مقـامَــــة الـقلــــم( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ )
أنصت لميمية جاءتك من أممِ=مدادها من معاني نون والقلمِ
واكتب به أحرف العلياء إن له=نوراً من الحق يمحو حالك الظلمِ
يا أيها الذي جمع الحكم ، أما سمعت نون والقلم ، إن القلم شأنه عجيب ، ونبؤه غريب ، نحيف الجسم ، عظيم الاسم ، جميل الرسم ، إن خط في القرطاس ، أنصت له الناس ، بالقلم تجهّز الجنود ، وترفع البنود ، وتوثق العقود ، وتحل العهود، بحروفه تقضي المحاكم ، وترد المظالم ، وتقطع الجماجم ، وتعقد المواسم ، إن غضب فجر الدماء، وأباد الأحياء ، وأشعل حرباً شعواء ، وإن رضي منح المواهب ، وأعطى الرغائب ، وأهدى المناصب ، من حروفه يجنى العسل ، وتسل الأسل ، إن شاء فمداده سم الحيات ، وأم النكبات ، وسبب البلايا الموجعات ، وإن أراد جعل سطوره نورا ، وصيرها سرورا ، وملأها حبورا ، ونمقها حسناً منشورا ، هو رسول القرون الأول ، وخادم الدول ، وحافظ الملل والنحل ، إذا سال لعابه ، كثر صوابه ، وحضر جوابه ، وتزاحم عبابُه ، لا تسمع له كلاما ، ولكنه صار للحكمة إماما ، وللمعارف قائدا هماما ، لفظه أغلى من الياقوت ، به خط الوحي في الملكوت ، وهو الذي أخبرنا بطالوت وجالوت ، وهو أسحر من هاروت وماروت ، مصيبة القلم أنه يذيع الأسرار ، ولا يكتم الأخبار ، ولا يقر له قرار ، إذا تشجع ملأ الصفحات ، وعبأ المجلدات ، وبسط المختصرات ، وإذا جبن ألغز وأوجز ، وطلسم وأعجز ، وإن تحامل همز ، وغمز ونبز ، كتب به اللوح المحفوظ ، وسطر به العلم المحفوظ ، وقسم به رزق المنحوس والمحظوظ ، تخاطب به الملوك ، أهل الآفاق ، وتقطع به الجبابرة الأعناق ، ويخوف به الفسّاق ، ويحذر به أهل النفاق والشقاق، وسوء الأخلاق ، بالقلم يقضى الأمر ، ويقع القتل والأسر ، وينصت له الدهر ، وتسطر وقائع العصر .
أمضى من الألسنة ، لفظهُ ما أحسنه ، يخبر عن من مات من ألف سنة ، به تسطرّ كل سيئة وحسنة .
تصبح الأوراق به في حسن الرياض ، ويسّود به البياض ، ويذب به عن الأعراض، وبه تشفى الصدور ، من العلل والأمراض .
فتاك سفاك بتاك هتاك . كتوم غشوم ظلوم عزوم
هو الذي كتب رسائل الصفاء ، وهو دبّج أسطر الوفاء ، وهو سجل أخبار الخلفاء، دون السؤال والجواب ، والشكوى والعتاب ، والخطأ والصواب، وما كنت تتلو من قبله من كتاب ، بريشته تحل المعضلات ، وتشرح المشكلات ، وتصان المأثورات ، وتبقى المحفوظات . يخطب بلا صوت ، ويأكل بلا قوت ، ويجمع بين الحياة والموت ، به يرسم الهجر والوصل ، والولاية والعزل ، والجد والهزل .
به يقع العدل والحيف ، والحق والزيف ، وهو القاضي على السيف ، به تنسخ المعرفة ، وتنقل الفلسفة ، وتخط الزخرفة . يسفسط ويقرمط ، وينسج ويدبّج ، يهدم بكلمة بناء عام ، ويلغي بجملة كيد أقوام ، له غمغمة ، وهمهمة ، وتمتمة .
كم من عقل قلقله ، ومن قصر زلزله ، ومن بال بلبله ، ومن كيد أبطله . برسائله عرفت الأرض والسماء ، وعلى رسمه خلدت آثار الحكماء ، وبِتَصرفه سفكت الدماء ، وعلى حركته نسجت مآثر العلماء .
أفصح من اللسان ، وأحفظ من الإنسان . إذا حملته الأصابع ، فانتظر القوارع ، وارتقب الفواجع . له أزيز كأزيز المرجل ، ودبيب كدبيب الأرجل ، وحصاد كحصاد المنجل . عار من اللباس ، دقيق الرأس ، قوي البأس ، عظيم الأثر في الناس .
يشرب ولا يأكل ، ويجيب ولا يسأل . إن عبأته مدادا ، أحال بياضك سوادا . إذا غلط غطش ، وإذا احتد بطش . عقله مرهون ، وخصمه مغبون ، وعذابه غير مأمون .
إن خط بالأحمر قلت : هذا شفق ، أو دم على ورق ، وإن نسخ بالسواد ، صار المداد كنون عيون العباد . وإن كتب بالأخضر قلت : هذه طلعة بستان ، أو بهجة أفنان .
إذا سها رجع القهقرى ، وإذا شك مشى إلى الورى ، له رأس بلا عينين ، ولسان بلا شفتين ، وصدر بلا يدين ، لا يتكلم حتى يشبع ، ولا يخطب حتى يرضع، ولا يسكت حتى يوضع ، ولا يكتب حتى يقرع .
إن سلطته على مختصر شرحه ، أو على غامض أوضحه ، أو على سر فضحه ، أو على عاص نصحه .
إن كنت عربياً فهو أفصح من سحبان ، وإن كنت أعجمياً صار أنطق من الهرمزان، يسمعك وليس له أذنان . إن نمت نام ، وإن قمت قام ، وإن جوّعته صام ،وإن أهملته هام
متحذلق يقظ فإن أرسلته=أجرى لعاب رحيقه من صدره
بتار أعناق الأنام بلفظه=سلاب أفئدة الملوك بسحره
والقلم بيانك ، وهو طوع بنانك ، وهو حاضر الفكر ، كثير الشكر ، صاحب ذكر ، إن حمله اللوذعي ، وكتب به العبقري ، سالت أودية بقدرها ، وانبجست عين من حجرها ، وإن صحبه البليد ، وخط به الرعديد ، كثر عثاره ، وتبلد حماره ، وحجب عيونه غباره ، يوافق المزاج ، في الاستقامة والاعوجاج ، والثبات والارتجاج ، مسدد إلا إذا غضب ، ومليح إلا إذا عتب ، وفصيح إلا إذا حجب ، إذا انتهى زاده ، ونفذ مداده ، وقف جواده ، هوّنوا عليه اللوم وأقلوا ، فانه لا يمل حتى تملوا ، إن لقنته حكمة وعاها ، وإن أرسلته إلى ذاكرةٍ أخرج منها ماءها ومرعاها ، وهو الذي سطر الحكمة تسطيراً ، فلم يغادر منها قليلاً ولا كثيراً ، ولا صغيراً ولا كبيراً ، وإن قصد أحداً بالأذى فلن تجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ، يرقص على نبضات قلبك ، فإن أوقفت الإملاء نادى اذكرني عند ربك ، فذكرك غذاؤه ، وكفك حذاؤه ، ومدادك ماؤه ، وجيبك وعاؤه ، يعرف طريق النجاة ، وهو عظيم الجاه ، يعذر ولو جئنا ببضاعة مزجاة ، إن غلطت غلط ، وإن جهلت ركب الشطط ، لا يغفل الشكل والنقط .
صمت الخطباء وما صمت ، وسكت الشعراء وما سكت ، ومات الملوك ولم يمت ، حذر به المصطفى الأكاسرة ، وأنذر به القياصرة ، وخوّف به الجبابرة ، صدر به قتل الحسين ، وخط به خلع الأمين . وسطر به الوحي في طور سينين ، وروى لنا الجمل وصفين ، يشعل الحرب ولا يحضرها ، ويستودع الأسرار فينشرها ، يتململ في كفك تململ السليم ، ويتقلب تقلب السقيم ، ويبكي بكاء اليتيم ، خط به أفلاطون كتاب الجمهورية ، وأقام به المعتصم وقعة عموريَّة ، ونمّق به ابن تيمية الواسطيَّة ، والحمويَّة ، والتدمريَّة ، نقل لنا سيرة ابن إسحاق ، وحديث عبد الرزاق ، وعجائب الآفاق ، وأخبار العشاق ، نقض الصعلوك ، ودفع الشكوك ، ونادم المملوك ، يفهم بالإشارة ، ويرسم العبارة ، إن كتب به الأحمق تدفق ولم يترفق ، وضل ولم يوفق ، وإن كتب به الرجل الرشيد جاءك بالقول السديد ، والعلم المجيد ، والنقل الحميد .
يطير العلم من الرأس ، فيقيده القلم في القرطاس ، وإذا حمله الأمي قال لا مساس ، مَؤدّب لا ينتقد ، و مقلّد لا يجتهد ، يسهر بلا قيام ، ويجوع بلا صيام ، له كل يوم شجون ، وعنده من الحكمة فنون ، يخون الحفظ وهو لا يخون ، صغير الجرِم ، كبير الجرُم
واسمع أبا تمام يصف الأقلام في أبدع كلام :
لك القلمُ الأعلى الذي بشباته=تُصابُ من الأمر الكُلى والمفاصلُ
لعابُ الأفاعي القاتلات لعابُهُ=وأَرْيُ الجنا اشتارته أيدٍ عواسلُ
لهُ ريقةٌ طلٌّ ولكنَّ وقعَها=بآثارهِ في الشرقِ والغربِ وابلُ
فصيحٌ إذا استنطقتَهُ وهو راكبٌ=وأعجمُ إن خاطبتهُ وهو راجلُ
إذا ما امتطى الخمسَ اللطافَ وأُفرغت=عليهِ شعابُ الفكرِ وهي حوافلُ
أطاعتهُ أطرافُ القنا وتقوَّضت=لنجواهُ تقويضَ الخيام الجحافلُ
إذا استغزر الذهنَ الذكيَّ وأقبلت=أعاليه في القرطاسِ وهي أسافلُ
وقد رفدتهَ الخنصرانِ وسدَّدت=ثلاثَ نواحيهِ الثلاثُ الأناملُ
رأَيتَ جليلاً شأنُهُ وهو مرهفٌ=ضنىً وسميناً خطُبهُ وهو ناحلُ
الشيخ عائض القرني حفظه الله
أبو أنس
أنصت لميمية جاءتك من أممِ=مدادها من معاني نون والقلمِ
واكتب به أحرف العلياء إن له=نوراً من الحق يمحو حالك الظلمِ
يا أيها الذي جمع الحكم ، أما سمعت نون والقلم ، إن القلم شأنه عجيب ، ونبؤه غريب ، نحيف الجسم ، عظيم الاسم ، جميل الرسم ، إن خط في القرطاس ، أنصت له الناس ، بالقلم تجهّز الجنود ، وترفع البنود ، وتوثق العقود ، وتحل العهود، بحروفه تقضي المحاكم ، وترد المظالم ، وتقطع الجماجم ، وتعقد المواسم ، إن غضب فجر الدماء، وأباد الأحياء ، وأشعل حرباً شعواء ، وإن رضي منح المواهب ، وأعطى الرغائب ، وأهدى المناصب ، من حروفه يجنى العسل ، وتسل الأسل ، إن شاء فمداده سم الحيات ، وأم النكبات ، وسبب البلايا الموجعات ، وإن أراد جعل سطوره نورا ، وصيرها سرورا ، وملأها حبورا ، ونمقها حسناً منشورا ، هو رسول القرون الأول ، وخادم الدول ، وحافظ الملل والنحل ، إذا سال لعابه ، كثر صوابه ، وحضر جوابه ، وتزاحم عبابُه ، لا تسمع له كلاما ، ولكنه صار للحكمة إماما ، وللمعارف قائدا هماما ، لفظه أغلى من الياقوت ، به خط الوحي في الملكوت ، وهو الذي أخبرنا بطالوت وجالوت ، وهو أسحر من هاروت وماروت ، مصيبة القلم أنه يذيع الأسرار ، ولا يكتم الأخبار ، ولا يقر له قرار ، إذا تشجع ملأ الصفحات ، وعبأ المجلدات ، وبسط المختصرات ، وإذا جبن ألغز وأوجز ، وطلسم وأعجز ، وإن تحامل همز ، وغمز ونبز ، كتب به اللوح المحفوظ ، وسطر به العلم المحفوظ ، وقسم به رزق المنحوس والمحظوظ ، تخاطب به الملوك ، أهل الآفاق ، وتقطع به الجبابرة الأعناق ، ويخوف به الفسّاق ، ويحذر به أهل النفاق والشقاق، وسوء الأخلاق ، بالقلم يقضى الأمر ، ويقع القتل والأسر ، وينصت له الدهر ، وتسطر وقائع العصر .
أمضى من الألسنة ، لفظهُ ما أحسنه ، يخبر عن من مات من ألف سنة ، به تسطرّ كل سيئة وحسنة .
تصبح الأوراق به في حسن الرياض ، ويسّود به البياض ، ويذب به عن الأعراض، وبه تشفى الصدور ، من العلل والأمراض .
فتاك سفاك بتاك هتاك . كتوم غشوم ظلوم عزوم
هو الذي كتب رسائل الصفاء ، وهو دبّج أسطر الوفاء ، وهو سجل أخبار الخلفاء، دون السؤال والجواب ، والشكوى والعتاب ، والخطأ والصواب، وما كنت تتلو من قبله من كتاب ، بريشته تحل المعضلات ، وتشرح المشكلات ، وتصان المأثورات ، وتبقى المحفوظات . يخطب بلا صوت ، ويأكل بلا قوت ، ويجمع بين الحياة والموت ، به يرسم الهجر والوصل ، والولاية والعزل ، والجد والهزل .
به يقع العدل والحيف ، والحق والزيف ، وهو القاضي على السيف ، به تنسخ المعرفة ، وتنقل الفلسفة ، وتخط الزخرفة . يسفسط ويقرمط ، وينسج ويدبّج ، يهدم بكلمة بناء عام ، ويلغي بجملة كيد أقوام ، له غمغمة ، وهمهمة ، وتمتمة .
كم من عقل قلقله ، ومن قصر زلزله ، ومن بال بلبله ، ومن كيد أبطله . برسائله عرفت الأرض والسماء ، وعلى رسمه خلدت آثار الحكماء ، وبِتَصرفه سفكت الدماء ، وعلى حركته نسجت مآثر العلماء .
أفصح من اللسان ، وأحفظ من الإنسان . إذا حملته الأصابع ، فانتظر القوارع ، وارتقب الفواجع . له أزيز كأزيز المرجل ، ودبيب كدبيب الأرجل ، وحصاد كحصاد المنجل . عار من اللباس ، دقيق الرأس ، قوي البأس ، عظيم الأثر في الناس .
يشرب ولا يأكل ، ويجيب ولا يسأل . إن عبأته مدادا ، أحال بياضك سوادا . إذا غلط غطش ، وإذا احتد بطش . عقله مرهون ، وخصمه مغبون ، وعذابه غير مأمون .
إن خط بالأحمر قلت : هذا شفق ، أو دم على ورق ، وإن نسخ بالسواد ، صار المداد كنون عيون العباد . وإن كتب بالأخضر قلت : هذه طلعة بستان ، أو بهجة أفنان .
إذا سها رجع القهقرى ، وإذا شك مشى إلى الورى ، له رأس بلا عينين ، ولسان بلا شفتين ، وصدر بلا يدين ، لا يتكلم حتى يشبع ، ولا يخطب حتى يرضع، ولا يسكت حتى يوضع ، ولا يكتب حتى يقرع .
إن سلطته على مختصر شرحه ، أو على غامض أوضحه ، أو على سر فضحه ، أو على عاص نصحه .
إن كنت عربياً فهو أفصح من سحبان ، وإن كنت أعجمياً صار أنطق من الهرمزان، يسمعك وليس له أذنان . إن نمت نام ، وإن قمت قام ، وإن جوّعته صام ،وإن أهملته هام
متحذلق يقظ فإن أرسلته=أجرى لعاب رحيقه من صدره
بتار أعناق الأنام بلفظه=سلاب أفئدة الملوك بسحره
والقلم بيانك ، وهو طوع بنانك ، وهو حاضر الفكر ، كثير الشكر ، صاحب ذكر ، إن حمله اللوذعي ، وكتب به العبقري ، سالت أودية بقدرها ، وانبجست عين من حجرها ، وإن صحبه البليد ، وخط به الرعديد ، كثر عثاره ، وتبلد حماره ، وحجب عيونه غباره ، يوافق المزاج ، في الاستقامة والاعوجاج ، والثبات والارتجاج ، مسدد إلا إذا غضب ، ومليح إلا إذا عتب ، وفصيح إلا إذا حجب ، إذا انتهى زاده ، ونفذ مداده ، وقف جواده ، هوّنوا عليه اللوم وأقلوا ، فانه لا يمل حتى تملوا ، إن لقنته حكمة وعاها ، وإن أرسلته إلى ذاكرةٍ أخرج منها ماءها ومرعاها ، وهو الذي سطر الحكمة تسطيراً ، فلم يغادر منها قليلاً ولا كثيراً ، ولا صغيراً ولا كبيراً ، وإن قصد أحداً بالأذى فلن تجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ، يرقص على نبضات قلبك ، فإن أوقفت الإملاء نادى اذكرني عند ربك ، فذكرك غذاؤه ، وكفك حذاؤه ، ومدادك ماؤه ، وجيبك وعاؤه ، يعرف طريق النجاة ، وهو عظيم الجاه ، يعذر ولو جئنا ببضاعة مزجاة ، إن غلطت غلط ، وإن جهلت ركب الشطط ، لا يغفل الشكل والنقط .
صمت الخطباء وما صمت ، وسكت الشعراء وما سكت ، ومات الملوك ولم يمت ، حذر به المصطفى الأكاسرة ، وأنذر به القياصرة ، وخوّف به الجبابرة ، صدر به قتل الحسين ، وخط به خلع الأمين . وسطر به الوحي في طور سينين ، وروى لنا الجمل وصفين ، يشعل الحرب ولا يحضرها ، ويستودع الأسرار فينشرها ، يتململ في كفك تململ السليم ، ويتقلب تقلب السقيم ، ويبكي بكاء اليتيم ، خط به أفلاطون كتاب الجمهورية ، وأقام به المعتصم وقعة عموريَّة ، ونمّق به ابن تيمية الواسطيَّة ، والحمويَّة ، والتدمريَّة ، نقل لنا سيرة ابن إسحاق ، وحديث عبد الرزاق ، وعجائب الآفاق ، وأخبار العشاق ، نقض الصعلوك ، ودفع الشكوك ، ونادم المملوك ، يفهم بالإشارة ، ويرسم العبارة ، إن كتب به الأحمق تدفق ولم يترفق ، وضل ولم يوفق ، وإن كتب به الرجل الرشيد جاءك بالقول السديد ، والعلم المجيد ، والنقل الحميد .
يطير العلم من الرأس ، فيقيده القلم في القرطاس ، وإذا حمله الأمي قال لا مساس ، مَؤدّب لا ينتقد ، و مقلّد لا يجتهد ، يسهر بلا قيام ، ويجوع بلا صيام ، له كل يوم شجون ، وعنده من الحكمة فنون ، يخون الحفظ وهو لا يخون ، صغير الجرِم ، كبير الجرُم
واسمع أبا تمام يصف الأقلام في أبدع كلام :
لك القلمُ الأعلى الذي بشباته=تُصابُ من الأمر الكُلى والمفاصلُ
لعابُ الأفاعي القاتلات لعابُهُ=وأَرْيُ الجنا اشتارته أيدٍ عواسلُ
لهُ ريقةٌ طلٌّ ولكنَّ وقعَها=بآثارهِ في الشرقِ والغربِ وابلُ
فصيحٌ إذا استنطقتَهُ وهو راكبٌ=وأعجمُ إن خاطبتهُ وهو راجلُ
إذا ما امتطى الخمسَ اللطافَ وأُفرغت=عليهِ شعابُ الفكرِ وهي حوافلُ
أطاعتهُ أطرافُ القنا وتقوَّضت=لنجواهُ تقويضَ الخيام الجحافلُ
إذا استغزر الذهنَ الذكيَّ وأقبلت=أعاليه في القرطاسِ وهي أسافلُ
وقد رفدتهَ الخنصرانِ وسدَّدت=ثلاثَ نواحيهِ الثلاثُ الأناملُ
رأَيتَ جليلاً شأنُهُ وهو مرهفٌ=ضنىً وسميناً خطُبهُ وهو ناحلُ
الشيخ عائض القرني حفظه الله
أبو أنس
تعليق