المسلمون في الهند مأساة أخرى من المآسي التي تحياها الأقليات المسلمة في العديد من دول العالم، فرغم أن نسبتهم 14% من عدد السكان، إلا أن تمثيلهم في مؤسسات الدولة لا يتعدى 3%، وهم يفتقدون القيادة الموحدة لمواجهة التطرف والتعصب الهندوسي الذي يتبنى أيدلوجية العداء للإسلام، ويسعى لمحو الوجود الإسلامي واستئصاله من الهند، حتى إن هدم المساجد والاعتداء عليها ومحاولة تدنيسها مسلسل مستمر في أنحاء الهند المختلفة، والمتطرفون الهندوس بعد أن هدموا المسجد البابري يخططون لهدم العديد من المساجد العتيقة، بزعم أنها بُنيت على أنقاض معابدهم. وقد استغلت الهند الحملة العالمية ضد الإرهاب، وأصدرت قانوناً جديداً يصادر حريات المسلمين وحقوقهم المشروعة.
والمسلمون الهنود يعتبرون أكبر أقلية إسلامية في العالم، وثاني أكبر تجمع إسلامي على وجه الأرض، وقد كانوا يمثلون ربع السكان في شبه القارة الهندية قبل الاستقلال وتقسيمها إلى دولتي الهند وباكستان، وقصة وصول الإسلام إلى الهند، ومعاناة المسلمين هناك قصة طويلة، وتاريخهم مع المعاناة ممتد في ظل حكام لا يعرفون إلا لغة التعصُّب، سواء كانوا من المحتلين البريطانيين أو من الهندوس.
دخول الإسلام الهند
وقد وصل الإسلام إلى الهند على يد (محمد بن القاسم) أثناء الفتوحات المعروفة في التاريخ الإسلامي بفتوحات السند أيام عهد الدولة الأموية، وعلى مدى قرون طويلة ظل المسلمون في شبه القارة الهندية أمة واحدة، ومع نهاية الاحتلال البريطاني -الذي استمر حوالي مائتي عام- انقسمت الهند عام 1947م إلى دولتين إحداهما هندوسية هي الهند، والثانية مسلمة هي باكستان -التي كانت تضم آنذاك بنغلاديش-، ونتيجة لذلك التقسيم ظهرت على مسرح الأحداث السياسية مشكلة إقليم (جامو وكشمير) المتنازع عليه بين الهند وباكستان.
والهند مجتمع متعدد الأعراق واللغات، وتبلغ مساحة أراضيها
(3,166,414) كم مربع، ويعيش فيها أكثر من مليار نسمة يمثلون سدس سكان العالم، وهي بذلك تعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين، وتبلغ نسبة المسلمين فيها 14% من مجموع السكان، أي حوالي 141,960,431 نسمة، وهناك تضارب حول تعداد مسلمي الهند، فطبقاً لإحصاء الحكومة الهندية عام 1991م، فإن عدد المسلمين يبلغ 96.65 مليون نسمة، غير أن تقديرات مسلمي الهند لأنفسهم تتراوح بين 150 و200 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصفهم في ثلاث ولايات شمالية هي (أوتربرادش) وولاية (بهار) وولاية (البنجال الغربية)، وطبقاً لذات الإحصاء فإنهم يمثلون الأغلبية في 15 مديرية، والغالبية في منطقتي (جامو)، و(كشمير) ، ويعمل في قطاع الزراعة منهم قرابة 70% والباقون موزعون على قطاعات الخدمات والتجارة والصناعة.
وينقسم مسلمو الهند إلى قسمين هما: مسلمو الشمال ، ويتبعون المذهب الحنفي، ويتكلمون اللغة الأردية والبنغالية، ومسلمو الجنوب، ويتبعون المذهب الشافعي ويتحدثون اللغة التامولية، إضافة إلى وجود مسلمين شيعة في بعض الولايات، وبالأخص في حيدر آباد.
ورغم كبر حجم الأقلية المسلمة في الهند (14%)، فإن نسبة تمثيلهم في مؤسسات الدولة لا تتعدى 3%، وحسب بعض التقارير الرسمية فإن الأرقام تشير إلى أن تمثيل المسلمين في الوظائف الرسمية يتضاءل باستمرار، على سبيل المثال: فإن نسبة المسلمين السكانية الرسمية حوالي 15%، في حين أن نسبتهم في وظائف الخدمة الإدارية -حسب إحصاء عام 1981م - كان 3% وفي الشرطة 2.9%، وأن نسبتهم في وظائف حكومات الولايات والحكومة المركزية يتراوح 4.4% و6%، أما ولاية (أوتربرادش) فإن نسبتهم في شرطة الولاية كان 40% عام 1947م أي قبيل الاستقلال. أما الآن -وحسب إحصاء 1996م- فإنها 2% فقط.
مجتمع مغلق
وكأي أقلية في العالم بدأ مسلمو الهند في تنظيم شئون مجتمعهم الخاص -الذي حرصوا أن يكون مغلقا قدر استطاعتهم - وأنشأوا لهذا الغرض عدة جمعيات تهتم بشؤون هذه الأقلية، أهمها هو مجلس المشاورة الذي يتولى بحث القضايا التي تتعلق بهم وعلاقتهم بالمجتمع الهندي، وحل المشاكل الداخلية بينهم، ثم هناك الجماعة الإسلامية الهندية، وهي جماعة تقوم بدور دعوي وتثقيفي ونضالي لتثبيت أقدام الوجود الإسلامي في الهند، ثم جمعية علماء الهند التي ترعى شئون العلماء، وهناك أيضاً الجمعية التعليمية الإسلامية لعموم الهند، وهي ترعى شئون المدارس الإسلامية.
كما يوجد لدى الأقلية المسلمة في الهند جامعات لتدريس العلوم الإسلامية وأخرى للعلوم المدنية، ومن أهمها: جامعة (ديوبند)، وندوة العلماء في (لكنهو) التي خرجت عدداً كبيراً من كبار العلماء أمثال الشيخ أبي الحسن الندوي، وجامعة مظاهر العلوم، ومدرسة الإصلاح، والكلية الإسلامية في فانيا آبادي، والجامعة العثمانية في حيدر آباد، والجامعة الملية في دلهي. أما التعليم الأولي فيهتم بشؤونه مدارس ومكاتب منتشرة في أماكن وجود تلك الأقلية، وتعاني أغلبها من كثافة الفصول وقلة الكوادر المتخصصة.
أغلبية فقيرة
وغالبية المسلمين في الهند هم عمال فقراء، أو فلاحون، أو حرفيون، وهم لا يتجهون إلى التجارة والصناعة؛ نتيجة عدم حصولهم على قروض من البنوك، وهيئات التمويل الرسمية، ومنع السلطات قيام مؤسسات مالية غير ربوية. فالأكثرية الساحقة من المسلمين هم من الفقراء، ولكن هناك فئة محدودة من المسلمين المثقفين ظهرت خلال الأربعين سنة الأخيرة، وبعد أن هاجرت النخبة المسلمة المثقفة من البلاد إلى باكستان عقب التقسيم.
والمسلمون في الهند لا ينفتحون على النظام الجديد، ولا يقبلون بأي جديد، خصوصاً إذا كان مصدره الغرب ، والثقافة الغربية ليست شائعة بينهم، والمؤسسات الثقافية التي يديرها المسلمون هي بحالة مزرية، ولذلك فإن الطبقة المتوسطة التي ظهرت بين المسلمين لجأت إلى المؤسسات الهندوسية الدينية، حيث يمكن أن يجدوا مطلبهم من الثقافة الحديثة، والعلوم، والتكنولوجيا، والهندسة.
فقدان القيادة الموحدة
والقضية الرئيسة بالنسبة للمسلمين في الهند هي فقدان القيادة، فليست لهم قيادة واحدة وموحدة، هذه أكبر قضية منذ بداية عهد الاستقلال، لأنه قبل الاستقلال كانت لهم منظمات وأحزاب وحركات وشخصيات، ولكن بعد التقسيم وظهور باكستان، وهجرة النخبة من الهند إلى باكستان خلت هذه البلاد، ثم لسبب أو لآخر قرر بعض الوجهاء المسلمين هناك حل التنظيمات السياسية.
والعوامل الداخلية والخارجية جعلتهم في حال دفاع مستمر عن أنفسهم، ليظلوا دوماً طائفة فقيرة وأمية ومجهدة لا تقوى على الإبداع، فضلاً عن تغيير واقعها، فماذا يمكن أن يكون مستقبل المسلمين في ظل هذا الواقع الأليم الذي يعيشون فيه، وفي ظل تنامي التيار الهندوسي المتطرف، هذا التيار الذي يتبني أيدلوجية العداء للإسلام كمصدر مزعوم للإرهاب المعتقد ؟!.
لقد ذهب وفد من هذه الحركة المتطرفة إلى إسبانيا لدراسة كيف تم استئصال المسلمين من ديار الأندلس، وتقوم أدبياتها على اعتبار أن المسلمين في الهند هم المسؤولون عن كل مشاكلها، وأن عليهم الرحيل عن البلاد، وأن للمسلم فقط مكانين إما باكستان أو القبر، وعلى هذا الأساس تواصل حملتها المتشددة تجاه المسلمين، واستطاعت هذه الحركة أن تستجلب الدعم المادي من الجاليات الهندية في الخارج .
مشكلات المسلمين
وإذا نظرنا إلى المشكلات التي تواجه مسلمي الهند، نجدها تتمثل في الآتي :
1. النزاعات التي تتكرر دائما بين الهندوس والمسلمين، والتي كان من أعنفها أحداث عام 1984 التي أسفرت عن مجازر راح ضحيتها آلاف المسلمين، وأحداث هدم المسجد البابري في 6 ديسمبر 1992م، حيث وقعت اشتباكات بين المسلمين وأعضاء حزب شيوسينا الهندوسي المتعصب، سقط فيها الآلاف من الجانبين.
2. الهوية الثقافية التي تشعر تلك الأقلية أنها مهددة بالذوبان في المجتمع الهندي الذي يغلب عليه الطابع الهندوسي، ويقول المسلمون الهنود: إن الحكومة تحاول تكريس هذا الطابع في المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، لذا فقد بذلوا جهوداً كبيرة -خاصة في بناء المؤسسات التعليمية - من أجل الحفاظ على هويتهم الإسلامية، إلا أن ثمار هذه الجهود لا تصل إلى مستوى الطموح المطلوب لأسباب منها: قلة الإمكانيات في المؤسسات التعليمية الإسلامية، وضعف التنظيم والتنسيق بين المؤسسات والجماعات الإسلامية في الهند.
3. انخفاض متوسط الدخل السنوي لمعظم أفراد الأقلية المسلمة، وتصنيفهم ضمن الشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً، حيث يعيش أكثر من 35% من سكانها تحت خط الفقر.
برامج المرشحين الهندوس
وعندما نقرأ المحاور الرئيسية لبرامج المرشحين من الحركة الهندوسية المتطرفة، وفي خطبهم الحماسية خلال الانتخابات البرلمانية، نجد أن مطالبهم الرئيسة تركز على حرب المسلمين والعداء للإسلام وهي:
1. إعادة النظر في حقوق الأقليات للحد منها.
2. إلغاء قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، واستبداله بقانون مدني.
3. إلغاء الوضع الخاص لكشمير المتمثل في حكم ذاتي.
4. هدم العديد من المساجد العتيقة، بزعم أنها بُنيت على أنقاض معابدهم.
5. ضرورة شن حرب تأديبية ضد باكستان؛ لمواقفها تجاه الهند.
فهذا هو ما يخطط له المتطرفون الهندوس، ويعملون ليل نهار لتنفيذه، وفي مواجهة ذلك على المسلمين في الهند توحيد صفوفهم في مواجهة هذا التطرف والتعصب الهندوسي، الذي يسعى لمحو الوجود الإسلامي واستئصاله من الهند، وهدم المساجد والاعتداء على المقدسات، ولن يتحقق للمسلمين ذلك إلا بتنمية أنفسهم والارتقاء بأحوالهم المادية والاجتماعية والاقتصادية، والتفاعل مع مؤسسات المجتمع الهندي والمشاركة السياسية، حتى يعلو صوتهم في ظل مجتمع لا يعرف إلا الأقوياء.
حصاد التطرف الهندوسي
وهذه الأفكار المتطرفة التي يحملها المتعصبون الهندوس كانت وراء عشرات المصادمات التي قادها المتطرفون الهندوس ضد المسلمين ومساجدهم، والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين الأبرياء، فإذا ما تجاوزنا أحداث انفصال الهند وباكستان التي أودت بحياة مليون مواطن، فضلاً عن 17 مليون آخرين أجبروا على الهجرة، فإن الفترة بين عامي 1954م و 1963م شهدت وقوع 62 حادث مواجهة بين المسلمين والهندوس، أدت إلى سقوط 39 قتيلاً ، و527 جريحاً . وفي عام 1964م كانت الحصيلة 1070 حادث، و2000 قتيل، وأكثر من 2000 جريح . وبين عامي 1965م و1984م وقع 310 حادث، والحصيلة 160 قتيلاً ، و1685 جريحاً، وبين عامي 1985م و1991م كانت الحصيلة 620 حادثاً، و660 قتيلاً، و6 آلاف و950 جريحاً.
جريمة هدم البابري
وجريمة هدم المسجد البابري الواقع بمدينة (إيودهيا) في شمال الهند عام 1992م ، تعتبر من أعظم الجرائم الهندوسية التي أثارت العالم الإسلامي، فهذا المسجد يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، عندما بناه (بابر) أول إمبراطور مغولي حكم الهند، وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين اكتشف المتطرفون الهندوس قضية هذا المسجد، ونسجوا زعمهم الكاذب بأنه بُني على أنقاض معبد بمكان مولد (راما) الأسطوري المقدس لدى الهندوس، ولذا وجب نسفه والتخلص منه .. وجعلوها قضية شعبية، وقضية عامة للهندوس، وبدأوا ينظرون إلى هذا المسجد كأنه علامة وشعار للغزو المسلم لهذه البلاد.
وكانت أحداثه بالفعل بداية مرحلة تصاعدية جديدة من تطرف الهندوس وعدائهم للمسلمين، وكانت إيذاناً بحملة هندوسية دعائية، زعمت أن كل مساجد المسلمين العتيقة قد بنيت على أنقاض معابد الهندوس، وهي الحملة التي بررت هدم المسجد البابري في السادس من ديسمبر عام 1992، وما أعقبه من صدامات دامية أودت بحياة ألفي مسلم.
وتعود بداية العدوان على المسجد البابري إلى ما يزيد عن نصف قرن، ففي ليلة 22 ديسمبر 1949 هجمت عصابة مكونة من 50 -60 هندوسياً على المسجد البابري، ووضعوا فيه أصنامًا لذاك الممجّد لديهم المسمّى (راما)، وادعوا أن الأصنام ظهرت بنفسها في مكان ولادته !، وهو ما اضطر الشرطة إلى وضع المسجد تحت الحراسة مغلقاً لكونه محل نزاع.
وفي 3 نوفمبر 1984 سمح رئيس وزراء الهند الأسبق (راجيف غاندي) للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد هندوسي في ساحة المسجد، وتبع هذا حكم صادر بمحكمة فايزباد بتاريخ 1 فبراير 1986 من طرف القاضي (ر.ك. باندي) –الذي أصبح عضواً في الحزب الحاكم حزب (ب.ج.ب) المسؤول عن هدم مسجد بابري –سمح فيه بفتح أبواب المسجد للهندوس، وإقامة شعائرهم التعبدية فيه، وحذَّر السلطات المحلية من التدخل في هذا الشأن.
وقامت جماعات الهندوس المتعصبة قبل سنوات باقتحام المسجد بقوة السلاح، والشروع في هدمه وتحطيمه، ووضع حجر الأساس وجلب مواد البناء، استعداداً لتشييد معبد الإله (رام)، وذلك لأن المسجد -في زعمهم- قد شيد على أنقاض معبد كان يقوم في ذلك الموقع نفسه، على الرغم من أن الأدلة الأثرية تؤكد أن المسجد إنما شيِّد على أرض خلاء.
وفي بداية الثمانينات قام الهندوسي المتطرف (محنت راغوبير) برفع قضية أمام المحكمة بشأن كون المسجد البابري قد بُني فوق معبد (راما) الأسطوري، إلا أن هذه المزاعم تم دحضها بحكم القضاء في أبريل 1985؛ لفقدان أي دليل تاريخي أو قانوني.
ولكن التحركات الصادرة عن الحكومة العلمانية هناك، قد شجَّعت المتطرفين الهندوس على ترتيب هدم المسجد بالكامل بتاريخ 6 ديسمبر 1992.
فقد قام عشرات الآلاف من الهندوس في مدينة أبوديا بالهند - يوم الأحد الحادي عشر من جمادى الآخر 1413هـ – 6 ديسمبر 1992، بتدمير مسجد بابري بالمدينة، بل ومسحه من الوجود، وهم يرددون أهازيج الانتصار، معلنين العزم على البدء في بناء معبد هندوسي مكان المسجد الذي يبلغ عمره ما يناهز الأربعة قرون ونصف، ومنادين في الوقت نفسه بأنه قد آن الأوان لخروج المسلمين من الهند.. في الوقت الذي التزم فيه المسلمون في المدينة منازلهم أو غادروها بحثا عن الأمن والأمان، ولكن الحشود الهندوسية الغوغائية التي اقتحمت المسجد بقوة السلاح، وفتكت بالمسلمين الذين حاولوا الدفاع عنه، وسط تواطؤ معلن من أجهزة الأمن الهندية، وتحت أنظار الدنيا بأسرها، حرصت على تدمير كل شيء، وبدأت بمحراب المسجد قبل كل شيء؛ ربما لما يحمله من رموز من ناحية، وربما لأن النقش الموجود في قلب المحراب، والذي يحدد تاريخ إنشاء المسجد على وجه الدقة، وهو ما يكذب مزاعمهم وتخرصاتهم عن وجود سابق للمعبد المزعوم.
وفي أعقاب هذه الجريمة النكراء عمَّت حوادث الشغب أنحاء الهند، وقتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
هدم المساجد مسلسل مستمر
وجريمة هدم المسجد البابري التاريخي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، حيث إن هدم المساجد والاعتداء عليها ومحاولة تدنيسها مسلسل مستمر في أنحاء الهند المختلفة، فبعد تدمير المسجد البابري، ادَّعى المتطرفون الهندوس أن مسجدين آخرين فيهما مقابر هندوسية، ويحاولون الآن الاستيلاء على مسجد آخر في نيودلهي، ومنعت الشرطة ناشطي حركة (فيشوا هندو باريشاد) ومنظمة الشباب التابعة لـ(بارانج دال)، من أداء شعائر هندوسية في مسجد (قوة الإسلام) في مجمع قطب، وتقول المجموعات الهندوسية: إنها تريد إعادة بناء معبد هندوسي يزعمون أن الحكام المسلمين دمروه، وكان في مكان المسجد !.
وفي جريمة مماثلة لهدم المسجد البابري الأثري، قام متطرفون هندوس بهدم مسجد أثري يعود إلى العهد المغولي في 27يوليو2001م، وبناء معبد هندوسي مكانه في زمن قياسي.. وهو مسجد أثري يسمى بمسجد (سواي بهوج) ببلدة (أسيند) الواقعة بمديرية (بهيلوارا) التابعة لولاية راجاستان الهندية .
وقد أنشأ هذا المسجد جيش الإمبراطور المغولي، حين عسكر بهذه المنطقة في القرن السادس عشر الميلادي، وهو مسجد من الطراز (القلندري)، الذي يكون من غير سقف، ويتضمن جداراً في ناحية الكعبة وقاعدة مرتفعة وثلاث منارات.. وهذا المسجد يتبع مجلس الأوقاف بالولاية، وهو تنظيم حكومي يرعى الأوقاف الإسلامية.
وتكتمت سلطات المنطقة على هذه الجريمة، فلم تصل أخبارها إلى عامة الناس إلا عندما خرجت صحيفة (هيندو) بهذا الخبر على صدر صفحتها الأولى. وقالت الصحيفة وقتها: إن تكتُّم السلطات يعود إلى خوفها من تدهور الوضع الأمني؛ نظراً لوجود توتر شديد في المنطقة بين الطائفتين المسلمة والهندوسية عقب هذا الحادث.
وقد وقع هذا الحادث الإجرامي عندما هجم نحو (300) هندوسي على المنطقة، فحرقوا الخيام ثم اتجهوا إلى المسجد وأزالوه من الوجود، كما فعلوا عند هدم البابري، ثم أحضروا مواد البناء، وأقاموا معبداً على الأنقاض، يتضمن قاعدة من المرمر وتمثالاً لبعض آلهتهم المزعومة، بينما شوهدت كوكبة من الشرطة بالمكان وبدون حراك.. ومن الواضح من سياق الأحداث وسرعة إنشاء المعبد أن العملية لم تكن عفوية، بل كانت الخطة معدة سابقاً.
وقد تم الكشف عن الحادث عندما تقدم أحد المسلمين من مدينة (أسيند) بشكوى لمجلس الوقف الذي يشرف على المسجد في ولاية (راجاستان). واتهم أمين مجلس الأوقاف (ناصر علي نقوي) سلطات المديرية بالتقصير في أداء واجبها، وطالب بإعادة المسجد كما كان سابقاً، وقال بأن السرعة التي أقيم بها المعبد تدل على أن العملية كانت قد حبكت مسبقاً.
قانون يصادر حريات المسلمين
وإلى جانب الاعتداءات المستمرة على مساجد المسلمين، تضيع حقوق المسلمين هناك وحرياتهم، في ظل قوانين جائرة فصِّلت خصيصا للمسلمين، فقد استغلَّت الهند الحملة العالمية ضد الإرهاب، وشهرت الحكومة الهندية سلاحًا جديدًا في وجوه المسلمين؛ لكبتهم ومصادرة حقوقهم المشروعة، بدعوى مطاردة الإرهابيين، واجتثاث الإرهاب، مستغله حملة بوش وأحداث 11 سبتمبر. وهذا السلاح الجديد يتمثل في قانون يصادر حريات المسلمين تقدمت به الحكومة، ويترتب عليه اضطهاد مَن تريد السلطات من المسلمين، والزج بهم في المعتقلات بتهمة الإرهاب، وحظي القانون الجديد بدعم وزير الداخلية (لال كرشنا أدفاني) الذي كان ضالعًا في هدم المسجد البابري، وهو يكره الإسلام والمسلمين كرهًا شديدًا.
وهذا القانون الجديد يصادر أبسط حقوق المرء الحر، ومن المعروف أن القوانين السوداء التي تهضم حقوق الإنسان وحريته في الهند ليست جديدة في البلاد، ولا هي بدعًا من الأمر، وقد ذاقت الأقليات في الهند -وخاصة المسلمين- ويلات تلك القوانين الجائرة.
فقد وضعوا من قبل قانوناً لمحاربة الإرهاب السيخي في البنجاب، ولمدة ستة أشهر فقط، إلا أنه بقي ساري المفعول لعشر سنوات طوال، واعتقل بسببه وعُذِّب في السجون كثير من الأبرياء في كل أنحاء البلاد، وكان معظمهم من المسلمين. والغريب أنه رغم أن القانون وضع لمحاربة الإرهابيين في البنجاب، فإن معظم المعتقلين كانوا من ولاية غجرات، لا من البنجاب!، ومن المسلمين، لا من السيخ! وهذا الذي يجعل المسلمين يتوخون الشر كل الشر من أي قانون لمكافحة الإرهاب، حيث تلصق بهم تهم الإرهاب ويعتقلون ويعذبون، وهكذا، كان المسلمون دومًا، ضحية كل القوانين الجائرة في البلاد.
ولقد ظلَّت السلطات الهندية - لا تحت حكم حزب بهارتيا جاناتا وحده، بل في ظل كل الحكومات الهندية السابقة- تتخذ مقاييس مقلوبة، تجعل البريء متهمًا والمجرم بريئًا. فالمسلمون الذين هُدّمت مساجدهم، وسُفكت دماؤهم، وذُبحوا بالآلاف، ونُهبت أموالهم، ودُمِّر اقتصادهم، وهُتِكت أعراضهم، ودُمِّرت مؤسساتهم التجارية نُعتوا بأنهم (إرهابيون)!، بينما اعتبر الهندوس الذين اقترفوا كل هذه الجرائم البشعة في حق المسلمين (وطنيين غيورين)! وتحريض رؤساء الجماعات الهندوسية المتطرفة أتباعهم على حمل السلاح (ضرورة أمنية).
وعلى مدار السنوات الخمسين الماضية طُبقت في البلاد قوانين لمحاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين، ولكن آثارها ذهبت أدراج الرياح . وكلما استبدل قانون بأشد منه تضاعف الإرهاب وتفاقم أمره، والسبب أن أيًّا من تلك القوانين لم يكن يستهدف الإرهاب، ولم يوجَّه يومًا نحو الإرهابيين، وإنما كانت فئات من الأقليات دون غيرها هم الضحية، كما أن تلك القوانين لم تعالج السبب الحقيقي للإرهاب، الذي هو سوء معاملة الجهات المعنية للأقليات واضطهادها، وهضم حقوقها المشروعة.
وعندما ننظر إلى فقرات القانون الجديد الذي بدأ العمل به بعد أحداث سبتمبر، نجد خطره البالغ على الحريات الفردية المضمونة في دستور البلاد وقوانينها الجنائية ولوائح البينة .
فالقانون يسمح للسلطات الأمنية أن تعتقل أي شخص تظن أن له علاقة بالإرهاب، أو يمكن أن تكون له علاقة، أو يمكن أن يرهب أحداً من المواطنين! وليس شرطاً التأكد من أن له يداً فيه، ولكن يكفي (عسى ويمكن).
ويسمح القانون الجديد للسلطات الأمنية أن تصادر أموال المتهم، بل وأموال أقربائه أيضاً، كما يسمح للسلطات المعنية أن تخفي أسماء الشهود، وهذا يمنع أولاً التحقيق مع الشهود، ويمكِّن السلطات المعنية ثانياً أن تدِّعي بوجود شهود، ولا خطر عليها ما دام القانون يسمح بإخفاء أسمائهم.
ومن أخطر فقرات القانون الجديد أنه يتيح للسلطات الأمنية والقضائية حرية الاختيار، بمعنى أن لها أن توجِّه التهم أو لا توجهها، وتسجن أو لا تسجن، تدين أو لا تدين! ويمكن لكل مطَّلع على أوضاع الهند، -وتحيز السلطات للهندوس على حساب المسلمين والأقليات الأخرى- أن يعرف كيف يكون اختيار هؤلاء؟.
ومن أخطر جوانب القانون الجديد اعتداؤه السافر على حرية التعبير والعمل الصحفي؛ إذ يفرض على الصحفيين الإفصاح عن المصادر التي استقوا منها معلوماتهم. وإن لم يصرِّح الصحفي بها يحق للسلطات أن تعتقله وتسجنه لمدة ثلاث سنوات.
وخلاصة هذا القانون الجديد أنه يعارضه كل من يهمه العدل والإنصاف، ولا يسانده إلا وزير الداخلية المعروف بتطرفه ومعاداته للمسلمين، والقلة القليلة الملتفة حوله. وقد طالبت المنظمات الإسلامية الهندية الحكومة بسحب القانون؛ لأنه يهضم حقوق الأقليات، وخاصة المسلمة، إلا أنه أجيز بأغلبية الحزب الهندوسي الحاكم بهاراتيا جاناتا
والمسلمون الهنود يعتبرون أكبر أقلية إسلامية في العالم، وثاني أكبر تجمع إسلامي على وجه الأرض، وقد كانوا يمثلون ربع السكان في شبه القارة الهندية قبل الاستقلال وتقسيمها إلى دولتي الهند وباكستان، وقصة وصول الإسلام إلى الهند، ومعاناة المسلمين هناك قصة طويلة، وتاريخهم مع المعاناة ممتد في ظل حكام لا يعرفون إلا لغة التعصُّب، سواء كانوا من المحتلين البريطانيين أو من الهندوس.
دخول الإسلام الهند
وقد وصل الإسلام إلى الهند على يد (محمد بن القاسم) أثناء الفتوحات المعروفة في التاريخ الإسلامي بفتوحات السند أيام عهد الدولة الأموية، وعلى مدى قرون طويلة ظل المسلمون في شبه القارة الهندية أمة واحدة، ومع نهاية الاحتلال البريطاني -الذي استمر حوالي مائتي عام- انقسمت الهند عام 1947م إلى دولتين إحداهما هندوسية هي الهند، والثانية مسلمة هي باكستان -التي كانت تضم آنذاك بنغلاديش-، ونتيجة لذلك التقسيم ظهرت على مسرح الأحداث السياسية مشكلة إقليم (جامو وكشمير) المتنازع عليه بين الهند وباكستان.
والهند مجتمع متعدد الأعراق واللغات، وتبلغ مساحة أراضيها
(3,166,414) كم مربع، ويعيش فيها أكثر من مليار نسمة يمثلون سدس سكان العالم، وهي بذلك تعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين، وتبلغ نسبة المسلمين فيها 14% من مجموع السكان، أي حوالي 141,960,431 نسمة، وهناك تضارب حول تعداد مسلمي الهند، فطبقاً لإحصاء الحكومة الهندية عام 1991م، فإن عدد المسلمين يبلغ 96.65 مليون نسمة، غير أن تقديرات مسلمي الهند لأنفسهم تتراوح بين 150 و200 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصفهم في ثلاث ولايات شمالية هي (أوتربرادش) وولاية (بهار) وولاية (البنجال الغربية)، وطبقاً لذات الإحصاء فإنهم يمثلون الأغلبية في 15 مديرية، والغالبية في منطقتي (جامو)، و(كشمير) ، ويعمل في قطاع الزراعة منهم قرابة 70% والباقون موزعون على قطاعات الخدمات والتجارة والصناعة.
وينقسم مسلمو الهند إلى قسمين هما: مسلمو الشمال ، ويتبعون المذهب الحنفي، ويتكلمون اللغة الأردية والبنغالية، ومسلمو الجنوب، ويتبعون المذهب الشافعي ويتحدثون اللغة التامولية، إضافة إلى وجود مسلمين شيعة في بعض الولايات، وبالأخص في حيدر آباد.
ورغم كبر حجم الأقلية المسلمة في الهند (14%)، فإن نسبة تمثيلهم في مؤسسات الدولة لا تتعدى 3%، وحسب بعض التقارير الرسمية فإن الأرقام تشير إلى أن تمثيل المسلمين في الوظائف الرسمية يتضاءل باستمرار، على سبيل المثال: فإن نسبة المسلمين السكانية الرسمية حوالي 15%، في حين أن نسبتهم في وظائف الخدمة الإدارية -حسب إحصاء عام 1981م - كان 3% وفي الشرطة 2.9%، وأن نسبتهم في وظائف حكومات الولايات والحكومة المركزية يتراوح 4.4% و6%، أما ولاية (أوتربرادش) فإن نسبتهم في شرطة الولاية كان 40% عام 1947م أي قبيل الاستقلال. أما الآن -وحسب إحصاء 1996م- فإنها 2% فقط.
مجتمع مغلق
وكأي أقلية في العالم بدأ مسلمو الهند في تنظيم شئون مجتمعهم الخاص -الذي حرصوا أن يكون مغلقا قدر استطاعتهم - وأنشأوا لهذا الغرض عدة جمعيات تهتم بشؤون هذه الأقلية، أهمها هو مجلس المشاورة الذي يتولى بحث القضايا التي تتعلق بهم وعلاقتهم بالمجتمع الهندي، وحل المشاكل الداخلية بينهم، ثم هناك الجماعة الإسلامية الهندية، وهي جماعة تقوم بدور دعوي وتثقيفي ونضالي لتثبيت أقدام الوجود الإسلامي في الهند، ثم جمعية علماء الهند التي ترعى شئون العلماء، وهناك أيضاً الجمعية التعليمية الإسلامية لعموم الهند، وهي ترعى شئون المدارس الإسلامية.
كما يوجد لدى الأقلية المسلمة في الهند جامعات لتدريس العلوم الإسلامية وأخرى للعلوم المدنية، ومن أهمها: جامعة (ديوبند)، وندوة العلماء في (لكنهو) التي خرجت عدداً كبيراً من كبار العلماء أمثال الشيخ أبي الحسن الندوي، وجامعة مظاهر العلوم، ومدرسة الإصلاح، والكلية الإسلامية في فانيا آبادي، والجامعة العثمانية في حيدر آباد، والجامعة الملية في دلهي. أما التعليم الأولي فيهتم بشؤونه مدارس ومكاتب منتشرة في أماكن وجود تلك الأقلية، وتعاني أغلبها من كثافة الفصول وقلة الكوادر المتخصصة.
أغلبية فقيرة
وغالبية المسلمين في الهند هم عمال فقراء، أو فلاحون، أو حرفيون، وهم لا يتجهون إلى التجارة والصناعة؛ نتيجة عدم حصولهم على قروض من البنوك، وهيئات التمويل الرسمية، ومنع السلطات قيام مؤسسات مالية غير ربوية. فالأكثرية الساحقة من المسلمين هم من الفقراء، ولكن هناك فئة محدودة من المسلمين المثقفين ظهرت خلال الأربعين سنة الأخيرة، وبعد أن هاجرت النخبة المسلمة المثقفة من البلاد إلى باكستان عقب التقسيم.
والمسلمون في الهند لا ينفتحون على النظام الجديد، ولا يقبلون بأي جديد، خصوصاً إذا كان مصدره الغرب ، والثقافة الغربية ليست شائعة بينهم، والمؤسسات الثقافية التي يديرها المسلمون هي بحالة مزرية، ولذلك فإن الطبقة المتوسطة التي ظهرت بين المسلمين لجأت إلى المؤسسات الهندوسية الدينية، حيث يمكن أن يجدوا مطلبهم من الثقافة الحديثة، والعلوم، والتكنولوجيا، والهندسة.
فقدان القيادة الموحدة
والقضية الرئيسة بالنسبة للمسلمين في الهند هي فقدان القيادة، فليست لهم قيادة واحدة وموحدة، هذه أكبر قضية منذ بداية عهد الاستقلال، لأنه قبل الاستقلال كانت لهم منظمات وأحزاب وحركات وشخصيات، ولكن بعد التقسيم وظهور باكستان، وهجرة النخبة من الهند إلى باكستان خلت هذه البلاد، ثم لسبب أو لآخر قرر بعض الوجهاء المسلمين هناك حل التنظيمات السياسية.
والعوامل الداخلية والخارجية جعلتهم في حال دفاع مستمر عن أنفسهم، ليظلوا دوماً طائفة فقيرة وأمية ومجهدة لا تقوى على الإبداع، فضلاً عن تغيير واقعها، فماذا يمكن أن يكون مستقبل المسلمين في ظل هذا الواقع الأليم الذي يعيشون فيه، وفي ظل تنامي التيار الهندوسي المتطرف، هذا التيار الذي يتبني أيدلوجية العداء للإسلام كمصدر مزعوم للإرهاب المعتقد ؟!.
لقد ذهب وفد من هذه الحركة المتطرفة إلى إسبانيا لدراسة كيف تم استئصال المسلمين من ديار الأندلس، وتقوم أدبياتها على اعتبار أن المسلمين في الهند هم المسؤولون عن كل مشاكلها، وأن عليهم الرحيل عن البلاد، وأن للمسلم فقط مكانين إما باكستان أو القبر، وعلى هذا الأساس تواصل حملتها المتشددة تجاه المسلمين، واستطاعت هذه الحركة أن تستجلب الدعم المادي من الجاليات الهندية في الخارج .
مشكلات المسلمين
وإذا نظرنا إلى المشكلات التي تواجه مسلمي الهند، نجدها تتمثل في الآتي :
1. النزاعات التي تتكرر دائما بين الهندوس والمسلمين، والتي كان من أعنفها أحداث عام 1984 التي أسفرت عن مجازر راح ضحيتها آلاف المسلمين، وأحداث هدم المسجد البابري في 6 ديسمبر 1992م، حيث وقعت اشتباكات بين المسلمين وأعضاء حزب شيوسينا الهندوسي المتعصب، سقط فيها الآلاف من الجانبين.
2. الهوية الثقافية التي تشعر تلك الأقلية أنها مهددة بالذوبان في المجتمع الهندي الذي يغلب عليه الطابع الهندوسي، ويقول المسلمون الهنود: إن الحكومة تحاول تكريس هذا الطابع في المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، لذا فقد بذلوا جهوداً كبيرة -خاصة في بناء المؤسسات التعليمية - من أجل الحفاظ على هويتهم الإسلامية، إلا أن ثمار هذه الجهود لا تصل إلى مستوى الطموح المطلوب لأسباب منها: قلة الإمكانيات في المؤسسات التعليمية الإسلامية، وضعف التنظيم والتنسيق بين المؤسسات والجماعات الإسلامية في الهند.
3. انخفاض متوسط الدخل السنوي لمعظم أفراد الأقلية المسلمة، وتصنيفهم ضمن الشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً، حيث يعيش أكثر من 35% من سكانها تحت خط الفقر.
برامج المرشحين الهندوس
وعندما نقرأ المحاور الرئيسية لبرامج المرشحين من الحركة الهندوسية المتطرفة، وفي خطبهم الحماسية خلال الانتخابات البرلمانية، نجد أن مطالبهم الرئيسة تركز على حرب المسلمين والعداء للإسلام وهي:
1. إعادة النظر في حقوق الأقليات للحد منها.
2. إلغاء قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، واستبداله بقانون مدني.
3. إلغاء الوضع الخاص لكشمير المتمثل في حكم ذاتي.
4. هدم العديد من المساجد العتيقة، بزعم أنها بُنيت على أنقاض معابدهم.
5. ضرورة شن حرب تأديبية ضد باكستان؛ لمواقفها تجاه الهند.
فهذا هو ما يخطط له المتطرفون الهندوس، ويعملون ليل نهار لتنفيذه، وفي مواجهة ذلك على المسلمين في الهند توحيد صفوفهم في مواجهة هذا التطرف والتعصب الهندوسي، الذي يسعى لمحو الوجود الإسلامي واستئصاله من الهند، وهدم المساجد والاعتداء على المقدسات، ولن يتحقق للمسلمين ذلك إلا بتنمية أنفسهم والارتقاء بأحوالهم المادية والاجتماعية والاقتصادية، والتفاعل مع مؤسسات المجتمع الهندي والمشاركة السياسية، حتى يعلو صوتهم في ظل مجتمع لا يعرف إلا الأقوياء.
حصاد التطرف الهندوسي
وهذه الأفكار المتطرفة التي يحملها المتعصبون الهندوس كانت وراء عشرات المصادمات التي قادها المتطرفون الهندوس ضد المسلمين ومساجدهم، والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين الأبرياء، فإذا ما تجاوزنا أحداث انفصال الهند وباكستان التي أودت بحياة مليون مواطن، فضلاً عن 17 مليون آخرين أجبروا على الهجرة، فإن الفترة بين عامي 1954م و 1963م شهدت وقوع 62 حادث مواجهة بين المسلمين والهندوس، أدت إلى سقوط 39 قتيلاً ، و527 جريحاً . وفي عام 1964م كانت الحصيلة 1070 حادث، و2000 قتيل، وأكثر من 2000 جريح . وبين عامي 1965م و1984م وقع 310 حادث، والحصيلة 160 قتيلاً ، و1685 جريحاً، وبين عامي 1985م و1991م كانت الحصيلة 620 حادثاً، و660 قتيلاً، و6 آلاف و950 جريحاً.
جريمة هدم البابري
وجريمة هدم المسجد البابري الواقع بمدينة (إيودهيا) في شمال الهند عام 1992م ، تعتبر من أعظم الجرائم الهندوسية التي أثارت العالم الإسلامي، فهذا المسجد يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، عندما بناه (بابر) أول إمبراطور مغولي حكم الهند، وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين اكتشف المتطرفون الهندوس قضية هذا المسجد، ونسجوا زعمهم الكاذب بأنه بُني على أنقاض معبد بمكان مولد (راما) الأسطوري المقدس لدى الهندوس، ولذا وجب نسفه والتخلص منه .. وجعلوها قضية شعبية، وقضية عامة للهندوس، وبدأوا ينظرون إلى هذا المسجد كأنه علامة وشعار للغزو المسلم لهذه البلاد.
وكانت أحداثه بالفعل بداية مرحلة تصاعدية جديدة من تطرف الهندوس وعدائهم للمسلمين، وكانت إيذاناً بحملة هندوسية دعائية، زعمت أن كل مساجد المسلمين العتيقة قد بنيت على أنقاض معابد الهندوس، وهي الحملة التي بررت هدم المسجد البابري في السادس من ديسمبر عام 1992، وما أعقبه من صدامات دامية أودت بحياة ألفي مسلم.
وتعود بداية العدوان على المسجد البابري إلى ما يزيد عن نصف قرن، ففي ليلة 22 ديسمبر 1949 هجمت عصابة مكونة من 50 -60 هندوسياً على المسجد البابري، ووضعوا فيه أصنامًا لذاك الممجّد لديهم المسمّى (راما)، وادعوا أن الأصنام ظهرت بنفسها في مكان ولادته !، وهو ما اضطر الشرطة إلى وضع المسجد تحت الحراسة مغلقاً لكونه محل نزاع.
وفي 3 نوفمبر 1984 سمح رئيس وزراء الهند الأسبق (راجيف غاندي) للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد هندوسي في ساحة المسجد، وتبع هذا حكم صادر بمحكمة فايزباد بتاريخ 1 فبراير 1986 من طرف القاضي (ر.ك. باندي) –الذي أصبح عضواً في الحزب الحاكم حزب (ب.ج.ب) المسؤول عن هدم مسجد بابري –سمح فيه بفتح أبواب المسجد للهندوس، وإقامة شعائرهم التعبدية فيه، وحذَّر السلطات المحلية من التدخل في هذا الشأن.
وقامت جماعات الهندوس المتعصبة قبل سنوات باقتحام المسجد بقوة السلاح، والشروع في هدمه وتحطيمه، ووضع حجر الأساس وجلب مواد البناء، استعداداً لتشييد معبد الإله (رام)، وذلك لأن المسجد -في زعمهم- قد شيد على أنقاض معبد كان يقوم في ذلك الموقع نفسه، على الرغم من أن الأدلة الأثرية تؤكد أن المسجد إنما شيِّد على أرض خلاء.
وفي بداية الثمانينات قام الهندوسي المتطرف (محنت راغوبير) برفع قضية أمام المحكمة بشأن كون المسجد البابري قد بُني فوق معبد (راما) الأسطوري، إلا أن هذه المزاعم تم دحضها بحكم القضاء في أبريل 1985؛ لفقدان أي دليل تاريخي أو قانوني.
ولكن التحركات الصادرة عن الحكومة العلمانية هناك، قد شجَّعت المتطرفين الهندوس على ترتيب هدم المسجد بالكامل بتاريخ 6 ديسمبر 1992.
فقد قام عشرات الآلاف من الهندوس في مدينة أبوديا بالهند - يوم الأحد الحادي عشر من جمادى الآخر 1413هـ – 6 ديسمبر 1992، بتدمير مسجد بابري بالمدينة، بل ومسحه من الوجود، وهم يرددون أهازيج الانتصار، معلنين العزم على البدء في بناء معبد هندوسي مكان المسجد الذي يبلغ عمره ما يناهز الأربعة قرون ونصف، ومنادين في الوقت نفسه بأنه قد آن الأوان لخروج المسلمين من الهند.. في الوقت الذي التزم فيه المسلمون في المدينة منازلهم أو غادروها بحثا عن الأمن والأمان، ولكن الحشود الهندوسية الغوغائية التي اقتحمت المسجد بقوة السلاح، وفتكت بالمسلمين الذين حاولوا الدفاع عنه، وسط تواطؤ معلن من أجهزة الأمن الهندية، وتحت أنظار الدنيا بأسرها، حرصت على تدمير كل شيء، وبدأت بمحراب المسجد قبل كل شيء؛ ربما لما يحمله من رموز من ناحية، وربما لأن النقش الموجود في قلب المحراب، والذي يحدد تاريخ إنشاء المسجد على وجه الدقة، وهو ما يكذب مزاعمهم وتخرصاتهم عن وجود سابق للمعبد المزعوم.
وفي أعقاب هذه الجريمة النكراء عمَّت حوادث الشغب أنحاء الهند، وقتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
هدم المساجد مسلسل مستمر
وجريمة هدم المسجد البابري التاريخي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، حيث إن هدم المساجد والاعتداء عليها ومحاولة تدنيسها مسلسل مستمر في أنحاء الهند المختلفة، فبعد تدمير المسجد البابري، ادَّعى المتطرفون الهندوس أن مسجدين آخرين فيهما مقابر هندوسية، ويحاولون الآن الاستيلاء على مسجد آخر في نيودلهي، ومنعت الشرطة ناشطي حركة (فيشوا هندو باريشاد) ومنظمة الشباب التابعة لـ(بارانج دال)، من أداء شعائر هندوسية في مسجد (قوة الإسلام) في مجمع قطب، وتقول المجموعات الهندوسية: إنها تريد إعادة بناء معبد هندوسي يزعمون أن الحكام المسلمين دمروه، وكان في مكان المسجد !.
وفي جريمة مماثلة لهدم المسجد البابري الأثري، قام متطرفون هندوس بهدم مسجد أثري يعود إلى العهد المغولي في 27يوليو2001م، وبناء معبد هندوسي مكانه في زمن قياسي.. وهو مسجد أثري يسمى بمسجد (سواي بهوج) ببلدة (أسيند) الواقعة بمديرية (بهيلوارا) التابعة لولاية راجاستان الهندية .
وقد أنشأ هذا المسجد جيش الإمبراطور المغولي، حين عسكر بهذه المنطقة في القرن السادس عشر الميلادي، وهو مسجد من الطراز (القلندري)، الذي يكون من غير سقف، ويتضمن جداراً في ناحية الكعبة وقاعدة مرتفعة وثلاث منارات.. وهذا المسجد يتبع مجلس الأوقاف بالولاية، وهو تنظيم حكومي يرعى الأوقاف الإسلامية.
وتكتمت سلطات المنطقة على هذه الجريمة، فلم تصل أخبارها إلى عامة الناس إلا عندما خرجت صحيفة (هيندو) بهذا الخبر على صدر صفحتها الأولى. وقالت الصحيفة وقتها: إن تكتُّم السلطات يعود إلى خوفها من تدهور الوضع الأمني؛ نظراً لوجود توتر شديد في المنطقة بين الطائفتين المسلمة والهندوسية عقب هذا الحادث.
وقد وقع هذا الحادث الإجرامي عندما هجم نحو (300) هندوسي على المنطقة، فحرقوا الخيام ثم اتجهوا إلى المسجد وأزالوه من الوجود، كما فعلوا عند هدم البابري، ثم أحضروا مواد البناء، وأقاموا معبداً على الأنقاض، يتضمن قاعدة من المرمر وتمثالاً لبعض آلهتهم المزعومة، بينما شوهدت كوكبة من الشرطة بالمكان وبدون حراك.. ومن الواضح من سياق الأحداث وسرعة إنشاء المعبد أن العملية لم تكن عفوية، بل كانت الخطة معدة سابقاً.
وقد تم الكشف عن الحادث عندما تقدم أحد المسلمين من مدينة (أسيند) بشكوى لمجلس الوقف الذي يشرف على المسجد في ولاية (راجاستان). واتهم أمين مجلس الأوقاف (ناصر علي نقوي) سلطات المديرية بالتقصير في أداء واجبها، وطالب بإعادة المسجد كما كان سابقاً، وقال بأن السرعة التي أقيم بها المعبد تدل على أن العملية كانت قد حبكت مسبقاً.
قانون يصادر حريات المسلمين
وإلى جانب الاعتداءات المستمرة على مساجد المسلمين، تضيع حقوق المسلمين هناك وحرياتهم، في ظل قوانين جائرة فصِّلت خصيصا للمسلمين، فقد استغلَّت الهند الحملة العالمية ضد الإرهاب، وشهرت الحكومة الهندية سلاحًا جديدًا في وجوه المسلمين؛ لكبتهم ومصادرة حقوقهم المشروعة، بدعوى مطاردة الإرهابيين، واجتثاث الإرهاب، مستغله حملة بوش وأحداث 11 سبتمبر. وهذا السلاح الجديد يتمثل في قانون يصادر حريات المسلمين تقدمت به الحكومة، ويترتب عليه اضطهاد مَن تريد السلطات من المسلمين، والزج بهم في المعتقلات بتهمة الإرهاب، وحظي القانون الجديد بدعم وزير الداخلية (لال كرشنا أدفاني) الذي كان ضالعًا في هدم المسجد البابري، وهو يكره الإسلام والمسلمين كرهًا شديدًا.
وهذا القانون الجديد يصادر أبسط حقوق المرء الحر، ومن المعروف أن القوانين السوداء التي تهضم حقوق الإنسان وحريته في الهند ليست جديدة في البلاد، ولا هي بدعًا من الأمر، وقد ذاقت الأقليات في الهند -وخاصة المسلمين- ويلات تلك القوانين الجائرة.
فقد وضعوا من قبل قانوناً لمحاربة الإرهاب السيخي في البنجاب، ولمدة ستة أشهر فقط، إلا أنه بقي ساري المفعول لعشر سنوات طوال، واعتقل بسببه وعُذِّب في السجون كثير من الأبرياء في كل أنحاء البلاد، وكان معظمهم من المسلمين. والغريب أنه رغم أن القانون وضع لمحاربة الإرهابيين في البنجاب، فإن معظم المعتقلين كانوا من ولاية غجرات، لا من البنجاب!، ومن المسلمين، لا من السيخ! وهذا الذي يجعل المسلمين يتوخون الشر كل الشر من أي قانون لمكافحة الإرهاب، حيث تلصق بهم تهم الإرهاب ويعتقلون ويعذبون، وهكذا، كان المسلمون دومًا، ضحية كل القوانين الجائرة في البلاد.
ولقد ظلَّت السلطات الهندية - لا تحت حكم حزب بهارتيا جاناتا وحده، بل في ظل كل الحكومات الهندية السابقة- تتخذ مقاييس مقلوبة، تجعل البريء متهمًا والمجرم بريئًا. فالمسلمون الذين هُدّمت مساجدهم، وسُفكت دماؤهم، وذُبحوا بالآلاف، ونُهبت أموالهم، ودُمِّر اقتصادهم، وهُتِكت أعراضهم، ودُمِّرت مؤسساتهم التجارية نُعتوا بأنهم (إرهابيون)!، بينما اعتبر الهندوس الذين اقترفوا كل هذه الجرائم البشعة في حق المسلمين (وطنيين غيورين)! وتحريض رؤساء الجماعات الهندوسية المتطرفة أتباعهم على حمل السلاح (ضرورة أمنية).
وعلى مدار السنوات الخمسين الماضية طُبقت في البلاد قوانين لمحاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين، ولكن آثارها ذهبت أدراج الرياح . وكلما استبدل قانون بأشد منه تضاعف الإرهاب وتفاقم أمره، والسبب أن أيًّا من تلك القوانين لم يكن يستهدف الإرهاب، ولم يوجَّه يومًا نحو الإرهابيين، وإنما كانت فئات من الأقليات دون غيرها هم الضحية، كما أن تلك القوانين لم تعالج السبب الحقيقي للإرهاب، الذي هو سوء معاملة الجهات المعنية للأقليات واضطهادها، وهضم حقوقها المشروعة.
وعندما ننظر إلى فقرات القانون الجديد الذي بدأ العمل به بعد أحداث سبتمبر، نجد خطره البالغ على الحريات الفردية المضمونة في دستور البلاد وقوانينها الجنائية ولوائح البينة .
فالقانون يسمح للسلطات الأمنية أن تعتقل أي شخص تظن أن له علاقة بالإرهاب، أو يمكن أن تكون له علاقة، أو يمكن أن يرهب أحداً من المواطنين! وليس شرطاً التأكد من أن له يداً فيه، ولكن يكفي (عسى ويمكن).
ويسمح القانون الجديد للسلطات الأمنية أن تصادر أموال المتهم، بل وأموال أقربائه أيضاً، كما يسمح للسلطات المعنية أن تخفي أسماء الشهود، وهذا يمنع أولاً التحقيق مع الشهود، ويمكِّن السلطات المعنية ثانياً أن تدِّعي بوجود شهود، ولا خطر عليها ما دام القانون يسمح بإخفاء أسمائهم.
ومن أخطر فقرات القانون الجديد أنه يتيح للسلطات الأمنية والقضائية حرية الاختيار، بمعنى أن لها أن توجِّه التهم أو لا توجهها، وتسجن أو لا تسجن، تدين أو لا تدين! ويمكن لكل مطَّلع على أوضاع الهند، -وتحيز السلطات للهندوس على حساب المسلمين والأقليات الأخرى- أن يعرف كيف يكون اختيار هؤلاء؟.
ومن أخطر جوانب القانون الجديد اعتداؤه السافر على حرية التعبير والعمل الصحفي؛ إذ يفرض على الصحفيين الإفصاح عن المصادر التي استقوا منها معلوماتهم. وإن لم يصرِّح الصحفي بها يحق للسلطات أن تعتقله وتسجنه لمدة ثلاث سنوات.
وخلاصة هذا القانون الجديد أنه يعارضه كل من يهمه العدل والإنصاف، ولا يسانده إلا وزير الداخلية المعروف بتطرفه ومعاداته للمسلمين، والقلة القليلة الملتفة حوله. وقد طالبت المنظمات الإسلامية الهندية الحكومة بسحب القانون؛ لأنه يهضم حقوق الأقليات، وخاصة المسلمة، إلا أنه أجيز بأغلبية الحزب الهندوسي الحاكم بهاراتيا جاناتا
تعليق