بسم الله الرحمن الرحيم
البــــدع ..
أول الأقوال يالله طالبينك يا إلهنـا
السلام عليك يا ابن ادريس وعلى القريه اللي فيها
والمعونه ياصبيح الوجه وجهٍ بالمزا ( وري )
والذي يعصاك فتحنا لحوده والصلي مقريه
وهدمنا فوقه الغيران وأوثقنا البناء ميثاق
يامحمد ياشراز الدين والاسلام ياراعي الحق
بالله ياسيدي وقرة عيني إنك رد لي لبيك
واستمع فالهاجس اللي كنه المنهال حن ينهالي
إن الله يسقيك ياذا العام ياعام أنْق الأعوامات
نكتب اسم احبيبنا في الموز والليزان والبن آيه
والجواب اللي مضا باح انقضى واللي قُدم كمن
يالذي حتى نجوم العرش في جو السماء فيقٌ له
اقبل الخيال والفرسان في ركبٍ ومرتضى
والذي مايقدرون على وصولك عرقوا شميـر
الــــرد
والله إنّا مالفينا من بلد زهران لاهنـا
الا سبع أنظار ياسيدي فلا نقدر نعذر فيها
أولتها بالصلاة على النبي جاك المزاوري
والثاني نبغي الدعاء ياسيدي والفاتحه المقريه
والثالث نلزم بحبل الله ونعطي الحق والميثاق
والرابع فإن كان شيء حربٌ فـ" جاء " أولنا والآخر يلحق
عانتك زهران خمسين ألف ياسعدك ويالبيك
والخامس من كثرة الشيخان والحُكام تعمى الْهالي
والنحل لكثر يعاسيبه تقاصع وانقلع ومات
واعرف إنا ياحبيبي لو غدينا كلنا بناية
من يجينا بالحصى والصلب ياسيدي ودمك من ؟
والسادس في من معه سيفين ماتدخل معه في قُله
والسابع فإن كان ياسيد الجميع , الشيخ مرتضى
فانحن يازهران ما نرضى بغير ابن الرقوش مير
وفي رواية أخرى ( نادرة )
بدع :
اقبل الخيال والفرسان في ركبٍ ومرتضى
شيخنا ثم الجُبر والغمر واللي فالمهد صبياني
والذي مايقدرون على وصولك عرقوا شميـر
رد :
والسابع ياسيدي حنا نقول الشيخ مرتضى
هذي اعلامٍ على راس الشرف والقاله للصبياني
وانحن يازهران ما نرضى بغير ابن الرقوش مير
أولاً .. القصيدة بكل كلماتها , وأفكارها السياسية , بل بكل أنملةٍ منها وبكل شعرة تُنسب بالدليل القاطع الى قائلها الحقيقي الشاعر محمد بن ثامره رحمه الله , وليس للشاعر الكبير عيفان الجعيره رحمه الله حقٌ فيها أو موضع قدم .
أما الدليل الثابت تاريخياً , والرؤية السياسية التي سأستدل بها تباعاً فهما يحتاجان منكم أيها القراء الأفاضل الى مزيدٍ من التمعن والربط العقلي و التاريخي بين الأحداث .
===
في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الهجري قام محمد بن علي الأدريسي بحركةٍ سياسية خطيرة , حيث كانت تلك الدعوة تُظهر الاسلام وتبطن خدمة الأستعمار الأيطالي , بل أن الأدهى من ذلك هو صاحب هذه الحركة " محمد بن علي الأدريسي " حيث كان شديد الذكاء , عالماً ببواطن الأمور , وعارفاً الى أين تورد الأبل .
بدأ هذا الأدريسي دعوته الوهميـة بعقد الصلح بين قبائل المخلاف السليماني التي تناثرة دماء أبنائها هنا وهناك , بعد أن غفلت أجفان الليل المبهم عن الاستيقاظ الى فجر الحرية والسلام ..
وقد وصف أحد الشعراء حالة القبائل قبل ظهور الأدريسي فقال :
تهاوش هذا الناس في كل بلده *** ومن يتعد السور فالذئب آكله
فما بين مسلوبٍ ومابين سالب *** وآخر مقتول وهذاك قاتله
إذن فقد كانت الظروف والفرص مناسبةً لنجاح الدعوة الأدريسية , فـ " الأدريسي " رجلٌ أظهر الاسلام والسلام , وقد كان ذلك كافياً لتتساعى القبائل ملبيةً إليه بالمُلك والحكم , حتى أن دولة الأدارسة سرعان ما اتسعت حتى ضمت بلاد زهران وغامد والقنفذه شمالاً , وبلاد الزرانيق جنوب مدينة الحديدة , الى جبل صعفان وبرع وماجاورها , وغرباً الى البحر الأحمر .
لقد كان الأدريسي يصف بلاد زهران وغامد بـ " بيضة الاسلام " وهذه كلمة حقٍ أراد بها الأدريسي باطلاً, فالادريسي يعلم حق العلم بوفرة المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية في تلك البلاد , أضف الى ذلك أن الثروه الحقيقة هي رجال تلك المنطقة الأشاوس الذين أدبوا جيوش الدولة العثمانية حق التأديب , فهو طامعٌ في الثروات , وطامعٌ في تكوين جبهة حدودية قويه ضد الشريف وأعوانه في الحجاز.
هنا وبعد وضوح الهدف والمقصد للأدريسي بدأ ذلك الرجل في حبك الدسائس والمؤامرات التي يستطيع من خلالها الوصول الى بلاد زهران وغامد , فاتبع في ذلك أمـرين :
1) إظهار الحركة الإدريسية بمظهر الحركة الإسلامية التي تقوم على قواعد الدين الحنيف .
2) إشعال فتنة التنافس بين شيوخ القبيلة الواحدة , وإتباع المذهب القائل " فرقّ تسُد " .
===
في الأول من شهر صفر عام 1328هـ بعث الأدريسي برسالةٍ الى الشيخ راشد بن الرقوش يخبره فيها عن وصول قبائل غامد الى صبيا ومبايعتهم له بالحكم والولاية ..
انظـروا أيها القراء الى بعض المقتطفات من تلك الرسالة وهي بالنص :
*) "" من محمد بن علي بن إدريس الى الشيخ المكرم حمِيد الشيم راشد بن جمعان شيخ مشايخ زهران عافاه الله ""
هنا الأدريسي يصف راشد بالرقوش بأنه الشيخ المعترف به على فخوذ زهران جميعاً , بل وصفه بأنه شيخٌ على شيوخ أولئك القبائل.
أيضاً من نص الرساله السابقه ( آخر الرسالة )
*) "" فإن كنت أردت صلاح دنياك وأخراك أقبلت إلينا من غير تربص وانتظار , وإخبار من هنا أو من هنا , لتجديد العهد وموالاة من والانا , ومعاداة من عادانا , وبعد ذلك نؤيدك بالمشيخة على عموم زهران جميعاً , وترى قبايل زهران على المحبة التامه فيما بيننا وبينهم والمكاتبة جارية من شيوخهم , وعن قريب يحضرون إلينا , فإن سبقوك فحجتك على نفسك ""
هنـا ينفث الأدريس بعضاً من سموم التهديد المبطن قائلاً :
ياراشد بن الرقوش أُحضر إلينا بالبيعة , ونوليك أميراً على زهران , وإن تربصت عنا وتأخرت فغيرك سيقوم مقامك وسأوليه المشيخة عليك وعلى زهران .
أمـا الرسالة الثانية .. فهي في يوم 2 شهر صفر عام 1328هـ وقد وجهها الأدريسي الى الشيخ عصيدان بن محمد شيخ قبائل بني حسن , والذي يعتبر الخصم اللدود لراشد بن الرقوش حول أمور المشيخة على زهـران ..
أنظــروا معي الى نص الرسالة الثانية " بالنص "
"" من محمد بن علي بن ادريس , الى الشيخ الماجد قدوة الأماجد الشيخ عصيدان بن محمد سلمه الله ""
هنا الأدريسي يكتب الى الشيخ عصيدان بن محمد فـ " يُظهر " في كلماته المتصنعه شيئاً من الأحترام والحماس لمكانة هذا الشيخ , وإن أطلنا النظر الى المقدمتين الإستهلاليتين في رسالة راشد بن الرقوش ورسالة عصيدان بن محمد , لوجدنا الأدريسي يعترف بقدر راشد بن الرقوش فيخاطبه بما يستحق لأنه يعلم تمام الثقه بأنه هو المتصرف الأقوى في بلاد زهران , أما عصيدان بن محمد فرغم العدد غير البسيط الذي يدين بالولاء له من قبائل بني حسن عموماً الى بعض الأفراد والجماعات في الشعراء وماجاورها والبعض منهم في قرى بلخزمر الا أن المتعارف عليه أن مكانة راشد بن الرقوش أعلى مرتبة منه بشهادة رسائل الباب العالي " العثمانيون " التي كان يعنونها الى راشد بن الرقوش , ولسبب آخروهو أن راشد بن الرقوش يجيد الدعاية الى مايريد .
===
وماحدث بعد تلك الرسالة التي تلقاها الشيخ راشد بالرقوش الا أن أعد العُدة وجهز الراحلة للوصول الى الأدريسي .. واستغرقت تلك الرحله التي قام بها الشيخ راشد بن الرقوش وصحبه الكرام من جميع فخوذ زهران مايقارب الشهرين للوصول الى صبيا ..
وفي تلك الرحله التاريخية كتب الشريف البركاتي نصاً توثيقياً يخبر عن تلك الرحلة الطويلة فقال في كتابه ( الرحلة اليمانية ) :
"" في أواخر عام 1327هـ توجهت طلائع قبائل غامد تحت إمرة الشيخ محمد بن عبدالعزيز الغامدي الى مقر محمد الأدريسي بصبيا .... وفي أوائل العام 1328هـ توجهت طلائع قبائل زهران تحت إمرة الشيخ راشد بن الرقوش الى مقر محمد الأدريسي بصبيا ""
وقد أطال الشريف البركاتي الحديث عن تلك الرحلتين , وأتى على ذكر بعض الحيّل الرخيصة التي عمد إليها الأدريسي في استقبال قبائل غامد وزهران .
((( إذن أيها القراء الكرام نتفق بالاجماع التاريخي بأن رحلة زهران الى الأدريسي كانت في عام 1328هـ .. )))
===
ماذا حدث بعد ذلك ؟
بعد وصول قبائل زهران الى صبيا وفي حضرة محمد بن علي الأدريسي تقدم شاعر القوم ( كما هي عادة الوفود على مر التاريخ ) لينطلق لسانه ببعض المحسنات البديعية فـ " يمتدح " من هم في ضيافته , ومن ثمّ ليفخر بقومه , وليضع بعد ذلك كله عدداً من الشروط السياسية على شكل رسالةٍ شعـرية ..
فماهي الرسالة السياسية الشعرية التي أوصلها " شاعر بن الرقوش " محمد بن ثامره الى مسامع الأدريسي " نظره تاريخية سياسية "
""
والخامس من كثرة الشيخان والحُكام تعمى الْهالي
والنحل لكثر يعاسيبه تقاصع وانقلع ومات
""
هنا يخاطب الشاعر محمد بن ثامره الأدريسي قائلاً :
إن تنافس شيوخ القبيلة الواحدة حول رئاسة القوم سببٌ الى إختلال الأمن والأمان وإنعدام الرأي الواحد " رأي الجماعة " , وضرب مثلاً لذلك بالنحل الذي كثُرت عليه اليعاسيب , ففرقت ذلك النحل الى أقسامٍ عدة , ثم أخبر عن نهاية تلك الأقسام بقوله
" تقاصع " بمعنى تقاتل , " وانقلع ومات " بمعنى تفرقوا وذهب ريحهم
{ أيضاً ماذا لديك أيها الثوابي .. }
""
واعرف إنا ياحبيبي لو غدينا كلنا بناية
من يجينا بالحصى والصلب ياسيدي ودمك من ؟
""
أيضاً أيها الأدريسي : لو أن رجال القبيلة الواحدة أصبحوا كلهم أصحاب شأنٍ وعباة , فمن بقي منهم ليكون محكوماً .. لا أحد .. , ومثّل الثوابي لذلك بالقوم الذين ارتقوا على جدار المبنى ليقوموا بمهمة البناء , ولكن لا أحد تبقى منهم بالأسفل ليناولهم الحجارة .
{ أكمل أكمل أيها الثوابي .. الى أين تريد أن تصل ؟ }
""
والسادس في من معه سيفين ماتدخل معه في قُله
""
لله العجب أيها الثوابي ... من أولئك السيفين ؟
إنهما الشيخ راشد بن الرقوش , والشيخ عصيدان بن محمد , أما القُلة وهي بيت السيف فالمقصود به هنا هو حُكم الأدريسي .
{ أيها الثوابي على من سيقع الأختيار بين السيفين }
أكمل الثوابي الجواب فقال :
""
والسابع فإن كان ياسيد الجميع , الشيخ مرتضى
فانحن يازهران ما نرضى بغير ابن الرقوش مير
""
===
ولكـن ماذا حدث بعد عودة الشيخ راشد بن الرقوش والشاعر بن ثامره وأعضاء الوفد الكرام من المخلاف السليماني ؟
لقد تمكن الشيخ راشد بن الرقوش من الحصول على موافقة الأدريسي لأن يحكم الكثير من بلاد زهران .
أما الشيخ عصيدان بن محمد فلم يغفل الأدريسي عن أهميته فأولاه الحُكم على قبائل بني حسن وقبائل بني كنانه ( وعلى ذلك دليلٌ لايقبل المراء ) .
===
بعد هذا كله أيها القراء الفاضل ..
فلقد قرأتم بأن رحلة قبائل زهران الى الأدريسي كانت في أعوام 1328هـ , بينما كانت وفاة الشاعر الكبير عيفان الجعيرة رحمه الله في عام 1322هـ ..
بمعنى أن بين وفاة عيفان الجعيرة ورحلة زهران الى صبيا خمس سنــوات ..
فكيف لرجلٍ فارق الحياة أن ينطق بمثل هذا ..
هــل وضحت الصوره ؟
أنتظر قولكم فيما قرأتم ؟
البــــدع ..
أول الأقوال يالله طالبينك يا إلهنـا
السلام عليك يا ابن ادريس وعلى القريه اللي فيها
والمعونه ياصبيح الوجه وجهٍ بالمزا ( وري )
والذي يعصاك فتحنا لحوده والصلي مقريه
وهدمنا فوقه الغيران وأوثقنا البناء ميثاق
يامحمد ياشراز الدين والاسلام ياراعي الحق
بالله ياسيدي وقرة عيني إنك رد لي لبيك
واستمع فالهاجس اللي كنه المنهال حن ينهالي
إن الله يسقيك ياذا العام ياعام أنْق الأعوامات
نكتب اسم احبيبنا في الموز والليزان والبن آيه
والجواب اللي مضا باح انقضى واللي قُدم كمن
يالذي حتى نجوم العرش في جو السماء فيقٌ له
اقبل الخيال والفرسان في ركبٍ ومرتضى
والذي مايقدرون على وصولك عرقوا شميـر
الــــرد
والله إنّا مالفينا من بلد زهران لاهنـا
الا سبع أنظار ياسيدي فلا نقدر نعذر فيها
أولتها بالصلاة على النبي جاك المزاوري
والثاني نبغي الدعاء ياسيدي والفاتحه المقريه
والثالث نلزم بحبل الله ونعطي الحق والميثاق
والرابع فإن كان شيء حربٌ فـ" جاء " أولنا والآخر يلحق
عانتك زهران خمسين ألف ياسعدك ويالبيك
والخامس من كثرة الشيخان والحُكام تعمى الْهالي
والنحل لكثر يعاسيبه تقاصع وانقلع ومات
واعرف إنا ياحبيبي لو غدينا كلنا بناية
من يجينا بالحصى والصلب ياسيدي ودمك من ؟
والسادس في من معه سيفين ماتدخل معه في قُله
والسابع فإن كان ياسيد الجميع , الشيخ مرتضى
فانحن يازهران ما نرضى بغير ابن الرقوش مير
وفي رواية أخرى ( نادرة )
بدع :
اقبل الخيال والفرسان في ركبٍ ومرتضى
شيخنا ثم الجُبر والغمر واللي فالمهد صبياني
والذي مايقدرون على وصولك عرقوا شميـر
رد :
والسابع ياسيدي حنا نقول الشيخ مرتضى
هذي اعلامٍ على راس الشرف والقاله للصبياني
وانحن يازهران ما نرضى بغير ابن الرقوش مير
أولاً .. القصيدة بكل كلماتها , وأفكارها السياسية , بل بكل أنملةٍ منها وبكل شعرة تُنسب بالدليل القاطع الى قائلها الحقيقي الشاعر محمد بن ثامره رحمه الله , وليس للشاعر الكبير عيفان الجعيره رحمه الله حقٌ فيها أو موضع قدم .
أما الدليل الثابت تاريخياً , والرؤية السياسية التي سأستدل بها تباعاً فهما يحتاجان منكم أيها القراء الأفاضل الى مزيدٍ من التمعن والربط العقلي و التاريخي بين الأحداث .
===
في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الهجري قام محمد بن علي الأدريسي بحركةٍ سياسية خطيرة , حيث كانت تلك الدعوة تُظهر الاسلام وتبطن خدمة الأستعمار الأيطالي , بل أن الأدهى من ذلك هو صاحب هذه الحركة " محمد بن علي الأدريسي " حيث كان شديد الذكاء , عالماً ببواطن الأمور , وعارفاً الى أين تورد الأبل .
بدأ هذا الأدريسي دعوته الوهميـة بعقد الصلح بين قبائل المخلاف السليماني التي تناثرة دماء أبنائها هنا وهناك , بعد أن غفلت أجفان الليل المبهم عن الاستيقاظ الى فجر الحرية والسلام ..
وقد وصف أحد الشعراء حالة القبائل قبل ظهور الأدريسي فقال :
تهاوش هذا الناس في كل بلده *** ومن يتعد السور فالذئب آكله
فما بين مسلوبٍ ومابين سالب *** وآخر مقتول وهذاك قاتله
إذن فقد كانت الظروف والفرص مناسبةً لنجاح الدعوة الأدريسية , فـ " الأدريسي " رجلٌ أظهر الاسلام والسلام , وقد كان ذلك كافياً لتتساعى القبائل ملبيةً إليه بالمُلك والحكم , حتى أن دولة الأدارسة سرعان ما اتسعت حتى ضمت بلاد زهران وغامد والقنفذه شمالاً , وبلاد الزرانيق جنوب مدينة الحديدة , الى جبل صعفان وبرع وماجاورها , وغرباً الى البحر الأحمر .
لقد كان الأدريسي يصف بلاد زهران وغامد بـ " بيضة الاسلام " وهذه كلمة حقٍ أراد بها الأدريسي باطلاً, فالادريسي يعلم حق العلم بوفرة المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية في تلك البلاد , أضف الى ذلك أن الثروه الحقيقة هي رجال تلك المنطقة الأشاوس الذين أدبوا جيوش الدولة العثمانية حق التأديب , فهو طامعٌ في الثروات , وطامعٌ في تكوين جبهة حدودية قويه ضد الشريف وأعوانه في الحجاز.
هنا وبعد وضوح الهدف والمقصد للأدريسي بدأ ذلك الرجل في حبك الدسائس والمؤامرات التي يستطيع من خلالها الوصول الى بلاد زهران وغامد , فاتبع في ذلك أمـرين :
1) إظهار الحركة الإدريسية بمظهر الحركة الإسلامية التي تقوم على قواعد الدين الحنيف .
2) إشعال فتنة التنافس بين شيوخ القبيلة الواحدة , وإتباع المذهب القائل " فرقّ تسُد " .
===
في الأول من شهر صفر عام 1328هـ بعث الأدريسي برسالةٍ الى الشيخ راشد بن الرقوش يخبره فيها عن وصول قبائل غامد الى صبيا ومبايعتهم له بالحكم والولاية ..
انظـروا أيها القراء الى بعض المقتطفات من تلك الرسالة وهي بالنص :
*) "" من محمد بن علي بن إدريس الى الشيخ المكرم حمِيد الشيم راشد بن جمعان شيخ مشايخ زهران عافاه الله ""
هنا الأدريسي يصف راشد بالرقوش بأنه الشيخ المعترف به على فخوذ زهران جميعاً , بل وصفه بأنه شيخٌ على شيوخ أولئك القبائل.
أيضاً من نص الرساله السابقه ( آخر الرسالة )
*) "" فإن كنت أردت صلاح دنياك وأخراك أقبلت إلينا من غير تربص وانتظار , وإخبار من هنا أو من هنا , لتجديد العهد وموالاة من والانا , ومعاداة من عادانا , وبعد ذلك نؤيدك بالمشيخة على عموم زهران جميعاً , وترى قبايل زهران على المحبة التامه فيما بيننا وبينهم والمكاتبة جارية من شيوخهم , وعن قريب يحضرون إلينا , فإن سبقوك فحجتك على نفسك ""
هنـا ينفث الأدريس بعضاً من سموم التهديد المبطن قائلاً :
ياراشد بن الرقوش أُحضر إلينا بالبيعة , ونوليك أميراً على زهران , وإن تربصت عنا وتأخرت فغيرك سيقوم مقامك وسأوليه المشيخة عليك وعلى زهران .
أمـا الرسالة الثانية .. فهي في يوم 2 شهر صفر عام 1328هـ وقد وجهها الأدريسي الى الشيخ عصيدان بن محمد شيخ قبائل بني حسن , والذي يعتبر الخصم اللدود لراشد بن الرقوش حول أمور المشيخة على زهـران ..
أنظــروا معي الى نص الرسالة الثانية " بالنص "
"" من محمد بن علي بن ادريس , الى الشيخ الماجد قدوة الأماجد الشيخ عصيدان بن محمد سلمه الله ""
هنا الأدريسي يكتب الى الشيخ عصيدان بن محمد فـ " يُظهر " في كلماته المتصنعه شيئاً من الأحترام والحماس لمكانة هذا الشيخ , وإن أطلنا النظر الى المقدمتين الإستهلاليتين في رسالة راشد بن الرقوش ورسالة عصيدان بن محمد , لوجدنا الأدريسي يعترف بقدر راشد بن الرقوش فيخاطبه بما يستحق لأنه يعلم تمام الثقه بأنه هو المتصرف الأقوى في بلاد زهران , أما عصيدان بن محمد فرغم العدد غير البسيط الذي يدين بالولاء له من قبائل بني حسن عموماً الى بعض الأفراد والجماعات في الشعراء وماجاورها والبعض منهم في قرى بلخزمر الا أن المتعارف عليه أن مكانة راشد بن الرقوش أعلى مرتبة منه بشهادة رسائل الباب العالي " العثمانيون " التي كان يعنونها الى راشد بن الرقوش , ولسبب آخروهو أن راشد بن الرقوش يجيد الدعاية الى مايريد .
===
وماحدث بعد تلك الرسالة التي تلقاها الشيخ راشد بالرقوش الا أن أعد العُدة وجهز الراحلة للوصول الى الأدريسي .. واستغرقت تلك الرحله التي قام بها الشيخ راشد بن الرقوش وصحبه الكرام من جميع فخوذ زهران مايقارب الشهرين للوصول الى صبيا ..
وفي تلك الرحله التاريخية كتب الشريف البركاتي نصاً توثيقياً يخبر عن تلك الرحلة الطويلة فقال في كتابه ( الرحلة اليمانية ) :
"" في أواخر عام 1327هـ توجهت طلائع قبائل غامد تحت إمرة الشيخ محمد بن عبدالعزيز الغامدي الى مقر محمد الأدريسي بصبيا .... وفي أوائل العام 1328هـ توجهت طلائع قبائل زهران تحت إمرة الشيخ راشد بن الرقوش الى مقر محمد الأدريسي بصبيا ""
وقد أطال الشريف البركاتي الحديث عن تلك الرحلتين , وأتى على ذكر بعض الحيّل الرخيصة التي عمد إليها الأدريسي في استقبال قبائل غامد وزهران .
((( إذن أيها القراء الكرام نتفق بالاجماع التاريخي بأن رحلة زهران الى الأدريسي كانت في عام 1328هـ .. )))
===
ماذا حدث بعد ذلك ؟
بعد وصول قبائل زهران الى صبيا وفي حضرة محمد بن علي الأدريسي تقدم شاعر القوم ( كما هي عادة الوفود على مر التاريخ ) لينطلق لسانه ببعض المحسنات البديعية فـ " يمتدح " من هم في ضيافته , ومن ثمّ ليفخر بقومه , وليضع بعد ذلك كله عدداً من الشروط السياسية على شكل رسالةٍ شعـرية ..
فماهي الرسالة السياسية الشعرية التي أوصلها " شاعر بن الرقوش " محمد بن ثامره الى مسامع الأدريسي " نظره تاريخية سياسية "
""
والخامس من كثرة الشيخان والحُكام تعمى الْهالي
والنحل لكثر يعاسيبه تقاصع وانقلع ومات
""
هنا يخاطب الشاعر محمد بن ثامره الأدريسي قائلاً :
إن تنافس شيوخ القبيلة الواحدة حول رئاسة القوم سببٌ الى إختلال الأمن والأمان وإنعدام الرأي الواحد " رأي الجماعة " , وضرب مثلاً لذلك بالنحل الذي كثُرت عليه اليعاسيب , ففرقت ذلك النحل الى أقسامٍ عدة , ثم أخبر عن نهاية تلك الأقسام بقوله
" تقاصع " بمعنى تقاتل , " وانقلع ومات " بمعنى تفرقوا وذهب ريحهم
{ أيضاً ماذا لديك أيها الثوابي .. }
""
واعرف إنا ياحبيبي لو غدينا كلنا بناية
من يجينا بالحصى والصلب ياسيدي ودمك من ؟
""
أيضاً أيها الأدريسي : لو أن رجال القبيلة الواحدة أصبحوا كلهم أصحاب شأنٍ وعباة , فمن بقي منهم ليكون محكوماً .. لا أحد .. , ومثّل الثوابي لذلك بالقوم الذين ارتقوا على جدار المبنى ليقوموا بمهمة البناء , ولكن لا أحد تبقى منهم بالأسفل ليناولهم الحجارة .
{ أكمل أكمل أيها الثوابي .. الى أين تريد أن تصل ؟ }
""
والسادس في من معه سيفين ماتدخل معه في قُله
""
لله العجب أيها الثوابي ... من أولئك السيفين ؟
إنهما الشيخ راشد بن الرقوش , والشيخ عصيدان بن محمد , أما القُلة وهي بيت السيف فالمقصود به هنا هو حُكم الأدريسي .
{ أيها الثوابي على من سيقع الأختيار بين السيفين }
أكمل الثوابي الجواب فقال :
""
والسابع فإن كان ياسيد الجميع , الشيخ مرتضى
فانحن يازهران ما نرضى بغير ابن الرقوش مير
""
===
ولكـن ماذا حدث بعد عودة الشيخ راشد بن الرقوش والشاعر بن ثامره وأعضاء الوفد الكرام من المخلاف السليماني ؟
لقد تمكن الشيخ راشد بن الرقوش من الحصول على موافقة الأدريسي لأن يحكم الكثير من بلاد زهران .
أما الشيخ عصيدان بن محمد فلم يغفل الأدريسي عن أهميته فأولاه الحُكم على قبائل بني حسن وقبائل بني كنانه ( وعلى ذلك دليلٌ لايقبل المراء ) .
===
بعد هذا كله أيها القراء الفاضل ..
فلقد قرأتم بأن رحلة قبائل زهران الى الأدريسي كانت في أعوام 1328هـ , بينما كانت وفاة الشاعر الكبير عيفان الجعيرة رحمه الله في عام 1322هـ ..
بمعنى أن بين وفاة عيفان الجعيرة ورحلة زهران الى صبيا خمس سنــوات ..
فكيف لرجلٍ فارق الحياة أن ينطق بمثل هذا ..
هــل وضحت الصوره ؟
أنتظر قولكم فيما قرأتم ؟
تعليق