع الباص الرحلة في ثلاث ساعات من دلهي أو [ دللي ] كما يسمونها ، ولا علاقة لها [بدوللي ] النعجة المستنسخة ، وكل من كان حولي من الركاب في الباص كان مواطنين وكان كل منهم مشغول بما في نفسه من هموم فلجأ إلى الصمت أو استراق النظر عبر نوافذ الباص الزجاجية لقراءة كتاب الهند المفتوح والمكتوب بأحرف من الأجساد البشرية التي لا تنقطع ولا تتوقف أبداً .
قبل أن نصل بنصف ساعة بدأت قباب التــاج تخترق عنان السماء وتلوح في الأفق عرفتها على الحقيقة التي كنت لا اعرفها إلا عن طريق الصور فقط وتخيلت أنها ترتبط معيّ بنسب فلربما كان أحد رجال الأزد الذين وفدوا مع محمد ابن القاسم فاتح السند أحد أجدادي الذين تقطعت بهم السبل أو أعجبته الهند فأقاموا بها وكان لهم يد في هذه الأعجوبة التي أتجول الأن فيها وليس معي سوى قصيدة محمد ملاسي الذي كان يعلل نفسه بأن التأخير الإجباري ربما كان فيه خير كثير .
تجولت في تاج محل وقد لوثت قدسية المكان غجرية شعب معظمهم بوذي الديانة
يفدون عليه على شكل سلاسل بشرية متصلة ولا تنقطع يمارسون كل أنواع العبثية داخل هذا المبنى الذي كانت تلفه الروحانية والطهر والعفاف وأرقى أشكال التأدب مع المكان والزمان والسيرة العطرة
لم تفارق مخيلتي أمنية ملاسي التي اغتالها الشيخ فعبرت إلينا عبر نفحات الزمان القليلة والنادرة
صرخت من أعماقي
رحم الله الشيخ
فقد أنقذ ملاسي من معاناة كانت ربما تشجينا بروائع كتلك التي كتبها شوقي وهو منفي في الأندلس
اختلاف النهار والليل يُنسى ** اذكرا لي الصبا، وأيام أنسي
فخلدها الأدب سينية كسينية البحتري وهو يزور إيوان كسرى
صنت نفس عما يدنس نفسي ** وترفعت عن جدا كل جبس
رحم الله الخال وابن أخته
ملاسي ودغسان
وكل أموات المسلمين
أميــــن
تعليق