الإنسانِ
تسميةُ الإنسانِ بالعالَم الأصْغر
أوَ ما علمتَ أنّ الإنسان الذي خُلقت السمواتُ والأرضُ وما بينَهما من أجْله كما قال عزَّ وجلَّ: سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جميعاً مِنْهُ إنَّما سمَّوه العالَم الصغير سليلَ العالَم الكبير, لمَا وجَدوا فيه من جَميع أشكالِ ما في العالم الكبير, ووجدْنا له الحواسَّ الخمسَ ووجدُوا فيه المحسوساتِ الخمس, ووجدُوه يأكل اللَّحم والحَبَّ, ويجمعُ بينَ ما تقتاته البهيمةُ والسبع, ووجدَوا فيه صَولةَ الجمل ووُثوبَ الأسد, وغدْرَ الذئب, ورَوَغان الثعلب, وجُبْن الصِّفْرِد, وجَمْعَ الذَّرَّةِ, وصنْعةَ السُّرْفة , وجُودَ الديكِ, وإلفَ الكلب, واهتداءَ الحمام. ورَّبما وجدوا فيه ممَّا في البهائم والسباع خُلُقَيْن أو ثلاثة, ولا يبلغُ أن يكون جملاً بأن يكون فيه اهتداؤه وغَيرته, وصَولته وحِقدُه, وصبرُه على حمْل الثِّقْل, ولا يلزَم شبهُ الذئبِ بقدْر ما يتَهَيَّأ فيه من مِثل غدْرِه ومكْرِه, واسترواحه وتوحُّشه, وشدَّة نُكْره. كما أن الرجلَ يصيبُ الرأىَ الغامضَ المرّةَ والمرَّتين والثلاثَ, ولا يبلغُ ذلك المقدارُ أن يقال له داهيةٌ وذو نَكراء أو صاحبُ بزلاء يخطئ الرجل فيفحُش خَطَؤُه في المرَّة والمرَّتين والثلاث, فلا يبلغ الأمرُ به أن يقال له غبيٌّ وأبلهُ ومنقوص.
وسمَّوه العالَمَ الصغيرَ لأَّنهم وجدُوه يصوَّر كلَّ شيءٍ بيده, ويحكي كلَّ صوتٍ بِفَمه. وقالوا: ولأنَّ أعضاءَه مقسومةٌ على البروج الإثنى عشر والنجومِ السبعة, وفيه الصفراء وهي من نِتاج النار, وفيه السوداء وهي من نِتاج الأرض, وفيه الدمُ وهو من نِتاج الهواء, وفيه البلغَمُ وهو من نِتاج الماء. وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة.
فجعَلوه العالَمَ الصغير, إذ كانَ فيه جميعُ أجزائِه وأخلاطِهِ وطبائعه. ألا تَرَى أنَّ فيه طبائعَ الغضبِ والرضَا, وآلة اليقين والشكِّ, والاعتقاد والوقف وفيه طبائعُ الفطنةِ والغَباوة, والسلامة والمكر, والنصيحةِ والغِشِّ, والوَفاء والغدر, والرياء والإخلاص, والحب والبُغْض, والجِدِّ والهزْل, والبخْل والجُود, والاقتصادِ والسّرَف, والتواضع والكبر, والأنسِ والوحشة, والفكرة والإمهال, والتمييز والخبْط, والجبْن والشجاعة, والحزم والإضاعة, والتبذير والتقتير, والتبذل والتعزز, والادِّخار والتوكُّل, والقَناعة والحِرْصِ, والرغبة والزُّهْد, والسُّخْط والرِّضا, والصبر والجزَع, والذِّكر والنسيان, والخوفِ والرجاء, والطمَعِ واليأس, والتنزُّه والطبَع, والشكِّ واليقين, والحياء والقِحَة, والكتْمانِ والإشاعة, والإقرار والإنكار, والعلم والجهل, والظلم والإنصاف, والطلب والهَرب, والحقْد وسرْعة الرضا, والحْدَّةِ وبُعْدِ الغَضب, والسرُّور والهمّ, واللَّذةِ والألَمَ, والتأميلِ والتمنِّي, والإصرارِ والنَّدَم, والجِمَاحِ والبَدَوات, والعيِّ والبلاغَة, والنطْق والخرَس, والتصميمِ والتوقف, والتغافُلِ والتفاطُن, والعفوِ والمكافأة, والاستطاعةِ والطبيعة وما لا يحصى عدده, ولا يُعرَف حَدُّه.
[من (كتاب الحيوان)]
تسميةُ الإنسانِ بالعالَم الأصْغر
أوَ ما علمتَ أنّ الإنسان الذي خُلقت السمواتُ والأرضُ وما بينَهما من أجْله كما قال عزَّ وجلَّ: سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جميعاً مِنْهُ إنَّما سمَّوه العالَم الصغير سليلَ العالَم الكبير, لمَا وجَدوا فيه من جَميع أشكالِ ما في العالم الكبير, ووجدْنا له الحواسَّ الخمسَ ووجدُوا فيه المحسوساتِ الخمس, ووجدُوه يأكل اللَّحم والحَبَّ, ويجمعُ بينَ ما تقتاته البهيمةُ والسبع, ووجدَوا فيه صَولةَ الجمل ووُثوبَ الأسد, وغدْرَ الذئب, ورَوَغان الثعلب, وجُبْن الصِّفْرِد, وجَمْعَ الذَّرَّةِ, وصنْعةَ السُّرْفة , وجُودَ الديكِ, وإلفَ الكلب, واهتداءَ الحمام. ورَّبما وجدوا فيه ممَّا في البهائم والسباع خُلُقَيْن أو ثلاثة, ولا يبلغُ أن يكون جملاً بأن يكون فيه اهتداؤه وغَيرته, وصَولته وحِقدُه, وصبرُه على حمْل الثِّقْل, ولا يلزَم شبهُ الذئبِ بقدْر ما يتَهَيَّأ فيه من مِثل غدْرِه ومكْرِه, واسترواحه وتوحُّشه, وشدَّة نُكْره. كما أن الرجلَ يصيبُ الرأىَ الغامضَ المرّةَ والمرَّتين والثلاثَ, ولا يبلغُ ذلك المقدارُ أن يقال له داهيةٌ وذو نَكراء أو صاحبُ بزلاء يخطئ الرجل فيفحُش خَطَؤُه في المرَّة والمرَّتين والثلاث, فلا يبلغ الأمرُ به أن يقال له غبيٌّ وأبلهُ ومنقوص.
وسمَّوه العالَمَ الصغيرَ لأَّنهم وجدُوه يصوَّر كلَّ شيءٍ بيده, ويحكي كلَّ صوتٍ بِفَمه. وقالوا: ولأنَّ أعضاءَه مقسومةٌ على البروج الإثنى عشر والنجومِ السبعة, وفيه الصفراء وهي من نِتاج النار, وفيه السوداء وهي من نِتاج الأرض, وفيه الدمُ وهو من نِتاج الهواء, وفيه البلغَمُ وهو من نِتاج الماء. وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة.
فجعَلوه العالَمَ الصغير, إذ كانَ فيه جميعُ أجزائِه وأخلاطِهِ وطبائعه. ألا تَرَى أنَّ فيه طبائعَ الغضبِ والرضَا, وآلة اليقين والشكِّ, والاعتقاد والوقف وفيه طبائعُ الفطنةِ والغَباوة, والسلامة والمكر, والنصيحةِ والغِشِّ, والوَفاء والغدر, والرياء والإخلاص, والحب والبُغْض, والجِدِّ والهزْل, والبخْل والجُود, والاقتصادِ والسّرَف, والتواضع والكبر, والأنسِ والوحشة, والفكرة والإمهال, والتمييز والخبْط, والجبْن والشجاعة, والحزم والإضاعة, والتبذير والتقتير, والتبذل والتعزز, والادِّخار والتوكُّل, والقَناعة والحِرْصِ, والرغبة والزُّهْد, والسُّخْط والرِّضا, والصبر والجزَع, والذِّكر والنسيان, والخوفِ والرجاء, والطمَعِ واليأس, والتنزُّه والطبَع, والشكِّ واليقين, والحياء والقِحَة, والكتْمانِ والإشاعة, والإقرار والإنكار, والعلم والجهل, والظلم والإنصاف, والطلب والهَرب, والحقْد وسرْعة الرضا, والحْدَّةِ وبُعْدِ الغَضب, والسرُّور والهمّ, واللَّذةِ والألَمَ, والتأميلِ والتمنِّي, والإصرارِ والنَّدَم, والجِمَاحِ والبَدَوات, والعيِّ والبلاغَة, والنطْق والخرَس, والتصميمِ والتوقف, والتغافُلِ والتفاطُن, والعفوِ والمكافأة, والاستطاعةِ والطبيعة وما لا يحصى عدده, ولا يُعرَف حَدُّه.
[من (كتاب الحيوان)]
تعليق