بسم الله الرحمن الرحيم
أرى الدهر كنزاً ناقصاً كل ليلةٍ .. وماتنقصُ الأيام والدهر ينفد
1) الكهـانة وجنــات سبـأ
لثلاثمائة سنة خلت كان السابقون المتقدمون في بعض بقاع جنوب الجزيرة العربية أهل معتقدٍ قديم , وأصحاب عادةٍ جاهلية فرضها عليهم انتشار الجهل في تلك القرون المظلمة ..
حيث ترى أصحاب البقعة الواحدة يسارعون الخُطى الى أصحاب الكهانة والتنجيم , على أمل أن ذلك الكاهن الأحمق قد رأى شيئاً من مستقبل الأيام وأحوال الزمان .. فيخبرهم شيئاً عن أحولهم وقت لقاء الأعداء , ويُخبرهم أيضاً عن مستقبل الماء والكلأ في تلك البقعة المقصودة .
ومن بين أخبار تلك العادة الفانية .. أن أحد المنجمين قد أسمى قرية الجوفاء ( الإسم الحالي الآن ) بإسمٍ قديم وهو قرية الحوض .. حيثُ أن عادة التنجيم عن اسم القرية كانت عادة ذات انتشارٍ واسع في ذلك العصر , ومن ذلك قرية الباحة التي نُجمت قديماً بإسم الباحتين ..
أما ذلك المُنّجم الذي أسمى تلك الدار بالحوض فلقد صدق وهو كـاذب ..
حيثُ أن قرية الجوفاء ذات أطلالٍ وجبال تتمثل على شكل حلقةٍ غير مكتملة , وفي منتصفها وادٍ أخضر يقسمها الى عدة أقسام , وإن مازالت ذاكرة القراء ذات حياة فليتذكروا ما كان يسمى قديماً بــ " العكمة " المحيطة بالحوض الزراعي .
فـ " قُرى الجوفاء " وجبالها شبيةٌ بالحواجز حول الحوض , والحوض الذي أقصده هنا هو وادي رهاوة .
أيضاً لقد صدق ذلك الكاذب في هذه التسمية حيث وكما تعلمون بأن الحوض يكون إما مليءٌ بالنبات الأخضر الرطب , أو مليءٌ بالماء بعد سوق الغروب , وفي ذلك الوادي المسمى " رهاوة " كانت الزراعة قائمةً على قدمٍ وساق , وكأني بذلك الوادي وذكرياته الخضراء صباح هذا اليوم, فمع إشراقة شمس الصباح لاتسمع الا أنين الثيران وهي تخُطُ الأرض بجفاءٍ تحت المصلبة والعود , ومن وراء ذلك الخط الكوفي على وجه الأرض ترى ذلك الرجل المحتزم بالنافعية , وقد عصب شيمته بعمامته وهو يغني ..
يالله اليوم ياربي ... ياعوينا لطلابه
يالذي تنبت الحبي ... يابسٍ يوم نذرابه
وهناك بالقرب من بير الخراز , وبير القضب , وبير القطعه لاتسمع الا صرخات الدوارج وهي محملةٌ بالماء ومن خلفها من يغني ..
يالله هب للهوش والسايق معونه
ومن بين تلك الممرات المليئة بالضهيان والطُباق والسذاب
والريحان ترى أنواعاً عدة من الغلال والحبوب الموسمية .. من أهمها :
الحنطة " البُر " الذي قال عن الشاعر جريبيع ..
إن آهلك يا بُر مابين الرخيلي وجُبر
ياجي صلاة الظهر والطل يهوي من عتاله
الله يجيرة من برود الثريا والجلودي
أيضاً من أشهر الحبوب الموسمية التي تُزرع بوادي رهاوه .. " المشعورة , الشعير , البوسن , السيال , الذره "
أما عن أنواع الفواكهة فيُزرع المشمش , والخوخ , والرمان , الجوافة , وبعضاً من فاكهة الكمثرى, أما أشهر الأنواع وأجودها على الإطلاق فهما فاكهة العنب والتفـاح ..
وبعد الدمس والتقصيب وأصوات المساحي وأصوات حماة الطير .. يعود قرص الشمس الدامي مائلاً الى الغروب وكأني به لا يغربُ الإ من أواخر وادي رهاوة .
2) الموقع الجغــرافي
قال الشاعر قاسم الخزمري الزهراني رحمه الله تعالى :
وادي رهاوة دونه الله وخمس دور
نعم فالقُرى أو الدور المشتركة في هذا الوادي تنقسم الى خمس دور , البعض منها يتبع لقبيلة بني حسن , والبعض الآخر يتبع لقبيلة بالخزمر ..
قُرى بني حسن : قرية الجوفاء " زعره " , السهـلة
قُرى بلخزمر : الرُخيلة , المحاميد , القَبَل
1- الرخيلة : وتقع تلك القرية الحربية ذات المتارس والحصون في غرب الوادي .
2- حصن القدور " المحاميد " : وتقع تلك القرية في شمال غرب الوادي .
3- القَبَل : وتقع تلك القرية في شرق شمال وادي رهاوة , ويحدها من الشمال الشرقي وادي الشاعر , وفي هذه القرية مشيخة قبيلة بالخزمر لدى الشيخ موسى بن عيظه بن صالح الخزمري الزهراني .
4- السهله : وتقع تلك القرية في شرق الوادي .
5- الجـوفاء : وقد تفرع من هذه القرية الكبيرة إحدى القرى الصغيرة , وسميت بقرية زعرة , وتلك القرية المسماه بـ " زعرة " تقع في جنوب وادي رهاوة , حيث قد نزل بها الرجال الأشاوس قديماً , وقاموا ببناء الحصن الحربي التاريخي المسمى { حصن زعرة } وأقاموا من حوله مجموعةً من المنازل القديمة بدعوى السُكنى , وتكوين حد دفاعي على طارفة قرية الجوفاء وفي ذلك يقول الشاعر :
ياجّهِلّ لا يُغرك هرجةٍ في طرف ضحوه وروحه
من يعاند كما الجُبر تظلي عيونه ساهره
زربوا جالة النصباء وزربٍ على وادي رهاوه
وزروب النمص والناب الأحمر وحدٍ في وبر
والعارف الحقيقي بوادي رهاوة لايستغربُ من تداخل الحقوق والأملاك والبلاد الزراعية بين قُرى قبائل بني حسن , وقُرى قبائل بلخزمر , وقد أدى ذلك التداخل والإندماج بين الأملاك الى وقوع كثيرٍ من المشاكل والفتن والأزمات والحروب على مدى عقودٍ طويلة من الزمن .
3) الأزمات والحــروب
كما أسلفت سابقاً فالتداخل الزراعي المتمثل في قُرب الممتلكات بعضها من بعض كان سبباً رئيسياً في حدوث كثيرٍ من الفتن , حيث أن سرطان الأختلافات الحدودية بين مُلاك القطع الزراعية بدأ في الأنتشار قديماً حتى قيل بأن البداية كانت في أعوام 1000هـ , وفي تلك الفترة المظلمة بدأت القُرى في بناء الحصون الحربية ووضع المتارس الدفاعية , فقامت قُرى المحاميد المتمثلة في قرية الرخيله وحصن القدور والقبل بإنشاء الحصون على مشارف قُراهم المطلة على وادي رهاوه , والمسارعة الى عقد التحالفات والمعاهدات مع قبائل سبة .
أما قُرى الجوفاء فقامت بإنشاء " حصن زعرة " , حيث كان إختيار منطقة البناء في وسط وادي رهاوة في إعلانٍ صارخٍ للتحدي .. وفي ذلك الحصن يقول الشاعر:
سلام ياحصننا الوثيق .. للحرب غنت بيارقه
وفي تلك الفترة بدأت الأمور في التأزم واُعلنت الحرب في أكثر من مرة , لتبدأ الحرب أعواماً , ثم لتقف أعواماً أخرى ..
وفي أعوام 1250هـ حلت اللعنة المشؤومة على وادي رهاوة , فمع كَثرة الحروب وإستمرارها أصبح الوادي مكندراً بمعنى خالياً من الزراعة والمزارعين , ومن سولت له نفسه النزول الى وسط الوادي بغرض الزراعة أو السقاء فلا بُد أن يجد له رصاصةً تمنعه من النزول مرةً أخرى .
وأستمر ذلك البلاء والشقاء في قتل الوجه الأخضر لوادي رهاوة , وإبدال موضع كل شجرةٍ بقبر ...
وبعد مرور 70 عام على إعلان الحصار على وادي رهاوة , بدأ لسكان قُرى رهاوة خطرٌ مظلمٌ أسود , خطرٌ لايرحم صغيراً ولا كبيراً , ولا يفرق بين حسنيٍ و خزمري , خطرٌ أكبر من جنبات وادي رهاوة , وأعرض من حصونها الغليظة ..
إنه الزحف العثماني " التركي " على بلاد زهران , حيث الجيوش النظامية , والخيول المدربة , والأسلحة الحديثة , والمدافع الثقيلة ..
عند إذنٍ وفي تلك الفترة الزمنية العصيبة قام الشيخ راشد بن الرقوش بإنتداب الشاعر محمد بن ثامرة الى كافة فخوذ قبيلة زهران ليقوم بمهمة تجميع لواء الجيش الشعبي الزهراني ... ولكـن أنى لذلك الشاعر المحاربُ أن يقوم بتلك المهمة وقبائل يوس منقسمةٌ على بعضها بسبب الحرب القائمة في وادي رهاوة بين قبائل بني حسن وقبائل بالخزمر ..
هناك أدرك الشاعر الثوابي أن لابُد من المخاطرة , فما كان منه إلا أن حمل بيرق الهدنة وهو عبارة عن علمٍ كبير مصنوع من القماش الأبيض وتوجه برفقة بعض القوم من خارج قبيلة يوس الى وسط وادي رهاوة , وقاموا بدق الزير إعلاناً منهم عن حدوث أمرٍ ما ..
فما كان من المقاتلين المتحصنين داخل الحصون الحربية إلا أن توجهوا الى حيث القوم وصوت الزير ... وهناك طلب منهم الشاعر الثوابي وضع الأسلحة بعيداً عن أياديهم , ثم بدأ في إخبارهم عن الزحف العثماني , وضرورة توحيد الصف لمواجهة ذلك الخطر الدامي ..
فقـــال ..
البدع
ياسلامي عدد سيلٍ يهل البرد والماء جرى
ناض برقه ورعاده ونوه وجمع الخلق رايا
شال دوقه ووطاها ومنها الصواقع شرها
والبلاد الذي عند ابن مشرف مضى منها وعاما
ياتقلع هياج الراك من كثر مايدمس قوي
الرد
مارهاوه كما تالي الديار انشدوا عما جرى
انفجر حربها قدام يوم اشتهوا الخمس القرايا
قهروا يصلحون الناس فيها كفى الله شرها
واحقل الطلح في نقعة رهاوه قعد سبعين عاما
يقطعون الدوارج من بطون البلاد المسقوي
بعد ذلك عاد ليخبرهم شيئاً عن رسالة أبناء العم رجال غامد في قصيدةٍ نادرة لم أجد لها طرفاً آخـر ..
ياسلامي يارفيقٍ ماترك حدٍ ولا حدين
يطعم الخصام في وقت اللقاء سمٍ ومر الصابر
شرف الله في مذاهبكم وشرفنا وجودكم
من تمنى شركم ياخذ جهازه والكفن بشروطه
واينحن زهران مافينا مجاحد عن دروب الثار
فاترى مابينكم جتكم رسالة من رجال الغمد
اسمعوا علمي ترى إن العيب في غامد يعيبنا
قيف غامد يطلبون العون منكم يارجال العانة
دولة الأتراك دكوا دورغامد دك دعكنه
روس غامد مثل صلب الحيد الأخضر من صفى صوان
ينكب البُراق من صلبه ويرجع للسماء سنادي
غير موج البحر في وجه المراكب جايرٍ جبار
يانديبي خذ كلامي واوصله كفة دول زهران
قلهم باللي جرى والعار واحد وانص قوم الدوسي
وسليم الهوج والعمرين جاهم من سبابنا
والشريف اللي فعاله ذب تشرفنا على الدوام
والحسن ثم ال سويدي مثل برقٍ في عروض الناوي
واللقاء في بطن وادي قوب تحت الرشق نايبه
وابيضلي بطن وادي قوب سايل بالدمى سمال
جدنا نصر الاُزد ياحي ذاك الجد نسل الغوث
كل واحد لو يقابل له جبل يقدر على دمكانه
مالنا عذرٍ يعذرنا وغامد تحت عسلفه
فما كان من رجال بني حسن ورجال بالخزمر إلا أن هللوا وكبروا واتفقوا على الإجتماع مع بقية قبائل زهران في مكانٍ يُعرف الآن بـ " البلهق " للتوجه الى مقابلة الزحف العثماني .
وهناك أيضاً في وسط وادي رهاوة كُتبت وثيقة الصلح بين القبيلتين على .. ( أن الواحد عن اثنين , وأن ريعنْا واحد على من يبلينا , وأن الرقبة بالرقبة , والكَونْ بالكَونْ , وأن مصدارنا واحد وميرادنا واحد , وإن من بار عليه الله ثار , وعليه أرباش الغربان , ولباس النسوان , عهد موروث نسل بعد نسل , مادام الله يعبد , والماء يورّد , والغراب أسود ) ..
تحياتي.. الجـــــــــــابري
أرى الدهر كنزاً ناقصاً كل ليلةٍ .. وماتنقصُ الأيام والدهر ينفد
1) الكهـانة وجنــات سبـأ
لثلاثمائة سنة خلت كان السابقون المتقدمون في بعض بقاع جنوب الجزيرة العربية أهل معتقدٍ قديم , وأصحاب عادةٍ جاهلية فرضها عليهم انتشار الجهل في تلك القرون المظلمة ..
حيث ترى أصحاب البقعة الواحدة يسارعون الخُطى الى أصحاب الكهانة والتنجيم , على أمل أن ذلك الكاهن الأحمق قد رأى شيئاً من مستقبل الأيام وأحوال الزمان .. فيخبرهم شيئاً عن أحولهم وقت لقاء الأعداء , ويُخبرهم أيضاً عن مستقبل الماء والكلأ في تلك البقعة المقصودة .
ومن بين أخبار تلك العادة الفانية .. أن أحد المنجمين قد أسمى قرية الجوفاء ( الإسم الحالي الآن ) بإسمٍ قديم وهو قرية الحوض .. حيثُ أن عادة التنجيم عن اسم القرية كانت عادة ذات انتشارٍ واسع في ذلك العصر , ومن ذلك قرية الباحة التي نُجمت قديماً بإسم الباحتين ..
أما ذلك المُنّجم الذي أسمى تلك الدار بالحوض فلقد صدق وهو كـاذب ..
حيثُ أن قرية الجوفاء ذات أطلالٍ وجبال تتمثل على شكل حلقةٍ غير مكتملة , وفي منتصفها وادٍ أخضر يقسمها الى عدة أقسام , وإن مازالت ذاكرة القراء ذات حياة فليتذكروا ما كان يسمى قديماً بــ " العكمة " المحيطة بالحوض الزراعي .
فـ " قُرى الجوفاء " وجبالها شبيةٌ بالحواجز حول الحوض , والحوض الذي أقصده هنا هو وادي رهاوة .
أيضاً لقد صدق ذلك الكاذب في هذه التسمية حيث وكما تعلمون بأن الحوض يكون إما مليءٌ بالنبات الأخضر الرطب , أو مليءٌ بالماء بعد سوق الغروب , وفي ذلك الوادي المسمى " رهاوة " كانت الزراعة قائمةً على قدمٍ وساق , وكأني بذلك الوادي وذكرياته الخضراء صباح هذا اليوم, فمع إشراقة شمس الصباح لاتسمع الا أنين الثيران وهي تخُطُ الأرض بجفاءٍ تحت المصلبة والعود , ومن وراء ذلك الخط الكوفي على وجه الأرض ترى ذلك الرجل المحتزم بالنافعية , وقد عصب شيمته بعمامته وهو يغني ..
يالله اليوم ياربي ... ياعوينا لطلابه
يالذي تنبت الحبي ... يابسٍ يوم نذرابه
وهناك بالقرب من بير الخراز , وبير القضب , وبير القطعه لاتسمع الا صرخات الدوارج وهي محملةٌ بالماء ومن خلفها من يغني ..
يالله هب للهوش والسايق معونه
ومن بين تلك الممرات المليئة بالضهيان والطُباق والسذاب
والريحان ترى أنواعاً عدة من الغلال والحبوب الموسمية .. من أهمها :
الحنطة " البُر " الذي قال عن الشاعر جريبيع ..
إن آهلك يا بُر مابين الرخيلي وجُبر
ياجي صلاة الظهر والطل يهوي من عتاله
الله يجيرة من برود الثريا والجلودي
أيضاً من أشهر الحبوب الموسمية التي تُزرع بوادي رهاوه .. " المشعورة , الشعير , البوسن , السيال , الذره "
أما عن أنواع الفواكهة فيُزرع المشمش , والخوخ , والرمان , الجوافة , وبعضاً من فاكهة الكمثرى, أما أشهر الأنواع وأجودها على الإطلاق فهما فاكهة العنب والتفـاح ..
وبعد الدمس والتقصيب وأصوات المساحي وأصوات حماة الطير .. يعود قرص الشمس الدامي مائلاً الى الغروب وكأني به لا يغربُ الإ من أواخر وادي رهاوة .
2) الموقع الجغــرافي
قال الشاعر قاسم الخزمري الزهراني رحمه الله تعالى :
وادي رهاوة دونه الله وخمس دور
نعم فالقُرى أو الدور المشتركة في هذا الوادي تنقسم الى خمس دور , البعض منها يتبع لقبيلة بني حسن , والبعض الآخر يتبع لقبيلة بالخزمر ..
قُرى بني حسن : قرية الجوفاء " زعره " , السهـلة
قُرى بلخزمر : الرُخيلة , المحاميد , القَبَل
1- الرخيلة : وتقع تلك القرية الحربية ذات المتارس والحصون في غرب الوادي .
2- حصن القدور " المحاميد " : وتقع تلك القرية في شمال غرب الوادي .
3- القَبَل : وتقع تلك القرية في شرق شمال وادي رهاوة , ويحدها من الشمال الشرقي وادي الشاعر , وفي هذه القرية مشيخة قبيلة بالخزمر لدى الشيخ موسى بن عيظه بن صالح الخزمري الزهراني .
4- السهله : وتقع تلك القرية في شرق الوادي .
5- الجـوفاء : وقد تفرع من هذه القرية الكبيرة إحدى القرى الصغيرة , وسميت بقرية زعرة , وتلك القرية المسماه بـ " زعرة " تقع في جنوب وادي رهاوة , حيث قد نزل بها الرجال الأشاوس قديماً , وقاموا ببناء الحصن الحربي التاريخي المسمى { حصن زعرة } وأقاموا من حوله مجموعةً من المنازل القديمة بدعوى السُكنى , وتكوين حد دفاعي على طارفة قرية الجوفاء وفي ذلك يقول الشاعر :
ياجّهِلّ لا يُغرك هرجةٍ في طرف ضحوه وروحه
من يعاند كما الجُبر تظلي عيونه ساهره
زربوا جالة النصباء وزربٍ على وادي رهاوه
وزروب النمص والناب الأحمر وحدٍ في وبر
والعارف الحقيقي بوادي رهاوة لايستغربُ من تداخل الحقوق والأملاك والبلاد الزراعية بين قُرى قبائل بني حسن , وقُرى قبائل بلخزمر , وقد أدى ذلك التداخل والإندماج بين الأملاك الى وقوع كثيرٍ من المشاكل والفتن والأزمات والحروب على مدى عقودٍ طويلة من الزمن .
3) الأزمات والحــروب
كما أسلفت سابقاً فالتداخل الزراعي المتمثل في قُرب الممتلكات بعضها من بعض كان سبباً رئيسياً في حدوث كثيرٍ من الفتن , حيث أن سرطان الأختلافات الحدودية بين مُلاك القطع الزراعية بدأ في الأنتشار قديماً حتى قيل بأن البداية كانت في أعوام 1000هـ , وفي تلك الفترة المظلمة بدأت القُرى في بناء الحصون الحربية ووضع المتارس الدفاعية , فقامت قُرى المحاميد المتمثلة في قرية الرخيله وحصن القدور والقبل بإنشاء الحصون على مشارف قُراهم المطلة على وادي رهاوه , والمسارعة الى عقد التحالفات والمعاهدات مع قبائل سبة .
أما قُرى الجوفاء فقامت بإنشاء " حصن زعرة " , حيث كان إختيار منطقة البناء في وسط وادي رهاوة في إعلانٍ صارخٍ للتحدي .. وفي ذلك الحصن يقول الشاعر:
سلام ياحصننا الوثيق .. للحرب غنت بيارقه
وفي تلك الفترة بدأت الأمور في التأزم واُعلنت الحرب في أكثر من مرة , لتبدأ الحرب أعواماً , ثم لتقف أعواماً أخرى ..
وفي أعوام 1250هـ حلت اللعنة المشؤومة على وادي رهاوة , فمع كَثرة الحروب وإستمرارها أصبح الوادي مكندراً بمعنى خالياً من الزراعة والمزارعين , ومن سولت له نفسه النزول الى وسط الوادي بغرض الزراعة أو السقاء فلا بُد أن يجد له رصاصةً تمنعه من النزول مرةً أخرى .
وأستمر ذلك البلاء والشقاء في قتل الوجه الأخضر لوادي رهاوة , وإبدال موضع كل شجرةٍ بقبر ...
وبعد مرور 70 عام على إعلان الحصار على وادي رهاوة , بدأ لسكان قُرى رهاوة خطرٌ مظلمٌ أسود , خطرٌ لايرحم صغيراً ولا كبيراً , ولا يفرق بين حسنيٍ و خزمري , خطرٌ أكبر من جنبات وادي رهاوة , وأعرض من حصونها الغليظة ..
إنه الزحف العثماني " التركي " على بلاد زهران , حيث الجيوش النظامية , والخيول المدربة , والأسلحة الحديثة , والمدافع الثقيلة ..
عند إذنٍ وفي تلك الفترة الزمنية العصيبة قام الشيخ راشد بن الرقوش بإنتداب الشاعر محمد بن ثامرة الى كافة فخوذ قبيلة زهران ليقوم بمهمة تجميع لواء الجيش الشعبي الزهراني ... ولكـن أنى لذلك الشاعر المحاربُ أن يقوم بتلك المهمة وقبائل يوس منقسمةٌ على بعضها بسبب الحرب القائمة في وادي رهاوة بين قبائل بني حسن وقبائل بالخزمر ..
هناك أدرك الشاعر الثوابي أن لابُد من المخاطرة , فما كان منه إلا أن حمل بيرق الهدنة وهو عبارة عن علمٍ كبير مصنوع من القماش الأبيض وتوجه برفقة بعض القوم من خارج قبيلة يوس الى وسط وادي رهاوة , وقاموا بدق الزير إعلاناً منهم عن حدوث أمرٍ ما ..
فما كان من المقاتلين المتحصنين داخل الحصون الحربية إلا أن توجهوا الى حيث القوم وصوت الزير ... وهناك طلب منهم الشاعر الثوابي وضع الأسلحة بعيداً عن أياديهم , ثم بدأ في إخبارهم عن الزحف العثماني , وضرورة توحيد الصف لمواجهة ذلك الخطر الدامي ..
فقـــال ..
البدع
ياسلامي عدد سيلٍ يهل البرد والماء جرى
ناض برقه ورعاده ونوه وجمع الخلق رايا
شال دوقه ووطاها ومنها الصواقع شرها
والبلاد الذي عند ابن مشرف مضى منها وعاما
ياتقلع هياج الراك من كثر مايدمس قوي
الرد
مارهاوه كما تالي الديار انشدوا عما جرى
انفجر حربها قدام يوم اشتهوا الخمس القرايا
قهروا يصلحون الناس فيها كفى الله شرها
واحقل الطلح في نقعة رهاوه قعد سبعين عاما
يقطعون الدوارج من بطون البلاد المسقوي
بعد ذلك عاد ليخبرهم شيئاً عن رسالة أبناء العم رجال غامد في قصيدةٍ نادرة لم أجد لها طرفاً آخـر ..
ياسلامي يارفيقٍ ماترك حدٍ ولا حدين
يطعم الخصام في وقت اللقاء سمٍ ومر الصابر
شرف الله في مذاهبكم وشرفنا وجودكم
من تمنى شركم ياخذ جهازه والكفن بشروطه
واينحن زهران مافينا مجاحد عن دروب الثار
فاترى مابينكم جتكم رسالة من رجال الغمد
اسمعوا علمي ترى إن العيب في غامد يعيبنا
قيف غامد يطلبون العون منكم يارجال العانة
دولة الأتراك دكوا دورغامد دك دعكنه
روس غامد مثل صلب الحيد الأخضر من صفى صوان
ينكب البُراق من صلبه ويرجع للسماء سنادي
غير موج البحر في وجه المراكب جايرٍ جبار
يانديبي خذ كلامي واوصله كفة دول زهران
قلهم باللي جرى والعار واحد وانص قوم الدوسي
وسليم الهوج والعمرين جاهم من سبابنا
والشريف اللي فعاله ذب تشرفنا على الدوام
والحسن ثم ال سويدي مثل برقٍ في عروض الناوي
واللقاء في بطن وادي قوب تحت الرشق نايبه
وابيضلي بطن وادي قوب سايل بالدمى سمال
جدنا نصر الاُزد ياحي ذاك الجد نسل الغوث
كل واحد لو يقابل له جبل يقدر على دمكانه
مالنا عذرٍ يعذرنا وغامد تحت عسلفه
فما كان من رجال بني حسن ورجال بالخزمر إلا أن هللوا وكبروا واتفقوا على الإجتماع مع بقية قبائل زهران في مكانٍ يُعرف الآن بـ " البلهق " للتوجه الى مقابلة الزحف العثماني .
وهناك أيضاً في وسط وادي رهاوة كُتبت وثيقة الصلح بين القبيلتين على .. ( أن الواحد عن اثنين , وأن ريعنْا واحد على من يبلينا , وأن الرقبة بالرقبة , والكَونْ بالكَونْ , وأن مصدارنا واحد وميرادنا واحد , وإن من بار عليه الله ثار , وعليه أرباش الغربان , ولباس النسوان , عهد موروث نسل بعد نسل , مادام الله يعبد , والماء يورّد , والغراب أسود ) ..
تحياتي.. الجـــــــــــابري
تعليق