Unconfigured Ad Widget

تقليص

عسكرة الغزل !

تقليص
X
  •  
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6170

    عسكرة الغزل !

    لم يخطر على بالي يوما من الأيام أن هناك فرق بين العسكري والمدني من ناحية المشاعر ! فكلاهما في نظري مواطن لكل منهما مهمته الخاصة ، لذلك فقد فاجأني هذا الطرح هنا ، فرأيت أن انقله إليكم وأترك الباقي عليكم .
    +++++++++++++++


    من جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 27/ 12/ 1424هــ للدكتور / جلال الخياط



    هل الغزل العسكري من أهم أنواع الغزل في الشعر العربي؟
    لا يجد المعري وهو أبعد الناس عن العسكرية وسيلة لوصف درع سوى شعر البحتري وأبي تمام

    د. جلال الخياط


    لا أظن أن وشيجة كبيرة تجمع بين الفن والعسكرية، إلا في حالات معينة: بوق منقرض كان يصدح في الثكنات يجعل الخائبين ينسون في نومهم واقعهم اليومي أو أهازيج وإيقاعات تدعو إلى الاغتيال، إلا إذا كانت صداً لعدوان أو إزالة لظلم.
    إصدار الأمر وتلقيه وتنفيذه بإلغاء الإحساس والموقف الشخصي ليس من طبيعة الفن ولا من صلب تكوين صانعيه أو أتباعه. تحويل الإنسان إلى آلة متحركة منفذة إنجاز يجب أن يسجل للعسكرية التي برعت فيه وأبدعت ومحقت، فالحروب، في أكثر حالاتها، جرائم قتل جماعية، إلا إذا كانت ذوداً عن حياض الوطن.
    لو وفرنا الطعام للحيوانات المفترسة لأصبحت أليفة، لكن الحروب تجعل الافتراس شعاراً، فهل شريعة الغاب خير من شريعة الإنسان؟.
    المفروض في العسكري أن يتجرد من عواطفه حين يمارس واجبات عسكريته اليومية، ويبتعد عنها حين ينهي عناءها فيعود إلى قواعده إنساناً عادياً، لكنه يعتاد وطأتها مع الزمن فتتحول حياته إلى فعل ورد فعل بعيدا عما عهده الناس من علاقات عامة، فهل ينفع معه شعر؟.
    العسكرية مهنة وطريق حياة، لكن آلافا من غير أصحابها تتسرب سطوتها إلى أرواحهم وعقولهم وتحكم بعض تصرفاتهم وأعمالهم، ربما تعويضاً عن نقص أو تأكيداً لذات أو مدعاة لهيمنة، ونعجب أن كثيراً من الشعراء ينهجون هذا النهج قديما وحديثا، ولعل عنترة أول شاعر عسكري:

    إذا رشقت قلبي سهام من الصد
    وبدل قربي حادث الدهر بالبعد
    لبست لها درعاً من الصبر مانعا
    ولاقيت جيش الشوق منفرداً وحدي

    فلديه سهام من الصد والسلاح المضاد درع من الصبر، وللشوق جيش ينبري له وحده.
    ولو اجتمع مدّعو العسكرية أو محبوها من الشعراء وغيرهم، لأمّروا عليهم المتنبي، جنرال الشعر العربي، فهو في كثير من شعره عسكري ناظم متهيئ لمعاركه ونزعته الحربية وأحلامه القتالية وتطلعه إلى المجد الذي لا يراه إلا في الحكم والرتب والنياشين، فأوغل وابتعد في ذكر السيف وصفاته ومقامه وسطوته، ولم يتورع أن يلغي الشعر، وهو سيده الأول، والإبداع، وهو في مقدمة أصحابه، ويدين الثقافة والعلم جميعا:

    حتى رجعت وأقلامي قوائل لي
    المجد للسيف ليس المجد للقلم

    فلماذا لم يهادن الشعر عنده، والدهر من رواته، عقدة التفوق والسيطرة؟. وتتحول عطايا الممدوح إلى عملية عسكرية لديه، ويصير البيت من الشعر فيلقاً:
    في كل يوم للقوافي جولة
    في قلبه ولأذنه إصغاء
    وإغارة في ما احتواه كأنما
    في كل بيت فيلق شهباء
    وتنقلب الطعنة التي تتدفق دماً وتنهي حياة إلى قبلة عند الشاعر ولا ندري ماذا يقول علم النفس عن ذلك:
    أعلى الممالك ما يبنى على الأسل
    والطعن عند محبيهن كالقبل
    وكثيرون سألوا عن أهل المتنبي وأصله وفصله، واختلف الباحثون في رفعة أو ضعة نسبه، وتخاصموا في حين أنه عيّن محدداً من أبوه وأمه وأخوه، فيا لها من عائلة:
    وإن عَمَرْتُ جعلت الحرب والدة
    والسمهري أخاً والمشرفي أبا
    فأي تأكيد للذات هذا؟ وأي مجد يجلبه قتل الإنسان للإنسان؟ وأي علاقة بين الطير والحرب؟ وأي شخص يمكن أن يفكر في تشبيه سرب طيور يحط على بحيرة وآخر يرتفع عنها، بجيشين متحاربين: منتصر ومندحر؟:
    والطير فوق الحباب تحسبها
    فرسان بلق تخونها اللجم
    كأنها والرياح تضربها
    جيشا وغىً هازم ومنهزم
    وبأي طريقة يفلسف أبو البقاء الرُّندي الأندلسي الحياة والموت والبقاء والفناء؟ لا سبيل سوى العسكرية:
    وهذه الدار لا تبقي على أحد
    ولا يدوم على حال لها شان
    يمزق الدهر حتماً كل سابغة
    إذا نبت مشرفيات وخرصان
    وينتضي كل سيف للفناء ولو
    كان ابن ذي يَزَنٍ والغمد غمدان
    ولا غرو فهو يشبّه نهراً رائعاً يجري في غرناطة، بسيوف الهند:
    ونهرها العذب يحكي في تسلسله
    سيوف هند لها في الجو لمعان
    ولا يجد المعري، المفكر الكبير، أبعد الناس عن العسكرية، وسيلة لوصف درع سوى شعر البحتري وأبي تمام:
    مثل وشي الوليد لانت وإن
    كانت من الصنع مثل وشي حبيب
    واقتران الشعر بالعسكرية وأوصاف الشعراء القتالية، في غير موضع الحروب والقتال، تملأ الشعر العربي، وهذا جعفر الحلي ينظم قصيدة مغناة عدّها كثيرون غزلاً رائعاً نراها مفعمة بالقتل وسفك الدماء:
    يا قاتلي باللحظ أول مرة
    أجهز بثانية على المقتول
    مثل فديتك بي ولو بك مثلوا
    شمس الضحى لم أرض بالتمثيل
    رشأ أطل دمي وفي وجناته
    وبنانه شيء من الدم المطلول
    وليس هذا بغريب، فالشعر العربي نشأ عسكرياً، في كثير من أمثلته، وما زال قسم من الشعراء يهوون عسكرة الشعر وتشعير العسكرية أو شعرنتها. فالشعر الخطابي شعر عسكري صارم، حتى إذا اجتزنا الأزمنة وجئنا إلى أمير الشعراء، نراه رئيس عرفاء عسكر الشعر العربي، وإلا فما معنى ثلاثة أوامر في أقل من شطر واحد: (قم ناج جلق وانشد...)، وسبقه اليازجي في قوله: (تقدموا واستفيقوا أيها العرب)، ومَن منا لم يحفظ ذلك في طفولته البائسة، ولم يبين الشاعر كيف يمكن أن نتقدم؟ وماذا نعمل إذا استفقنا؟، لذا ظللنا سادرين في نومنا لا نروم لا الاستفاقة ولا التقدم، ويكاد عمر هذا البيت يصل إلى قرن مضى، وقبل ما يقارب ثلاثة أرباع قرن قال الرصافي:
    تقدم أيها العربي شوطاً
    فإن أمامك العيش الرغيدا
    وأسس في بنائك كل مجد
    طريف واترك المجد التليدا
    فشر العالمين ذوو خمول
    إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
    وخير الناس ذو حسب قديم
    أقام لنفسه حسباً جديداً
    ولم يتقدم العربي بعد، ولم يلق العيش الرغيد، ولم يؤسس مجداً طريفاً ولا استوعب مجداً تالداً، ولا استفاد من جيد ما فيه، وألغى الحاضر والمستقبل في أمجاده القديمة.
    حتى الانسحاب من التخلف أو من المعارك، وهو منحى في العسكرية له قواعده، قد يقود إلى نصر في ما بعد، وليس الجبن ركناً وحيداً فيه، حرم منه الشعراء، والبياتي خاصة: مولاي قال النجم لي، وقال لي الرمادْ/ إياك والفرارْ/ أمامك البحر ومن ورائك العدو بالمرصادْ/ والموت في كل مكان ضرب الحصارْ.
    لكن المتنبي سوغ انسحاباً لممدوحه سيف الدولة بقوله: (الرأي قبل شجاعة الشجعان).
    والطبيب العسكري الشاعر ريكان إبراهيم أنسن العسكر شعراً: ... لماذا كذبت عليَّ وقلت/ لديَّ حلول لآلامك المزمنة/ فلما دنوتُ وفيك التحمتُ/ وجدتك مثليَ في القافلة/ فأين القصيدةُ؟/ أين الجيوش من الشعر في الزحمة الهائلة؟/ كلانا، إذن، يا صديق، سؤالٌ/ يمزق من قسوة سائله.
    وهذا غزل عسكري محض للشاعر نفسه: بين عينيَّ وعينيك مسافة/ ذرعها سبع بمقياس التبخترْ/ والتشهي والتحسرْ/ نصفها الأقرب ميدان حشودي للهجومْ/ بجيوش النظراتْ/ وجنود الصولة الأولى من الشوق القديمْ.
    ولخص أحمد مطر العلاقة بين الشعر والعسكرية ووضع لها إطاراً محكماً:

    طول أعوام الخصامْ
    لم نكن نشكو الخصامْ
    لم نكن نعرف طعم الفقدِ
    أو فقد الطعامْ
    لم يكن يضطرب الأمن من الخوف
    ولا يمشي إلى الخلف الأمامْ
    كل شيء كان كالساعة يجري
    بانتظامْ
    ها هنا جيش عدو جاهز للاقتحامْ
    وهنا جيش نظام جاهز للانتقامْ
    من هنا نسمع إطلاق رصاصٍ
    من هنا نسمع إطلاق كلامْ
    وعلى اللحنين كنا كل عامْ
    نولم الزاد على روح شهيدٍ
    وننامْ
    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل
  • عبدالله الزهراني
    إداري ومؤسس
    • Dec 2000
    • 1542

    #2
    استاذي الفاضل :- ابن مرضي .... حفظك الله .... وسدد خطاك .
    ==
    أي باب طرقت ...
    وجدتَ لك مدخلا.... اطلعت على ما كتبت .. وليت لي نفسك الطويل ...
    ==في التعليق والقراءة والكتابة ...
    ولكن
    أقول :-
    رأيتُ الذي لا كله أنا قادر عليه .... ولا عن بعضه أنا صابر .
    =====
    لك حبي و تقديري .
    محبك ( أبو علي) ودمت .

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
    أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif, webp

    ماهو اسم المنتدى؟ (الجواب هو الديرة)

    يعمل...