أخي الأستاذ الفاضل / حمد بن مسفر الشمراني

عندما قرأت موضوعك هذا وجدت نفسي مشدودا اليه مما جعلني اكرر القراءة لأكثر من مره ، ولذلك أردت من خلال هذه السطور المتواضعة أن اشارك بوجهة نظر خاصة لاترقى بأن تكون جواباً شافياً لتساؤلاتك ذات الطابع الأدبي ولكن يمكن اعتبارها مداخلة 0

وعندما أدلي بوجهة نظري هنا فليس بصفتي شاعراً ولا كاتباً فتلك الصفات شرف لا أدعية ولكن لنقل إنني عاشق للأدب في شتى صوره شعراً كان أم نثراً 0

الأدب ياسيدي في مجمله من وجهة نظري محيط مترامِ الأطراف طولاً وعرضاً ناهيك عن عمقه السحيق 0 و هذا المحيط يتغذى من بحور وأنهار وجداول وعيون وهي انواع الأدب المختلفة من شعر وقصص مختلفة وروايات وخواطر وحكم وأمثال 0

وعندي أن الشعر هو الملك المتوج على كافة فروع الأدب كما ان الأسد هو ملك السباع والصقر ملك الطيور 0 وذلك لقوة تأثيره على المتلقي وهو الذي يصل الى شغاف القلوب من اقصر الطرق ويسحر الألباب ، ثم تأتي بعده القصص الطويلة منها والقصيرة فالخواطر وهكذا 00 بإستثناء ( القرآن الكريم والحديث الشريف وكل مايتعلق بالدين ) ذات التأثير الرباني الذي لايقارن بكلام البشر 0

وللإجابة على التساؤلات التي تفضلت بطرحها وهي :

هل تختلف الحالة لدى كلٍ من الشاعر والكاتب ؟

من المؤكد انها تختلف فالشاعر مثل الرسام المبدع الذي يقوم برسم لوحه ويعتني بكل جوانبها ابتداءً من الفكرة ومرورا بالحجم ثم تنسيق الألوان الى الإخراج النهائي 0 لعلمه ان درجة قبول لوحته يتوقف على الابداع الذي سيبذله اثناء الرسم 0

والشاعر مثل المهندس الذي يعتمد على الدقة المتناهية في المقاسات فتجد الشاعر كأنه يستخدم الأدوات الهندسية عندما يقوم ببناء قصيدته ، وهو يدرك ان الخلل مهما كان يسيراً إلا انه من السهل اكتشافه وكلنا نعرف الغرض الذي من أجله ظهر علم العروض على يد عالمنا الجليل / الخليل بن احمد الفراهيدي 0 رحمه الله 0

وفيما ذُكر أعلاه إجابة على سؤالك : كيف تكون حالة الشاعر أثناء الكتابة ؟

وكاتب القصة او الخاطرة لابد ان يكون مؤهلاً لذلك ولديه ادواته التي يستخدمها في الصياغة ولكنها من وجهة نظري أدوات مرنه ولايخضع للضغوط التي تمر بالشاعر اثناء ولادة القصيدة وهذا لايعني إنني انتقص من ابداع الكاتب لكنني ارى أن الشاعر اكثر ابداعاً والشاهد ان بيت من الشعر بحروفه المحدودة يغني في التعبير عن قصة او خاطره تتكون من المئات او الالوف من الأحرف ، ناهيك عن شدة التأثير الإيجابي أو السلبي 0 سأتناول بعض الأمثلة من الشعر ولك ان تقارنها بالكتابات النثرية فهل ستكون بنفس التأثير والإختصار ؟؟

يقول النابغة في مدح الملك النعمان بن المنذر :

كأنك شمسٌ والملوك كواكبٌ 000 إذا ظهرت لم يبدو منهن كوكب 0

ويقول في وصف هيمنة الملك وهول بأسه 0

وإنك كالليل الذي هو مدركي 000 وان خلت ان المنتأى عنك واسع
****
ويقول حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح " اولاد جفنة "

بيض الوجوه كريمةٌ احسابهم 000 شم الأنوف من الطراز الأولِ
الى ان قال :
يُغشون حتى ماتهر كلابهم 000 لا يسألون عن السواد المقبلِ
****
ومن أروع ماقيل في المدح يقول جرير :

الستم خير من ركب المطايا 000 وأندى العالمين بطون راح

ومن أقذع ماقيل في الهجاء لجرير أيضاً 00 في هجاء الشاعر النميري

فغض الطرف انك من نمير 000 فلا كعب بلغت ولا كلاب 0
****
ويقول شاعر لايحضرني اسمه في وصف كرم " معن بن زائده "

ولو لم يكن في كفه غير نفسه 000 لجاد بها فاليتق الله سائله 0
======
والأمثلة على ذلك كثيرة وانما أتيت ببعض ما اسعفتني به ذاكرتي 00

وكذلك فإن الشعر يُخلّد ويتداول على مر العصور بينما تتعرض انواع الأدب الاخرى الى الاندثار او التحريف 0
يقول المتنبي في الإعتداد بشعره وتخليده :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي 000 اذا قلت شعرا اصبح الدهر منشدا

هل بإمكان كل شخص ان يكون شاعراً أو كاتباً متى شاء ؟؟

الأدب ياسيدي موهبة في المقام الأول ويصقل بالتعلم والتدريب 00 فإذا عدمت الموهبة التي هي هبة من المولى عز وجل فلن يصل الانسان الى الحد الذي يستحق معه ان يسمى شاعراً او كاتباً فالرغبه وحدها لاتكفي ودعمها بالتعلم قد يدفع الى الامام ولكن لايمكن ان يصل الى مرتبة الموهوب ابدا 0

وبيني وبينك ياحمد لو كانت تكفي لقطعنا ارزاق الشعراء وقمنا بإكتساحهم في المحافل لرغبتنا في الشعر ولكن هيهات 0

أخي ارجو قبول هذه المداخلة التي تفتقر الى الكثير من مقومات النجاح 0 ولكن حسبي انني كتبتها من بنات افكاري واجتهدت بحسب امكاناتي التي اعرف مداها المتواضع 0

تقبل تحياتي وتقديري 0 ودعواتي لك بالتوفيق والسداد 00