*إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
• (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون).
• ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لايحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين).
• ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).
مآتم الظلم تتلوهن أعياد
إياك أن تجزعي إياك بغداد
أم استبد بأهليك الطغاة أذى
وراح يمتحن الأحرار جلاد؟!
ماكان للظلم أن يمحو عقيدتنا
ولن يروق لنا كفرٌ وإلحادُ
نهاية الظلم يابغداد واحدة
الله، والحق، والتاريخ أشهاد
أيها الأحبة:
عن ماذا أتحدَّث ؟
ليست العبرة أن نسرد التاريخ، ولكن العبرة أن نستفيد من التاريخ، وأن نستفيد من الأحداث، وأن تتربَّى الأمة من أحداثها.
هذه الأحداث التي جرت، وسقوط بغداد، فيها عبر وفيها دروس، أوجزها بمايلي:
فأقول : مقتصراً على أهمِّ الدروس والعبر:
أولاً: السؤال الكبير :
هل فعلاً انتصرت أمريكا وحلفاؤها ؟
الناس يتحدثون عن هذا الانتصار،ولكنني أقول لكم:
نعم، حققت أمريكا بعض المكاسب، لكنها لم تنتصر.
تحقيق المكاسب شيء، والانتصار شيء آخر.
بل إنني جلست أتأمل في الهزائم والخسائر والنكبات التي حققتها أمريكا من خلال هذه الحملة الظالمة الباغية الطاغية على العراق، وما تتوعد به من حملات آتية، فوجدتُ أن خسائرها وأن هزائمها تتفوق أضعافاً مضاعفة على ما بدا لنا من بعض الانتصارات والمكاسب السريعة.
هذه مسألة آمل ألاَّ تستغرقنا اللحظة الحاضرة فيما نشاهده، عن الحقيقة الكبرى التي كنت أتحدث بها منذ فترة طويلة، ولا أزال، وسأظل – بإذن الله – حتى نرى الأمر عياناً بياناً وهو : سقوط هذا الصنم . سقوط هذه الدولة الظالمة الباغية الطاغية: أمريكا، ومن معها.
أمريكا نعم دخلت بغداد، ودخلت العراق.
نعم.. حصلت على بعض المكاسب..
وعندما أتحدث عن أمريكا فغيرها تبع لها، ولكنها خسرت خسائر جمَّة أذكر بعضها على سبيل الإشارة لاعلى سبيل الحصر، فالمقام لايتسع لذلك.
1. أمريكا سقطت أخلاقياً.. وما أحدثته في هذه الحرب مما تهون عنده جرائم وردت في التاريخ .. يبين أن أمريكا لم تلتزم بأي ميثاق بشري ولاغيره من مواثيق الحروب التي نزلت في الكتب السماوية أوحتى التي أقرَّتها بعض القوانين البشرية، بل حتى ما أقرَّته أمريكا نفسها من قوانين لم تلتزم بها في هذه الحرب، فهي سقطت أخلاقياً.
واطمئنوا، إذا سقطت أخلاقياً فستسقط من أرض الواقع – بإذن الله – .
2. أمريكا سقطت – كما قلت أكثر من مرة – دولياً .. لتحديها دول العالم، ونُشرت احصائية – أشرت إليها في الدرس الماضي – مذهلة لبعض الدول الصديقة لأمريكا حيث وصلت شعبيتها في بعض تلك الدول إلى 25%، بل إلى 12%، وهي في نزول وانهيار – والحمدلله – بسبب حملتها الظالمة الجائرة، وتحديها العالم أجمع.
وهذا مكسب ضخم .. ماكان يتوقع أحد أن يتحقق في هذه الفترة الوجيزة القصيرة من عمر التاريخ !
شعبية أمريكا خلال سنة فقط انهارت أكثر من 50%..
والأيام القادمة .. والشهور القادمة .. والسنوات القادمة – بإذن الله – تحمل مزيداً من العداء والكُره والبُغض لأمريكا..
وقلت لكم أكثر من مرة . إذا أراد الله سقوط دولة، أسقطها من قلوب الناس قبل أن تسقط من أرض الواقع، فكما سقطت روسيا الشيوعية من قلوب الناس،حتى من المؤيدين لها، ثم سقطت من أرض الواقع، هاهي أمريكا تسقط من قلوب الناس حتى من كان يؤيدها قبل سنتين فقط، ويدافع عنها، وهذا مؤذن بسقوطها – بإذن الله – من أرض الواقع.
3. كانت أمريكا قبل سنة فقط تتهم المسلمين بالإرهاب، وليس الغريب أو العجيب أن تتهم أمريكا المسلمين بالإرهاب، فهذا ديدنها، وإنما المشكل أن الكثير صدَّق هذه الدعوى، وهذه الحملة، حتى إن بعض المسلمين، وبعض المحسوبين على الإسلام، ومن يتكلم بلغتنا، بل من بني جلدتنا صدَّق هذه المقولة فأصبح في كتاباته يكتب عن الإرهاب الذي تتحدث عنه أمريكا، وهو لايعلم أو يعلم أنها تقصده هو، فضلاً عن غيره، وماهي إلا شهور فينكشف للعالم أن أكبر دولة إرهابية في العالم هي : أمريكا .
أمريكا هي حاضنة الإرهاب، وداعمة الإرهاب، سواء في فلسطين وفي أقطار عدة من العالم.. وبالمناسبة ليس هذا جديداً، ولكنه لم ينكشف إلا أخيراً، وإلا قبل ثلاثين سنة وأمريكا تحمي الإرهاب في مواطن عدة من أنحاء العالم.. الإرهاب الحقيقي، سواء إرهاب اليهود أو المنظمات الإرهابية الحقيقية، كانت أمريكا هي التي تدعمها، وكانت أمريكا هي التي تمدَّها..
لم ينكشف هذا للعالم، وماكان يعرفه إلا خواص الناس والساسة، والمتخصصين فإذا هو ينكشف للعالم أنه لاأحد يجاري أمريكا في إرهابها..
وماحدث في بغداد، وفي العراق، وما تتوعد به الآن دليل على ذلك.
بعد دخول بغداد.. سئل وزير الدفاع الأمريكي :
أين أسلحة الدمار الشامل ؟
انظروا لهذه الإجابة الخبيثة التي تدل على ما تخفي صدورهم، وما نطقت به ألسنتهم، وما تخفي صدورهم أكبر.. قال:
إن أسلحة الدمار الشامل يبدو أنها هُرِّبت إلى سوريا..!! وهو أراد أن يكسب شيئين:
1- أن يقول للناس: نحن ما كذبنا أن في العراق أسلحة دمار شامل، لكن هرَّبها إلى سوريا.
2- وحتى تكون ذريعة لمواجهة سوريا التي بدأت لها التهديدات الآن، وإذا دخلوا سوريا – وأسأل الله أن لا يحقق أمنيته – سيقول: هُرِّبت إلى البلد الفلاني، وهكذا دواليك..
والمعركة قائمة الآن.. اليوم ذكرت الصحف أن أحد كبار المسئولين في أمريكا انضم – قالت انضم – لعدد من المسئولين الأمريكان الذين يهددون عدداً من دول المنطقة، وخاصة بعد ما رأوه من انتصار – والله المستعان –.
إذن هذا.. بيَّن من أصبح الإرهابي ؟هذا مكسب: أن يعرف العالم أن أمريكا هي داعمة الإرهاب، وداعية الإرهاب.
4. أيضاً.. أمريكا دخلت بغداد.. ولكنها دخلت معركة لن تنتهي – بإذن الله – إلا بهزيمتها الساحقة.. دخلت في حروب ومواجهات لن تنتهي، بل ما حدث في العراق، وفي بغداد، ليس إلا أول المعركة، وهذا قلته لكم قبل ثلاثة أسابيع بل إنني قلت بعد بدء ضرب بغداد بساعات بموقع: (الإسلام اليوم) قلت: لم تبدأ المعركة بعد.. أي أن المعركة في بدايتها، والمعركة طويلة، وطويلة وطويلة..
وأبشروا وأسأل الله أن تكون قصيرة، وستكون بهزيمة أمريكا وحلفائها – بإذن الله –.
إذن هي لن تنعم بالأمن.. لن تنعم بالراحة.. لن تنعم بالهدوء.. لن تستقر لا في داخلها، ولا في خارجها.. لن تستقر مصالحها في الخارج، ولا في الداخل، وهذا لاشك هزيمة لأمريكا بدل أن كانت من أكثر دول العالم أمناً مع وقوع الجرائم، لكن كانت الجرائم فردية، الآن دخلت في مواجهات أكبر من ذلك..
5. وأخيراً.. انكشفت أمريكا على حقيقتها، وسقطت شعارات العدالة والحرية، والديمقراطية التي طالما تغنَّت بها أمريكا، وصدَّقها المغفلون من أبناء المسلمين، فضلاً عن غيرهم من العالم.
وأعطيكم مثلاً واحداً برهاناً على ذلك:
أليست الحملة اسمها: (حملة حُرِّية العراق).
ثمَّ.. سقطت بغداد.. ما الذي حدث في العراق ؟ انتهى النظام – كما أعلن الرئيس الأمريكي نفسه – بدأ النهب والسلب والقتل والاقتتال بين أبناء العراق من المسلمين وغيرهم.. وعندما أقول: (أبناء العراق) لا يعني أنهم كلهم من المسلمين..
أين الحُرِّية التي جاءت بها أمريكا ؟ جاءت الفوضى، وجاء الدمار، وجاء الإخلال بالأمن، وجاءت السرقات.. هذه هي حُرِّية العراق، كما تفهمها أمريكا..
باختصار.. هذه بعض الهزائم الضخمة بعيدة المدى التي حققتها أمريكا في هذه الحملة، فمن المنتصر ؟
هل انتصرت ؟ قد تكون انتصرت في بادي الأمر، أو حققت بعض المكاسب، ولكنها في الحقيقة لم تنتصر، ولن تنتصر – بإذن الله – .
هذا درس عظيم.. حتى لا نعيش اليأس والقنوط والتشاؤم والاستسلام، كما يروِّج له البعض من بعض الكُتَّاب الذين يقولون: هذه أمريكا، وهذا جزاء من يواجهها، فهم يهيئون لمرحلة قادمة من أجل الاستسلام لهذا العدو الغاشم.
ثانياً: الدرس الثاني، وهو درس عظيم:
سقوط الشعارات الوثنية من قومية وبعثية وغيرها بشكل لم يكن يتصوره أكثر الناس.
وهذه الشعارات – أيها الإخوة – سبق أن ذكرت لكم في محاضرة.. في كتاب: (رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية) قبل سنتين، وقلت:
إنه تحقق في فلسطين انتصارات ضخمة، ومن أعظم هذه الانتصارات:
سقوط الشعارات العلمانية والبعثية والقومية وغيرها في فلسطين، ولم يبق إلا راية الإسلام، هي التي تواجه اليهود في فلسطين.
هذا مكسب ضخم، الآن المعركة متعددة بين اليهود وبين المسلمين في داخل فلسطين ومن يرفع راية الجهاد، وسقطت جميع تلك الشعارات التي قبل ثلاثين سنة تقول: سنلقي إسرائيل في البحر.
هذا السقوط مكسب ضخم..
الآن أيضاً: سقوط ركن من أركان الظلم، وهو الحكم البعثي في العراق.. لا شك أنه مكسب، وسقوط هذا الشعار: شعار القومية أو شعار البعثية،كل الشعارات الوثنية ستتساقط بإذن الله.
وهنا – أيها الإخوة – آمل أن ترعوني أسماعكم لحقيقة تنمو وتكبر يوماً بعد يوم، أقول لكم – واثقاً بوعد الله وبنصره – .
إن الإسلام قادم، وإن النصر قادم، وإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
الذي يرقب المسيرة منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة، يلحظ هذا الأمر: تتهاوى عروش ضخمة عدوة لله ولرسوله، وترتفع رايات قوية تنصر دين الله – جل وعلا.
- هوت الشيوعية، وهي عقبة كؤود أمام المسلمين.
- هوت المنظمات التي كانت في داخل المسلمين: القومية، الناصرية، البعثية، العلمانية، كثير.. هوت الآن.. ومن لم يهوِ منها يتهاوى.. وهذا أيضاً انتصار ضخم للمسلمين، والآن تتهاوى أمريكا.. وهذا انتصار ضخم للمسلمين.
في النهاية: المسلمون يرتفعون، ويعودون إلى ربهم، ويدركون فعلاً كيف يكون لهم المستقبل – بإذن الله – وأعداؤهم يتهاوون واحداً تلو الآخر.
لو أحصينا – خلال ثلاثين سنة – ما سقط من أعداء لأمة الإسلام ولهذا الدين فإذا هي أعداد ضخمة – كما أشرت لكم – سواء خارج بلاد المسلمين أو في داخلها. وهذا يجب أن لا نغفل عنه، وهو مكسب لا بد أن تمر به الأمة حتى تحقق النصر.. (ولكنكم تستعجلون).
إذن: سقوط البعثية، سقوط القوميات، سقوط الشعارات التي أقضَّت الأمة، وأزعجت الأمة زمناً طويلاً.. ثلاثين أو أربعين سنة.. هذا انتصار للأمة، لا يقدَّر بثمن، ولكن لا تزال الأمة أمامها طريق طويل من أجل أن تعيد مجدها وعزّها – بإذن الله.
ثالثاً: أيضاً من هذه الدروس:
قارن بعملية يسيرة: بين مواجهة المسلمين لأعدائهم، في أفغانستان عندما واجهوا روسيا، أو في فلسطين وهم الآن يواجهون اليهود، أو في الشيشان وهم يواجهون أيضاً الروس، أو في كشمير وهم يواجهون الهند مع قلة عددهم وعدتهم، وثباتهم إلى الآن، ويزدادون ثباتاً بعد ثبات – والحمد لله – .
بينما دولة ضخمة كالعراق، بأسلحتها وأموالها ونظامها وأرضها تهوي في ثلاثة أسابيع. يعطينا حقيقة لامجال فيها :
أن الذي يقف أمام مد الطغيان والكفر هو الإسلام.
وأن جميع الشعارات مهما كانت قوتها لاتستطيع أن تقف مع من هو أقوى منها، أما إذا كان الإسلام هو المقابل فإنه يثبت ثبوتاً يبهر أعداءه قبل أصدقائه.
وهنا أعطيكم قاعدة :
أن سنن الله . الكونية إذا تدافعت غلب الأقوى، أما إذا انضمَّت السنة الشرعية فإنه في هذه الحالة تكون القوة والغلبة للسنة الشرعية : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) ( ولما برزوا لجالوت وجنوده) وهم قلة ضعفة، عددهم محدود، ودعوا الله: ( ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) ( فهزموهم بإذن الله، وقتل داود جالوت) سبحان الله .. ( قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال: كلا، إن معي ربي سيهدين).
إذن . ثبات المسلمين في أفغانستان حتى سقطت روسيا، وليس فقط حتى خرجت من أفغانستان،وثبات المسلمين الآن على قلتهم وضعفهم في فلسطين، واليهود يعانون معاناة وهزيمة ورعباً في داخل فلسطين – زادهم الله رعباً وذلاً –، وفي الشيشان .. عدد سكان الشيشان كله رجاله ونساؤه، كباره وصغاره .. المجاهدون وغير المجاهدين، كلهم قرابة مليون، والجيش الروسي مليون، الجيش الروسي المدجج بالسلاح مليون، وثابتون منذ قرابة عشر سنوات وفي كشمير يواجهون دولة طاغية ظالمة باغية، تملك سلاحاً نووياً وأسلحة فتاكة، وثابتون منذ سنوات عدة – والحمد لله – .
فأبشروا بالخير.. أليس هذا من الانتصار ؟
لامكان لليأس .. لامكان للتشاؤم.. ولكن مرة أخرى أقول :
إن الطريق طويل، ويحتاج إلى صبر وتحمُّل وبُعد نظر وعدم استعجال.
رابعاً / من هذه الدروس التي نقف معها :
هو ما أشرتُ إليه عندما قلت :
لن يقف أمام اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر إلا المجاهدون الصادقون، وهذا يتطلَّب استعداداً مبكراً، واستثماراً لكل الفرص، مع عدم الاستعجال أو اليأس أو القنوط.
وهذا حديثنا مع سورة يوسف – إن شاء الله – بعد الآذان. حيث سأبيِّن أن جميع مقوِّمات النصر، والتي تحقَّق بها انتصار يوسف موجودة في سورة يوسف وسيرته – عليه السلام – فإذا أخذنا بها حصل لنا العز والتمكين، كما حصل ليوسف.
خامساً: من الدروس :
ظهر الرافضة على حقيقتهم،فما أن تمكنوا، واطمأنوا إلى تمكن أمريكا، فإذا هم يعيثون في الأرض فساداً .. وإذا هم يبدأون في قتل إخواننا أهل السنة، وهذا ماكان يخشاه إخواننا من قبل الحرب، أما المقاومة التي حدثت في أول دخول القوات الأمريكية فلها عوامل وأسباب ليس هذا مكان بيانها، وتفاصيل أدعها لحينها،أما الحقائق فقد ظهرت الآن .. وهذا يظهر قوة العلاقة بين أمريكا والرافضة، منذ سنوات ونحن نقول هذا الكلام.
ومن أبرز مظاهر ذلك : أن الذين رحَّبُوا بالقوات الأمريكية عندما دخلت بغداد أغلبهم من الرافضة، ما أقول كلهم من الرافضة، أغلبهم من الرافضة.
وهذا ليس كلامي أنا، وإنما كلام وسائل الإعلام الغربية…
القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الغربية ذكرت : أن الذين رحَّبُوا بأمريكا أكثرهم من الرافضة.. وليس هذا غريباً عليهم.
ثم الآن أكثر الزعماء الذين برزوا – لاأريد ذكر أسماءهم – كلهم من الرافضة، وأثبتوا عمالتهم لأمريكا ومساعدتهم لأمريكا قبل دخولها.. واقرأوا الصحف تجدون هذه الحقيقة .. كأحمد الجلبي وغيره، وحزام التميمي .. وتميم بريئة منه.. هذه حقائق.. قوة العلاقة بين أمريكا والرافضة قديمة.. وتذكرون في هذا المكان قلت لكم قبل ستة أشهر تقريباً أو خمسة أشهر قلت :
إن (70%) في دراسة استطلاعية أجريت في إيران، تطالب بتوثيق العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية .. حقائق.. أرقام.. فأين دعاة التقريب ؟ أين دعاة التسامح ؟ أين الذين يقولون – مع كل أسف – لاداعي لإثارة الفروق المذهبية ؟
من قال : إن خلافنا مع الرافضة هو فروق مذهبية ؟!
نعم .. لاداعي لإثارة الفروق المذهبية بين الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة .. نعم.. لايجوز هذا الأمر .. وهذا يخدم العدو.
أما الرافضة نحن نختلف وإياهم في الأصول لافي الفروع.
والحقيقة: أننا لانلتقي وإياهم أبداً في الطريق.
لانخدع بما يقال، فهم من أكثر الناس كذباً على مر التاريخ..
اليهود على كذبهم، لم يصلوا في الكذب كما وصل إليه الرافضة، لماذا ؟
لأن الكذب عند الرافضة جزء من عقيدتهم أدخلوه باسم التقية، فهم يخدعون الناس، ويكذبون على الناس، ولكن عندما تظهر الحقائق يظهرون على حقيقتهم.
فأقول لهؤلاء المخدوعين من أبناء جلدتا:
رويدكم، إياكم أن تخدعوا، وإن كنتم منخدعين فلا تخدعوا غيركم من أبناء الأمة .
نعم .. أنا أقول: قد تقتضي المصلحة الشرعية والسياسة الشرعية أن نتقي شرهم كما نتقي شر غيرهم، وهذا يُحدَّد في مكانه وزمانه وأسلوبه ضمن الأطر الشرعية، وأصول الشرع تقضي بأن المفسدة الكبرى قد تدفع بالصغرى.
أما أن نقول : إنه ليس بيننا وبينهم فروق فهذا باطل وخداع !! .. بل إنني أدعو هنا إلى دعوة الرافضة للإسلام الصحيح،وقد حقَّقت هذه الدعوة نجاحاً ضخماً – والحمدلله – في عدد من مناطق المملكة، وفي غيرها.. أن يدعوا إلى الإسلام، والالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، وهذا أمر قصَّرنا فيه كثيراً فاستغله الأعداء.
وموقفي من الرافضة قد بيَّنته في مذكرة قدمتها لهيئة كبار العلماء قبل قرابة عشر سنوات بعنوان : الرافضة في بلاد التوحيد – كفانا الله شرَّهم – .
هذه حقيقة ظهرت مع الأحداث، لابد أن نكون على يقظة وتنبه لها.
سادساً: من الدروس العجيبة :
نهاية الظالمين ..
وهي سنة كونية، طال الزمن أوقصر، فإن لهم موعداً لايستأخرون عنه ساعة ولايستقدمون.
فهذا ظالم سقط، وهذا مؤذن بإذن الله بسقوط من هو أعظم منه ظلماً وهي أمريكا ومن معها، واليهود ومن معهم، وكل من حالفهم أو أيدهم، فهذه نهاية الظالمين.. درس عظيم من دروس سقوط بغداد (( إن ربك لبالمرصاد))، (( فلا تحسبنَّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون)) (( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)).
سابعاً: من الدروس أيها الأحبة:
عدم الاستعجال . والثقة بوعد الله، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك .
ومن أسباب تأخر النصر :
أن الأمَّة ليست أهلاً له الآن – والعلم عند الله – .
وواقعها العام والخاص يشهد بذلك، وإلا فوعد الله لايتخلف أبداً، ولكن تتخلف أسبابه، وتوجد موانعه، فإذا توافرت الأسباب، وزالت الموانع تحقَّق النصر بإذن الله (وعدالله، لايخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لايعلمون).
فلا تستعجلوا.. أبشروا بالخير وأمِّلوا واثبتوا واصبروا وصابروا، وسترون – بإذن الله – أويرى أبناؤكم ما يسرُّهم ويسر هذه الأمة .
المهم .. أن نأخذ بأسباب النصر، وأن لانقف متفرجين .. ( يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ماقاتلوا إلا قليلاً ) .
مما أظهرته الأحداث وتأثرت له كثيراً :
الحاجة إلى إصلاح الأمة في عامتها وخاصتها.
ففي الوقت الذي كان الطغاة البغاة يدخلون بغداد ويستبيحون هذه الدولة المسلمة بشعبها المسلم،فإذا مباراة تقام في الوقت نفسه يحضرها أكثر من (50) ألف متفرج!!!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..!!
والله يا أحبتي .. إنها لمأساة .. حتى في هذه اللحظات ؟! أكثر من (50) ألف، غصَّت بهم المدرجات، يصيحون ويصفِّرون ويشجِّعون..!!
يشجِّعون ماذا ؟ وقوَّات الصليب تجتاح بغداد!
ألا نستحي من الله ؟ ألا نخاف من الله ؟ ما أحلم الله علينا! ما أحلم الله!
فيا أحبتي الكرام .. لانتساهل في هذه المسائل..
الأمة بحاجة إلى إصلاح في داخلها من أفرادها ومن عامتها وخاصتها، كلٌ منايبدأ في بيته..
كثيراً مانسمع النقد للدول وللمؤسسات.. لكن مامدى تطبيق الإسلام على بيوتنا وعلى أنفسنا ؟ كل منكم ينظر إلى بيته الآن، بل إلى نفسه:
مامقدار قيامه بأمر الله – جل وعلا – في صلاته، في عبادته، في إنابته، في أخذه بالحق، في ماله، في أكله، في شربه، في تربية أبنائه..
بل إن البعض بسبب هذه الأزمة أدخلوا آلات اللهو والدشوش إلى بيوتهم باسم متابعة الأخبار، فأدخلوا بلاء ً عظيماً إلى بيوتهم.
الاستراحات .. المقاهي مليئة بالشباب.. ماذا يفعلون في تلك المقاهي والاستراحات ؟
الأسواق مليئة بما مايغضب الله – جلََّ وعلا – وهذه تكون من أسباب العقوبة – أيها الأخوة – .
( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ) 000.
هذه سنة كونية، إذا أردا الله إهلاك قرية، إهلاك أمة، إهلاك بلد تسلَّط المفسدون السفهاء، فعبثوا فيها وأفسدوا فحق عليها القول .. حق عليها العذاب، فيدمِّرها الله تدميراً .
الناس الآن لايستمعون إلى المواعظ، لوجاء أحد يعظهم لملَّوا، ولذلك فإني أقول لكم : أول مانبدأ بالوعظ في أنفسنا، وفي بيوتنا، وأن نقيم حِلَق الذكر في بيوتنا، ومع أهلنا وعشيرتنا،وفي مساجدنا، هذا العدد الذي يستمع إلى هذه الكلمة أمامي الآن،هذا العدد الطيِّب الخيِّر، لو أنهم بثَّوا وانتشروا في مناطق عدة، وذكَّروا ووعظوا لأحيوا الأمة، وإلا فإنني أخشى من عقوبة، ونحن نتفرج الآن على العقوبات تحل بالبلاد القريبة منا.
أفنأمن ونطمئن ؟
هل بيننا وبين الله عهد وميثاق أن يمنع عنا العقوبة إلا بالالتزام بدينه ؟
فإذا تخلينا عن دينه، وعن عقيدتنا فأخشى أن يحلَّ بنا ماحلَّ بغيرنا !
فعودوا إلى الله .. توبوا إلى الله .. واقع مؤلم.. الأحوال لم تتغير.. لم يعد الناس إلى الله – جل وعلا –، ولذلك صدقت كلمة الإمام/ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – عندما قال هذه الكلمة العجيبة الرائعة :
إن مشركي زماننا أشد شركاً من الأولين.
لأن الأولين إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، أما مشركوا زماننا فلا يعودون إلى الله، لافي السرَّاء ولافي الضرَّاء.
هذا درس عظيم من هذه الدروس: المبادرة .. المبادرة، قبل حلول العقوبة.
ثامناً: أيضاً من هذه الدروس:
سذاجة الشعوب وبساطتها.
شعوب ساذجة بسيطة، سواء المعجبون بصدام، أو المعجبون المرحِّبون بأمريكا.
كم ضاعت الأمة وهي تصفِّق للطغاة.
عشرون سنة أو ثلاثون سنة تصفِّق لصدَّام، وقبل صدَّام كانت تصفِّق لآخرين هووا وذهبوا، والآن يسقط صنم، فيرحبون بأمريكا ببساطة وسذاجة عجيبة جداً .
إذن هذا يحتاج إلى إصلاح الأمة، وإلى بث الوعي فيها أكثر من أي وقت مضى.
تاسعاً: من هذه الدروس:
إن الأمة – في هذه الأحداث – ثبت أن فيها أخياراَ وصلحاء، وعلماء ومجاهدين، ورجال من المجاهدين الذين أثبتت الأحداث صدقهم وضربوا لنا، وفتحوا صفحات مشرقة بإيمانهم وحسن ظنهم بربهم، ذكَّرونا بعهد السلف – رضوان الله عليهم – من الرجال والنساء.
الأمة فيها أخيار، الأمة فيها خير، فيها صلاح، في الوقت الذي أقول وبغداد تسقط وكان أكثر من (50) ألف يتفرَّجون على مباراة، مع ذلك لدينا من الأخيار والشباب الصالحين والعلماء رجالاً ونساء مايسر – والحمد الله – .
الآن عدد النساء اللاَّتي أقول إنهن من العالمات، لاأستطيع أن أقول إنهن بالمئات أبالغ، ولكنهن بالعشرات – والحمد لله – .
أما الداعيات والخيِّرات فهن بالمئات، إن لم يكن أكثر من ذلك.
منطقة الرياض فقط فيها (200) دار نساء، فيهن أكثر من (40) ألف امرأة، مجموع المنتمين لجماعة تحفيظ القرآن – كما سألت قبل يومين – في الرياض فقط، والقرى المحيطة،أكثر من مائة ألف فرد، يحملون القرآن، ويحفظون القرآن، ويقبلون على القرآن .. هذا فقط في الجماعات الخيرية، دون مدارس تحفيظ القرآن، ودون عدد من المدارس التي لاعلاقة لها بدور التحفيظ … غير أولئك الذين في داخل بيوتهم، أو في الجامعات .. هذا في مدينة الرياض فقط…
الخير موجود .. ثبت في هذه الأحداث أن هناك رجالاً يتألَّمون ويتحسَّرون على واقع أمَّتهم، من أكثر مايأتينا من الرسائل هي الدعوة للجهاد، وطلب الجهاد، والاستعداد للبذل بالمال والنفس والأهل.
الأمة فيها خير كثير، ولكنها تحتاج إلى جمع هذه الجهود وترتيب هذه الجهود، حتى لاتذهب هباء.
عاشراً: من الدروس العجيبة :
أن الجيوش والأمم إذا رُبيَّت على خدمة الأفراد وطاعتهم هُزِمت في لحظات،أما إذا رُبِّيت على طاعة الله – جل وعلا – انتصرت، وعاشت بين الأمم .
الأمة بُلِيت في عصورها المتأخرة بعدد من الدول التي تربِّي أفرادها على حب الأفراد والطاعة للأفراد، الطاعة العمياء من دون الله – جل وعلا – .
ومن آخر الأمثلة في ذلك :
ماحدث في العراق، فلما هوى الصنم استسلم الجميع.
وقد انتبه لهذا أبو بكر – رضي الله عنه – ، وانتبهوا للمقارنة :
لما توفِّي – صلى الله عليه وسلم – وكان الموقف الذي وقفه بعض الصحابة من هول الصدمة والمفاجأة، حتى قال بعضهم، كما قال عمر : إن محمداً– صلى الله عليه وسلم – لم يمت، قام أبو بكر فقال قولته – التي تعتبر من أقوى مواطن الثبات – :
( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات،ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت).
هذا في حق محمد – صلى الله عليه وسلم – فكيف بتعبيد الناس للطواغيت وللأصنام..
إذا تهاوى الصنم تهاوى الجميع، أما إذا عُبِّدت الأمة لله،في حبها في بغضها في كل شأنها ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
إذا عُبِّدت لله كانت النتائج الباهرة، ولذلك قلت لكم : انظروا سرعة السقوط في بغداد، والثبات الذي ثبته المجاهدون في فلسطين وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي كشمير، وفي غيرها، زادهم الله ثباتاً وعزاً ونصراً .
لانهم هناك عُبِّدوا لله، لم يُعبَّدوا لمنظمة ولالفرد، حتى لوكان صالحاً..
وأذكر لكم قصة حدثت معي شخصياً أيام جهاد أفغانستان :
كنت في زيارة إلى هناك من أجل مساعدة إخواننا في أفغانستان، عندما كانت منظماتهم تعمل في باكستان، فسألت (سيَّاف) سؤالاً لاتزال إجابته ترن في أذني، قلت له : إن مما لاحظته أن بعض زعماء المجاهدين الأفغان يرفعون صورهم في معسكراتهم، والأفراد التابعين لهم، وأنت أراك لاترفع أي صورة لك .
قال : إن جهادنا لله – جل وعلا –، ونحن نجاهد في سبيل الله، فإذا رفعت صورتي سيتحوَّل جهادي من أن يكون لله ليكون دفاعاً عن هذه الصورة، فأنا لاأريد أن أرفعها حتى تبقى نيتي لله – جل وعلا – وصدق !
مجرد رفع صورة قد يحوِّل الولاء فيكون للأفراد بدلاً من أن يكون لله.
ولذلك لمَّا دخل المجاهدون كابل بدأت العصبية الشخصية والفردية التي دمَّرت أفغانستان – كما تعلمون – .
هذا يتعصَّب لهذا الزعيم، وهذا يتعصَّب لهذا الزعيم، وهذا يتعصَّب لهذه القبيلة، ولهذه الطائفة حتى حلَّ بأفغانستان مالايخفى عليكم.
فلذلك علينا أن نعبِّد الناس لله، ولا نعبِّدهم لأحد من البشر كائناً من كان، فإذا كان أبو بكر – رضي الله عنه – يقول في حق محمد – صلى الله عليه وسلم – :
(من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لايموت)
فكيف يعبَّد الناس لأمثال هؤلاء !
وهذه نتيجة مؤلمة رأينا حقيقتها في بغداد، وقبل ذلك في دول أخرى .
الحادي عشر: أيضاً من هذه الدروس:
نحن عاطفيون
العاطفة مهمة وجميلة وجيدة، لكن يجب أن تخضع للعقل، والعقل يجب أن يخضع للشرع.
لاحظوا: بدأ سقوط بغداد بعد العصر!
بعض الإخوان كان يقنت في كل يوم العشاء، أوقف القنوت في صلاة العشاء!! سبحان الله .. حتى العشاء ماقنت ! قال : خلاص انتهى الأمر!
والأسئلة ! لاأحصي ماجاءني من أسئلة : هل نقنت أو نوقف القنوت ؟
الآن حاجة المسلمين للقنوت أكثر من حاجتنا من قبل، لأن العدو الذي جاءنا أعظم ظلماً وطغياناً وكبراً من الظالم الأول.
ومأساة العراق التي كنا نقنت من أجلها، الآن تتحوَّل إلى مأساة العراق، ومأساة المسلمين أجمعين.
التهديدات الآن على قدم وساق، اقرأوا وسائل الإعلام.. تهديدات لدول تهديدات لشعوب .. تهديدات لأنظمة..
وهكذا يفعل المنتصر إذا كان ظالماً طاغياً باغياً، لايفكِّر في السنن الكونية، فأقول: العاطفة جميلة وجيدة، لكن يجب أن تحكم بالقواعد الشرعية، والضوابط الشرعية.
الثاني عشر: من تلك الدروس التي رأيناها:
قوة الإعلام
والحرب خدعة – كما قال النبي صلى الله عليه وسلم – .
أستطيع أن أقول : إن الإعلام هو الذي أدار المعركة أكثر من السلاح !
والغرب متفوِّقون – قاتلهم الله – في هذا الأمر.
وإعلام بعض الدول العربية هو الذي أحدث الهزيمة في نفوس المسلمين، لأنهم كانوا يعطون أرقاماً خادعة، فلما انكشفت الحقيقة كانت صدمة عنيفة!
ولذلك قلت لبعض المسلمين ولبعض المجاهدين في بعض الدول :
لو أنفقتم 50% على الإعلام،و50% على الاستعداد للجهاد من سلاح وغيره، لكان صواباً، وماذاك إلا لأهمية الإعلام اليوم، والدعم أوالرعب الذي يبثه، فلا نقلل من شأن الإعلام، لأنه هو الذي يؤثِّر في الناس الآن.
ووقفتان أخيرتان .. من الدروس التي آمل أن لاتؤاخذوني إذا ذكرتها، وأنا والله محب لكم، ومحب للسامعين،وللجميع،وصريح معكم :
الحماس غير المنضبط، والاستغراق في اللحظة الحاضرة !
كنا نقول للشباب : اهدأوا، والوضع لايسمح بالذهاب إلى العراق !
أنا على يقين كما أنكم أمامي، أنه لن يحل مشكلة الأمة إلا الجهاد في سبيل الله، وهو الجهاد الحقيقي،وهو مقاتلة أعداء الله.. ولكن.. أن يؤتى للجهاد قبل أوانه تحدث المصيبة !
فقلت للإخوة : ادعموا إخوانكم في العراق.. بالنسبة لإخواننا في العراق يدعمون بالمال، وبكل مانستطيع، وهم قد هُجم عليهم، والدفاع ليس له شروط، جهاد الدفع ليس له شروط، لكن بالنسبة للذها ب إلى هناك فلم تكن هناك راية، لم يكن هناك ميدان، وإلى اليوم.. اسمعوا الأخبار ماالذي يحدث في بغداد ؟ الذين ذهبوا أسأل الله أن يعظم أجورهم وأن يجزيهم على قدر نياتهم، بل أعظم من نياتهم، واسأل الله لمن قتل منهم أن يكون شهيداً في سبيل الله، لأنه سأل الله الشهادة، بل سعى إليها. لكن هذا شيء،والاندفاع في غير موضعه شيء آخر!
وقلت لكم: المعركة طويلة، فنحتاج للحماس، لكننا نحتاج للحماس المنضبط بالضوابط الشرعية.
العاطفة وحدها لاتكفي .
ودراسة الآيات والأحاديث التي وردت تبين هذا الجانب، وقصة خالد في مؤتة، ادرسوها، ماذا فعل، وماذا قال له الرسول – صلى الله عليه وسلم – .
فيجب التوازن في هذه المسألة، نعم هناك مخذِّلون، مثبِّطون، لايرون الجهاد أبداً.
هؤلاء لهم شأن آخر، لاعلاقة لنا بهم.
وآخرون مندفعون متحمِّسون قد يضعون الشيء في غير موضعه، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
فهذا من الدروس، وتكرر هذا الدرس في العام الماضي عندما قلناه في أفغانستان، وحدث ماكنا نخشاه،وهاهو يتكرر اليوم في العراق.
ماأحوجنا إلى أن نتعلم، وأن نستفيد من الدروس،ونسأل الله الصدق والإخلاص ( من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)
لكن يكون بصدق، أن يكون متهيِّئاً .
في مقابلة مع قناة المجد – يوم الثلاثاء الماضي – سئلت عن العمليات الاستشهادية، وقلت : إنها هي السلاح المباشر الذي يُخيف الأعداء إذا استخدم في موطنه.
ودعوتُ الإخوة في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان أن يطوِّروا هذا السلاح فهو الذي يهز الأعداء. وإذا كانوا أكثر منا عدَّة وعدداً فنحن أقوى منهم إيماناً، وحبنا للشهادة أكثر من حبهم للحياة فهذه حقيقة. وقد ذكرت ضوابطاً لموضوع العمليات الإستشهادية ليس هذا مكان بيانها لكنها ليست مطلقة. وهي مسألة خلافية بين العلماء ولكنني من خلال بحثي للمسألة ترجح لدي القول بجواز ومشروعية العمليات الإستشهادية ولكن بضوابط حتى لايستعجل الناس وأن لاتنقل إلى بلاد المسلمين ولكن في مواطن القتال كما أشرت في فلسطين في العراق الآن وهو بلد محتل في الشيشان في كشمير المحتلة، كلها من أقوى الأسلحة وأنجح الأسلحة وهي شهادة في سبيل الله، نرجو لصاحبها أن يكون شهيداً بإذن الله. لكن مرة أخرى أقول يحتاج الأمر إلى ضوابط وعدم استعجال وبعد نظر….
وأخيراً… في هذه الأحداث ظهرت حكمة الله جل وعلا وأنَّ الله حكيم عليم وما أحوجنا إلى تأمُّل هذه الحكمة وبعد النظر للإفادة من الأحداث فالله سبحانه وتعالى حكم عدل ولايظلم ربك أحداً. ومقياس ذلك في قوله تعالى ((أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنا هذا قل هو من عند أنفسكم)) هذه لأهل أحد … أقول ما أصابنا من عند أنفسنا (( وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير)) ((ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ماترك على ظهرها من دابة)) فما أحوجنا إلى دراسة هذا الحدث والإفادة منه وبعد النظر والتأمل حتى لانؤخذ على حين غرة ..
• (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون).
• ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لايحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين).
• ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).
مآتم الظلم تتلوهن أعياد
إياك أن تجزعي إياك بغداد
أم استبد بأهليك الطغاة أذى
وراح يمتحن الأحرار جلاد؟!
ماكان للظلم أن يمحو عقيدتنا
ولن يروق لنا كفرٌ وإلحادُ
نهاية الظلم يابغداد واحدة
الله، والحق، والتاريخ أشهاد
أيها الأحبة:
عن ماذا أتحدَّث ؟
ليست العبرة أن نسرد التاريخ، ولكن العبرة أن نستفيد من التاريخ، وأن نستفيد من الأحداث، وأن تتربَّى الأمة من أحداثها.
هذه الأحداث التي جرت، وسقوط بغداد، فيها عبر وفيها دروس، أوجزها بمايلي:
فأقول : مقتصراً على أهمِّ الدروس والعبر:
أولاً: السؤال الكبير :
هل فعلاً انتصرت أمريكا وحلفاؤها ؟
الناس يتحدثون عن هذا الانتصار،ولكنني أقول لكم:
نعم، حققت أمريكا بعض المكاسب، لكنها لم تنتصر.
تحقيق المكاسب شيء، والانتصار شيء آخر.
بل إنني جلست أتأمل في الهزائم والخسائر والنكبات التي حققتها أمريكا من خلال هذه الحملة الظالمة الباغية الطاغية على العراق، وما تتوعد به من حملات آتية، فوجدتُ أن خسائرها وأن هزائمها تتفوق أضعافاً مضاعفة على ما بدا لنا من بعض الانتصارات والمكاسب السريعة.
هذه مسألة آمل ألاَّ تستغرقنا اللحظة الحاضرة فيما نشاهده، عن الحقيقة الكبرى التي كنت أتحدث بها منذ فترة طويلة، ولا أزال، وسأظل – بإذن الله – حتى نرى الأمر عياناً بياناً وهو : سقوط هذا الصنم . سقوط هذه الدولة الظالمة الباغية الطاغية: أمريكا، ومن معها.
أمريكا نعم دخلت بغداد، ودخلت العراق.
نعم.. حصلت على بعض المكاسب..
وعندما أتحدث عن أمريكا فغيرها تبع لها، ولكنها خسرت خسائر جمَّة أذكر بعضها على سبيل الإشارة لاعلى سبيل الحصر، فالمقام لايتسع لذلك.
1. أمريكا سقطت أخلاقياً.. وما أحدثته في هذه الحرب مما تهون عنده جرائم وردت في التاريخ .. يبين أن أمريكا لم تلتزم بأي ميثاق بشري ولاغيره من مواثيق الحروب التي نزلت في الكتب السماوية أوحتى التي أقرَّتها بعض القوانين البشرية، بل حتى ما أقرَّته أمريكا نفسها من قوانين لم تلتزم بها في هذه الحرب، فهي سقطت أخلاقياً.
واطمئنوا، إذا سقطت أخلاقياً فستسقط من أرض الواقع – بإذن الله – .
2. أمريكا سقطت – كما قلت أكثر من مرة – دولياً .. لتحديها دول العالم، ونُشرت احصائية – أشرت إليها في الدرس الماضي – مذهلة لبعض الدول الصديقة لأمريكا حيث وصلت شعبيتها في بعض تلك الدول إلى 25%، بل إلى 12%، وهي في نزول وانهيار – والحمدلله – بسبب حملتها الظالمة الجائرة، وتحديها العالم أجمع.
وهذا مكسب ضخم .. ماكان يتوقع أحد أن يتحقق في هذه الفترة الوجيزة القصيرة من عمر التاريخ !
شعبية أمريكا خلال سنة فقط انهارت أكثر من 50%..
والأيام القادمة .. والشهور القادمة .. والسنوات القادمة – بإذن الله – تحمل مزيداً من العداء والكُره والبُغض لأمريكا..
وقلت لكم أكثر من مرة . إذا أراد الله سقوط دولة، أسقطها من قلوب الناس قبل أن تسقط من أرض الواقع، فكما سقطت روسيا الشيوعية من قلوب الناس،حتى من المؤيدين لها، ثم سقطت من أرض الواقع، هاهي أمريكا تسقط من قلوب الناس حتى من كان يؤيدها قبل سنتين فقط، ويدافع عنها، وهذا مؤذن بسقوطها – بإذن الله – من أرض الواقع.
3. كانت أمريكا قبل سنة فقط تتهم المسلمين بالإرهاب، وليس الغريب أو العجيب أن تتهم أمريكا المسلمين بالإرهاب، فهذا ديدنها، وإنما المشكل أن الكثير صدَّق هذه الدعوى، وهذه الحملة، حتى إن بعض المسلمين، وبعض المحسوبين على الإسلام، ومن يتكلم بلغتنا، بل من بني جلدتنا صدَّق هذه المقولة فأصبح في كتاباته يكتب عن الإرهاب الذي تتحدث عنه أمريكا، وهو لايعلم أو يعلم أنها تقصده هو، فضلاً عن غيره، وماهي إلا شهور فينكشف للعالم أن أكبر دولة إرهابية في العالم هي : أمريكا .
أمريكا هي حاضنة الإرهاب، وداعمة الإرهاب، سواء في فلسطين وفي أقطار عدة من العالم.. وبالمناسبة ليس هذا جديداً، ولكنه لم ينكشف إلا أخيراً، وإلا قبل ثلاثين سنة وأمريكا تحمي الإرهاب في مواطن عدة من أنحاء العالم.. الإرهاب الحقيقي، سواء إرهاب اليهود أو المنظمات الإرهابية الحقيقية، كانت أمريكا هي التي تدعمها، وكانت أمريكا هي التي تمدَّها..
لم ينكشف هذا للعالم، وماكان يعرفه إلا خواص الناس والساسة، والمتخصصين فإذا هو ينكشف للعالم أنه لاأحد يجاري أمريكا في إرهابها..
وماحدث في بغداد، وفي العراق، وما تتوعد به الآن دليل على ذلك.
بعد دخول بغداد.. سئل وزير الدفاع الأمريكي :
أين أسلحة الدمار الشامل ؟
انظروا لهذه الإجابة الخبيثة التي تدل على ما تخفي صدورهم، وما نطقت به ألسنتهم، وما تخفي صدورهم أكبر.. قال:
إن أسلحة الدمار الشامل يبدو أنها هُرِّبت إلى سوريا..!! وهو أراد أن يكسب شيئين:
1- أن يقول للناس: نحن ما كذبنا أن في العراق أسلحة دمار شامل، لكن هرَّبها إلى سوريا.
2- وحتى تكون ذريعة لمواجهة سوريا التي بدأت لها التهديدات الآن، وإذا دخلوا سوريا – وأسأل الله أن لا يحقق أمنيته – سيقول: هُرِّبت إلى البلد الفلاني، وهكذا دواليك..
والمعركة قائمة الآن.. اليوم ذكرت الصحف أن أحد كبار المسئولين في أمريكا انضم – قالت انضم – لعدد من المسئولين الأمريكان الذين يهددون عدداً من دول المنطقة، وخاصة بعد ما رأوه من انتصار – والله المستعان –.
إذن هذا.. بيَّن من أصبح الإرهابي ؟هذا مكسب: أن يعرف العالم أن أمريكا هي داعمة الإرهاب، وداعية الإرهاب.
4. أيضاً.. أمريكا دخلت بغداد.. ولكنها دخلت معركة لن تنتهي – بإذن الله – إلا بهزيمتها الساحقة.. دخلت في حروب ومواجهات لن تنتهي، بل ما حدث في العراق، وفي بغداد، ليس إلا أول المعركة، وهذا قلته لكم قبل ثلاثة أسابيع بل إنني قلت بعد بدء ضرب بغداد بساعات بموقع: (الإسلام اليوم) قلت: لم تبدأ المعركة بعد.. أي أن المعركة في بدايتها، والمعركة طويلة، وطويلة وطويلة..
وأبشروا وأسأل الله أن تكون قصيرة، وستكون بهزيمة أمريكا وحلفائها – بإذن الله –.
إذن هي لن تنعم بالأمن.. لن تنعم بالراحة.. لن تنعم بالهدوء.. لن تستقر لا في داخلها، ولا في خارجها.. لن تستقر مصالحها في الخارج، ولا في الداخل، وهذا لاشك هزيمة لأمريكا بدل أن كانت من أكثر دول العالم أمناً مع وقوع الجرائم، لكن كانت الجرائم فردية، الآن دخلت في مواجهات أكبر من ذلك..
5. وأخيراً.. انكشفت أمريكا على حقيقتها، وسقطت شعارات العدالة والحرية، والديمقراطية التي طالما تغنَّت بها أمريكا، وصدَّقها المغفلون من أبناء المسلمين، فضلاً عن غيرهم من العالم.
وأعطيكم مثلاً واحداً برهاناً على ذلك:
أليست الحملة اسمها: (حملة حُرِّية العراق).
ثمَّ.. سقطت بغداد.. ما الذي حدث في العراق ؟ انتهى النظام – كما أعلن الرئيس الأمريكي نفسه – بدأ النهب والسلب والقتل والاقتتال بين أبناء العراق من المسلمين وغيرهم.. وعندما أقول: (أبناء العراق) لا يعني أنهم كلهم من المسلمين..
أين الحُرِّية التي جاءت بها أمريكا ؟ جاءت الفوضى، وجاء الدمار، وجاء الإخلال بالأمن، وجاءت السرقات.. هذه هي حُرِّية العراق، كما تفهمها أمريكا..
باختصار.. هذه بعض الهزائم الضخمة بعيدة المدى التي حققتها أمريكا في هذه الحملة، فمن المنتصر ؟
هل انتصرت ؟ قد تكون انتصرت في بادي الأمر، أو حققت بعض المكاسب، ولكنها في الحقيقة لم تنتصر، ولن تنتصر – بإذن الله – .
هذا درس عظيم.. حتى لا نعيش اليأس والقنوط والتشاؤم والاستسلام، كما يروِّج له البعض من بعض الكُتَّاب الذين يقولون: هذه أمريكا، وهذا جزاء من يواجهها، فهم يهيئون لمرحلة قادمة من أجل الاستسلام لهذا العدو الغاشم.
ثانياً: الدرس الثاني، وهو درس عظيم:
سقوط الشعارات الوثنية من قومية وبعثية وغيرها بشكل لم يكن يتصوره أكثر الناس.
وهذه الشعارات – أيها الإخوة – سبق أن ذكرت لكم في محاضرة.. في كتاب: (رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية) قبل سنتين، وقلت:
إنه تحقق في فلسطين انتصارات ضخمة، ومن أعظم هذه الانتصارات:
سقوط الشعارات العلمانية والبعثية والقومية وغيرها في فلسطين، ولم يبق إلا راية الإسلام، هي التي تواجه اليهود في فلسطين.
هذا مكسب ضخم، الآن المعركة متعددة بين اليهود وبين المسلمين في داخل فلسطين ومن يرفع راية الجهاد، وسقطت جميع تلك الشعارات التي قبل ثلاثين سنة تقول: سنلقي إسرائيل في البحر.
هذا السقوط مكسب ضخم..
الآن أيضاً: سقوط ركن من أركان الظلم، وهو الحكم البعثي في العراق.. لا شك أنه مكسب، وسقوط هذا الشعار: شعار القومية أو شعار البعثية،كل الشعارات الوثنية ستتساقط بإذن الله.
وهنا – أيها الإخوة – آمل أن ترعوني أسماعكم لحقيقة تنمو وتكبر يوماً بعد يوم، أقول لكم – واثقاً بوعد الله وبنصره – .
إن الإسلام قادم، وإن النصر قادم، وإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
الذي يرقب المسيرة منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة، يلحظ هذا الأمر: تتهاوى عروش ضخمة عدوة لله ولرسوله، وترتفع رايات قوية تنصر دين الله – جل وعلا.
- هوت الشيوعية، وهي عقبة كؤود أمام المسلمين.
- هوت المنظمات التي كانت في داخل المسلمين: القومية، الناصرية، البعثية، العلمانية، كثير.. هوت الآن.. ومن لم يهوِ منها يتهاوى.. وهذا أيضاً انتصار ضخم للمسلمين، والآن تتهاوى أمريكا.. وهذا انتصار ضخم للمسلمين.
في النهاية: المسلمون يرتفعون، ويعودون إلى ربهم، ويدركون فعلاً كيف يكون لهم المستقبل – بإذن الله – وأعداؤهم يتهاوون واحداً تلو الآخر.
لو أحصينا – خلال ثلاثين سنة – ما سقط من أعداء لأمة الإسلام ولهذا الدين فإذا هي أعداد ضخمة – كما أشرت لكم – سواء خارج بلاد المسلمين أو في داخلها. وهذا يجب أن لا نغفل عنه، وهو مكسب لا بد أن تمر به الأمة حتى تحقق النصر.. (ولكنكم تستعجلون).
إذن: سقوط البعثية، سقوط القوميات، سقوط الشعارات التي أقضَّت الأمة، وأزعجت الأمة زمناً طويلاً.. ثلاثين أو أربعين سنة.. هذا انتصار للأمة، لا يقدَّر بثمن، ولكن لا تزال الأمة أمامها طريق طويل من أجل أن تعيد مجدها وعزّها – بإذن الله.
ثالثاً: أيضاً من هذه الدروس:
قارن بعملية يسيرة: بين مواجهة المسلمين لأعدائهم، في أفغانستان عندما واجهوا روسيا، أو في فلسطين وهم الآن يواجهون اليهود، أو في الشيشان وهم يواجهون أيضاً الروس، أو في كشمير وهم يواجهون الهند مع قلة عددهم وعدتهم، وثباتهم إلى الآن، ويزدادون ثباتاً بعد ثبات – والحمد لله – .
بينما دولة ضخمة كالعراق، بأسلحتها وأموالها ونظامها وأرضها تهوي في ثلاثة أسابيع. يعطينا حقيقة لامجال فيها :
أن الذي يقف أمام مد الطغيان والكفر هو الإسلام.
وأن جميع الشعارات مهما كانت قوتها لاتستطيع أن تقف مع من هو أقوى منها، أما إذا كان الإسلام هو المقابل فإنه يثبت ثبوتاً يبهر أعداءه قبل أصدقائه.
وهنا أعطيكم قاعدة :
أن سنن الله . الكونية إذا تدافعت غلب الأقوى، أما إذا انضمَّت السنة الشرعية فإنه في هذه الحالة تكون القوة والغلبة للسنة الشرعية : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) ( ولما برزوا لجالوت وجنوده) وهم قلة ضعفة، عددهم محدود، ودعوا الله: ( ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) ( فهزموهم بإذن الله، وقتل داود جالوت) سبحان الله .. ( قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال: كلا، إن معي ربي سيهدين).
إذن . ثبات المسلمين في أفغانستان حتى سقطت روسيا، وليس فقط حتى خرجت من أفغانستان،وثبات المسلمين الآن على قلتهم وضعفهم في فلسطين، واليهود يعانون معاناة وهزيمة ورعباً في داخل فلسطين – زادهم الله رعباً وذلاً –، وفي الشيشان .. عدد سكان الشيشان كله رجاله ونساؤه، كباره وصغاره .. المجاهدون وغير المجاهدين، كلهم قرابة مليون، والجيش الروسي مليون، الجيش الروسي المدجج بالسلاح مليون، وثابتون منذ قرابة عشر سنوات وفي كشمير يواجهون دولة طاغية ظالمة باغية، تملك سلاحاً نووياً وأسلحة فتاكة، وثابتون منذ سنوات عدة – والحمد لله – .
فأبشروا بالخير.. أليس هذا من الانتصار ؟
لامكان لليأس .. لامكان للتشاؤم.. ولكن مرة أخرى أقول :
إن الطريق طويل، ويحتاج إلى صبر وتحمُّل وبُعد نظر وعدم استعجال.
رابعاً / من هذه الدروس التي نقف معها :
هو ما أشرتُ إليه عندما قلت :
لن يقف أمام اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر إلا المجاهدون الصادقون، وهذا يتطلَّب استعداداً مبكراً، واستثماراً لكل الفرص، مع عدم الاستعجال أو اليأس أو القنوط.
وهذا حديثنا مع سورة يوسف – إن شاء الله – بعد الآذان. حيث سأبيِّن أن جميع مقوِّمات النصر، والتي تحقَّق بها انتصار يوسف موجودة في سورة يوسف وسيرته – عليه السلام – فإذا أخذنا بها حصل لنا العز والتمكين، كما حصل ليوسف.
خامساً: من الدروس :
ظهر الرافضة على حقيقتهم،فما أن تمكنوا، واطمأنوا إلى تمكن أمريكا، فإذا هم يعيثون في الأرض فساداً .. وإذا هم يبدأون في قتل إخواننا أهل السنة، وهذا ماكان يخشاه إخواننا من قبل الحرب، أما المقاومة التي حدثت في أول دخول القوات الأمريكية فلها عوامل وأسباب ليس هذا مكان بيانها، وتفاصيل أدعها لحينها،أما الحقائق فقد ظهرت الآن .. وهذا يظهر قوة العلاقة بين أمريكا والرافضة، منذ سنوات ونحن نقول هذا الكلام.
ومن أبرز مظاهر ذلك : أن الذين رحَّبُوا بالقوات الأمريكية عندما دخلت بغداد أغلبهم من الرافضة، ما أقول كلهم من الرافضة، أغلبهم من الرافضة.
وهذا ليس كلامي أنا، وإنما كلام وسائل الإعلام الغربية…
القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الغربية ذكرت : أن الذين رحَّبُوا بأمريكا أكثرهم من الرافضة.. وليس هذا غريباً عليهم.
ثم الآن أكثر الزعماء الذين برزوا – لاأريد ذكر أسماءهم – كلهم من الرافضة، وأثبتوا عمالتهم لأمريكا ومساعدتهم لأمريكا قبل دخولها.. واقرأوا الصحف تجدون هذه الحقيقة .. كأحمد الجلبي وغيره، وحزام التميمي .. وتميم بريئة منه.. هذه حقائق.. قوة العلاقة بين أمريكا والرافضة قديمة.. وتذكرون في هذا المكان قلت لكم قبل ستة أشهر تقريباً أو خمسة أشهر قلت :
إن (70%) في دراسة استطلاعية أجريت في إيران، تطالب بتوثيق العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية .. حقائق.. أرقام.. فأين دعاة التقريب ؟ أين دعاة التسامح ؟ أين الذين يقولون – مع كل أسف – لاداعي لإثارة الفروق المذهبية ؟
من قال : إن خلافنا مع الرافضة هو فروق مذهبية ؟!
نعم .. لاداعي لإثارة الفروق المذهبية بين الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة .. نعم.. لايجوز هذا الأمر .. وهذا يخدم العدو.
أما الرافضة نحن نختلف وإياهم في الأصول لافي الفروع.
والحقيقة: أننا لانلتقي وإياهم أبداً في الطريق.
لانخدع بما يقال، فهم من أكثر الناس كذباً على مر التاريخ..
اليهود على كذبهم، لم يصلوا في الكذب كما وصل إليه الرافضة، لماذا ؟
لأن الكذب عند الرافضة جزء من عقيدتهم أدخلوه باسم التقية، فهم يخدعون الناس، ويكذبون على الناس، ولكن عندما تظهر الحقائق يظهرون على حقيقتهم.
فأقول لهؤلاء المخدوعين من أبناء جلدتا:
رويدكم، إياكم أن تخدعوا، وإن كنتم منخدعين فلا تخدعوا غيركم من أبناء الأمة .
نعم .. أنا أقول: قد تقتضي المصلحة الشرعية والسياسة الشرعية أن نتقي شرهم كما نتقي شر غيرهم، وهذا يُحدَّد في مكانه وزمانه وأسلوبه ضمن الأطر الشرعية، وأصول الشرع تقضي بأن المفسدة الكبرى قد تدفع بالصغرى.
أما أن نقول : إنه ليس بيننا وبينهم فروق فهذا باطل وخداع !! .. بل إنني أدعو هنا إلى دعوة الرافضة للإسلام الصحيح،وقد حقَّقت هذه الدعوة نجاحاً ضخماً – والحمدلله – في عدد من مناطق المملكة، وفي غيرها.. أن يدعوا إلى الإسلام، والالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، وهذا أمر قصَّرنا فيه كثيراً فاستغله الأعداء.
وموقفي من الرافضة قد بيَّنته في مذكرة قدمتها لهيئة كبار العلماء قبل قرابة عشر سنوات بعنوان : الرافضة في بلاد التوحيد – كفانا الله شرَّهم – .
هذه حقيقة ظهرت مع الأحداث، لابد أن نكون على يقظة وتنبه لها.
سادساً: من الدروس العجيبة :
نهاية الظالمين ..
وهي سنة كونية، طال الزمن أوقصر، فإن لهم موعداً لايستأخرون عنه ساعة ولايستقدمون.
فهذا ظالم سقط، وهذا مؤذن بإذن الله بسقوط من هو أعظم منه ظلماً وهي أمريكا ومن معها، واليهود ومن معهم، وكل من حالفهم أو أيدهم، فهذه نهاية الظالمين.. درس عظيم من دروس سقوط بغداد (( إن ربك لبالمرصاد))، (( فلا تحسبنَّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون)) (( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)).
سابعاً: من الدروس أيها الأحبة:
عدم الاستعجال . والثقة بوعد الله، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك .
ومن أسباب تأخر النصر :
أن الأمَّة ليست أهلاً له الآن – والعلم عند الله – .
وواقعها العام والخاص يشهد بذلك، وإلا فوعد الله لايتخلف أبداً، ولكن تتخلف أسبابه، وتوجد موانعه، فإذا توافرت الأسباب، وزالت الموانع تحقَّق النصر بإذن الله (وعدالله، لايخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لايعلمون).
فلا تستعجلوا.. أبشروا بالخير وأمِّلوا واثبتوا واصبروا وصابروا، وسترون – بإذن الله – أويرى أبناؤكم ما يسرُّهم ويسر هذه الأمة .
المهم .. أن نأخذ بأسباب النصر، وأن لانقف متفرجين .. ( يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ماقاتلوا إلا قليلاً ) .
مما أظهرته الأحداث وتأثرت له كثيراً :
الحاجة إلى إصلاح الأمة في عامتها وخاصتها.
ففي الوقت الذي كان الطغاة البغاة يدخلون بغداد ويستبيحون هذه الدولة المسلمة بشعبها المسلم،فإذا مباراة تقام في الوقت نفسه يحضرها أكثر من (50) ألف متفرج!!!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..!!
والله يا أحبتي .. إنها لمأساة .. حتى في هذه اللحظات ؟! أكثر من (50) ألف، غصَّت بهم المدرجات، يصيحون ويصفِّرون ويشجِّعون..!!
يشجِّعون ماذا ؟ وقوَّات الصليب تجتاح بغداد!
ألا نستحي من الله ؟ ألا نخاف من الله ؟ ما أحلم الله علينا! ما أحلم الله!
فيا أحبتي الكرام .. لانتساهل في هذه المسائل..
الأمة بحاجة إلى إصلاح في داخلها من أفرادها ومن عامتها وخاصتها، كلٌ منايبدأ في بيته..
كثيراً مانسمع النقد للدول وللمؤسسات.. لكن مامدى تطبيق الإسلام على بيوتنا وعلى أنفسنا ؟ كل منكم ينظر إلى بيته الآن، بل إلى نفسه:
مامقدار قيامه بأمر الله – جل وعلا – في صلاته، في عبادته، في إنابته، في أخذه بالحق، في ماله، في أكله، في شربه، في تربية أبنائه..
بل إن البعض بسبب هذه الأزمة أدخلوا آلات اللهو والدشوش إلى بيوتهم باسم متابعة الأخبار، فأدخلوا بلاء ً عظيماً إلى بيوتهم.
الاستراحات .. المقاهي مليئة بالشباب.. ماذا يفعلون في تلك المقاهي والاستراحات ؟
الأسواق مليئة بما مايغضب الله – جلََّ وعلا – وهذه تكون من أسباب العقوبة – أيها الأخوة – .
( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ) 000.
هذه سنة كونية، إذا أردا الله إهلاك قرية، إهلاك أمة، إهلاك بلد تسلَّط المفسدون السفهاء، فعبثوا فيها وأفسدوا فحق عليها القول .. حق عليها العذاب، فيدمِّرها الله تدميراً .
الناس الآن لايستمعون إلى المواعظ، لوجاء أحد يعظهم لملَّوا، ولذلك فإني أقول لكم : أول مانبدأ بالوعظ في أنفسنا، وفي بيوتنا، وأن نقيم حِلَق الذكر في بيوتنا، ومع أهلنا وعشيرتنا،وفي مساجدنا، هذا العدد الذي يستمع إلى هذه الكلمة أمامي الآن،هذا العدد الطيِّب الخيِّر، لو أنهم بثَّوا وانتشروا في مناطق عدة، وذكَّروا ووعظوا لأحيوا الأمة، وإلا فإنني أخشى من عقوبة، ونحن نتفرج الآن على العقوبات تحل بالبلاد القريبة منا.
أفنأمن ونطمئن ؟
هل بيننا وبين الله عهد وميثاق أن يمنع عنا العقوبة إلا بالالتزام بدينه ؟
فإذا تخلينا عن دينه، وعن عقيدتنا فأخشى أن يحلَّ بنا ماحلَّ بغيرنا !
فعودوا إلى الله .. توبوا إلى الله .. واقع مؤلم.. الأحوال لم تتغير.. لم يعد الناس إلى الله – جل وعلا –، ولذلك صدقت كلمة الإمام/ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – عندما قال هذه الكلمة العجيبة الرائعة :
إن مشركي زماننا أشد شركاً من الأولين.
لأن الأولين إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، أما مشركوا زماننا فلا يعودون إلى الله، لافي السرَّاء ولافي الضرَّاء.
هذا درس عظيم من هذه الدروس: المبادرة .. المبادرة، قبل حلول العقوبة.
ثامناً: أيضاً من هذه الدروس:
سذاجة الشعوب وبساطتها.
شعوب ساذجة بسيطة، سواء المعجبون بصدام، أو المعجبون المرحِّبون بأمريكا.
كم ضاعت الأمة وهي تصفِّق للطغاة.
عشرون سنة أو ثلاثون سنة تصفِّق لصدَّام، وقبل صدَّام كانت تصفِّق لآخرين هووا وذهبوا، والآن يسقط صنم، فيرحبون بأمريكا ببساطة وسذاجة عجيبة جداً .
إذن هذا يحتاج إلى إصلاح الأمة، وإلى بث الوعي فيها أكثر من أي وقت مضى.
تاسعاً: من هذه الدروس:
إن الأمة – في هذه الأحداث – ثبت أن فيها أخياراَ وصلحاء، وعلماء ومجاهدين، ورجال من المجاهدين الذين أثبتت الأحداث صدقهم وضربوا لنا، وفتحوا صفحات مشرقة بإيمانهم وحسن ظنهم بربهم، ذكَّرونا بعهد السلف – رضوان الله عليهم – من الرجال والنساء.
الأمة فيها أخيار، الأمة فيها خير، فيها صلاح، في الوقت الذي أقول وبغداد تسقط وكان أكثر من (50) ألف يتفرَّجون على مباراة، مع ذلك لدينا من الأخيار والشباب الصالحين والعلماء رجالاً ونساء مايسر – والحمد الله – .
الآن عدد النساء اللاَّتي أقول إنهن من العالمات، لاأستطيع أن أقول إنهن بالمئات أبالغ، ولكنهن بالعشرات – والحمد لله – .
أما الداعيات والخيِّرات فهن بالمئات، إن لم يكن أكثر من ذلك.
منطقة الرياض فقط فيها (200) دار نساء، فيهن أكثر من (40) ألف امرأة، مجموع المنتمين لجماعة تحفيظ القرآن – كما سألت قبل يومين – في الرياض فقط، والقرى المحيطة،أكثر من مائة ألف فرد، يحملون القرآن، ويحفظون القرآن، ويقبلون على القرآن .. هذا فقط في الجماعات الخيرية، دون مدارس تحفيظ القرآن، ودون عدد من المدارس التي لاعلاقة لها بدور التحفيظ … غير أولئك الذين في داخل بيوتهم، أو في الجامعات .. هذا في مدينة الرياض فقط…
الخير موجود .. ثبت في هذه الأحداث أن هناك رجالاً يتألَّمون ويتحسَّرون على واقع أمَّتهم، من أكثر مايأتينا من الرسائل هي الدعوة للجهاد، وطلب الجهاد، والاستعداد للبذل بالمال والنفس والأهل.
الأمة فيها خير كثير، ولكنها تحتاج إلى جمع هذه الجهود وترتيب هذه الجهود، حتى لاتذهب هباء.
عاشراً: من الدروس العجيبة :
أن الجيوش والأمم إذا رُبيَّت على خدمة الأفراد وطاعتهم هُزِمت في لحظات،أما إذا رُبِّيت على طاعة الله – جل وعلا – انتصرت، وعاشت بين الأمم .
الأمة بُلِيت في عصورها المتأخرة بعدد من الدول التي تربِّي أفرادها على حب الأفراد والطاعة للأفراد، الطاعة العمياء من دون الله – جل وعلا – .
ومن آخر الأمثلة في ذلك :
ماحدث في العراق، فلما هوى الصنم استسلم الجميع.
وقد انتبه لهذا أبو بكر – رضي الله عنه – ، وانتبهوا للمقارنة :
لما توفِّي – صلى الله عليه وسلم – وكان الموقف الذي وقفه بعض الصحابة من هول الصدمة والمفاجأة، حتى قال بعضهم، كما قال عمر : إن محمداً– صلى الله عليه وسلم – لم يمت، قام أبو بكر فقال قولته – التي تعتبر من أقوى مواطن الثبات – :
( من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات،ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت).
هذا في حق محمد – صلى الله عليه وسلم – فكيف بتعبيد الناس للطواغيت وللأصنام..
إذا تهاوى الصنم تهاوى الجميع، أما إذا عُبِّدت الأمة لله،في حبها في بغضها في كل شأنها ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
إذا عُبِّدت لله كانت النتائج الباهرة، ولذلك قلت لكم : انظروا سرعة السقوط في بغداد، والثبات الذي ثبته المجاهدون في فلسطين وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي كشمير، وفي غيرها، زادهم الله ثباتاً وعزاً ونصراً .
لانهم هناك عُبِّدوا لله، لم يُعبَّدوا لمنظمة ولالفرد، حتى لوكان صالحاً..
وأذكر لكم قصة حدثت معي شخصياً أيام جهاد أفغانستان :
كنت في زيارة إلى هناك من أجل مساعدة إخواننا في أفغانستان، عندما كانت منظماتهم تعمل في باكستان، فسألت (سيَّاف) سؤالاً لاتزال إجابته ترن في أذني، قلت له : إن مما لاحظته أن بعض زعماء المجاهدين الأفغان يرفعون صورهم في معسكراتهم، والأفراد التابعين لهم، وأنت أراك لاترفع أي صورة لك .
قال : إن جهادنا لله – جل وعلا –، ونحن نجاهد في سبيل الله، فإذا رفعت صورتي سيتحوَّل جهادي من أن يكون لله ليكون دفاعاً عن هذه الصورة، فأنا لاأريد أن أرفعها حتى تبقى نيتي لله – جل وعلا – وصدق !
مجرد رفع صورة قد يحوِّل الولاء فيكون للأفراد بدلاً من أن يكون لله.
ولذلك لمَّا دخل المجاهدون كابل بدأت العصبية الشخصية والفردية التي دمَّرت أفغانستان – كما تعلمون – .
هذا يتعصَّب لهذا الزعيم، وهذا يتعصَّب لهذا الزعيم، وهذا يتعصَّب لهذه القبيلة، ولهذه الطائفة حتى حلَّ بأفغانستان مالايخفى عليكم.
فلذلك علينا أن نعبِّد الناس لله، ولا نعبِّدهم لأحد من البشر كائناً من كان، فإذا كان أبو بكر – رضي الله عنه – يقول في حق محمد – صلى الله عليه وسلم – :
(من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لايموت)
فكيف يعبَّد الناس لأمثال هؤلاء !
وهذه نتيجة مؤلمة رأينا حقيقتها في بغداد، وقبل ذلك في دول أخرى .
الحادي عشر: أيضاً من هذه الدروس:
نحن عاطفيون
العاطفة مهمة وجميلة وجيدة، لكن يجب أن تخضع للعقل، والعقل يجب أن يخضع للشرع.
لاحظوا: بدأ سقوط بغداد بعد العصر!
بعض الإخوان كان يقنت في كل يوم العشاء، أوقف القنوت في صلاة العشاء!! سبحان الله .. حتى العشاء ماقنت ! قال : خلاص انتهى الأمر!
والأسئلة ! لاأحصي ماجاءني من أسئلة : هل نقنت أو نوقف القنوت ؟
الآن حاجة المسلمين للقنوت أكثر من حاجتنا من قبل، لأن العدو الذي جاءنا أعظم ظلماً وطغياناً وكبراً من الظالم الأول.
ومأساة العراق التي كنا نقنت من أجلها، الآن تتحوَّل إلى مأساة العراق، ومأساة المسلمين أجمعين.
التهديدات الآن على قدم وساق، اقرأوا وسائل الإعلام.. تهديدات لدول تهديدات لشعوب .. تهديدات لأنظمة..
وهكذا يفعل المنتصر إذا كان ظالماً طاغياً باغياً، لايفكِّر في السنن الكونية، فأقول: العاطفة جميلة وجيدة، لكن يجب أن تحكم بالقواعد الشرعية، والضوابط الشرعية.
الثاني عشر: من تلك الدروس التي رأيناها:
قوة الإعلام
والحرب خدعة – كما قال النبي صلى الله عليه وسلم – .
أستطيع أن أقول : إن الإعلام هو الذي أدار المعركة أكثر من السلاح !
والغرب متفوِّقون – قاتلهم الله – في هذا الأمر.
وإعلام بعض الدول العربية هو الذي أحدث الهزيمة في نفوس المسلمين، لأنهم كانوا يعطون أرقاماً خادعة، فلما انكشفت الحقيقة كانت صدمة عنيفة!
ولذلك قلت لبعض المسلمين ولبعض المجاهدين في بعض الدول :
لو أنفقتم 50% على الإعلام،و50% على الاستعداد للجهاد من سلاح وغيره، لكان صواباً، وماذاك إلا لأهمية الإعلام اليوم، والدعم أوالرعب الذي يبثه، فلا نقلل من شأن الإعلام، لأنه هو الذي يؤثِّر في الناس الآن.
ووقفتان أخيرتان .. من الدروس التي آمل أن لاتؤاخذوني إذا ذكرتها، وأنا والله محب لكم، ومحب للسامعين،وللجميع،وصريح معكم :
الحماس غير المنضبط، والاستغراق في اللحظة الحاضرة !
كنا نقول للشباب : اهدأوا، والوضع لايسمح بالذهاب إلى العراق !
أنا على يقين كما أنكم أمامي، أنه لن يحل مشكلة الأمة إلا الجهاد في سبيل الله، وهو الجهاد الحقيقي،وهو مقاتلة أعداء الله.. ولكن.. أن يؤتى للجهاد قبل أوانه تحدث المصيبة !
فقلت للإخوة : ادعموا إخوانكم في العراق.. بالنسبة لإخواننا في العراق يدعمون بالمال، وبكل مانستطيع، وهم قد هُجم عليهم، والدفاع ليس له شروط، جهاد الدفع ليس له شروط، لكن بالنسبة للذها ب إلى هناك فلم تكن هناك راية، لم يكن هناك ميدان، وإلى اليوم.. اسمعوا الأخبار ماالذي يحدث في بغداد ؟ الذين ذهبوا أسأل الله أن يعظم أجورهم وأن يجزيهم على قدر نياتهم، بل أعظم من نياتهم، واسأل الله لمن قتل منهم أن يكون شهيداً في سبيل الله، لأنه سأل الله الشهادة، بل سعى إليها. لكن هذا شيء،والاندفاع في غير موضعه شيء آخر!
وقلت لكم: المعركة طويلة، فنحتاج للحماس، لكننا نحتاج للحماس المنضبط بالضوابط الشرعية.
العاطفة وحدها لاتكفي .
ودراسة الآيات والأحاديث التي وردت تبين هذا الجانب، وقصة خالد في مؤتة، ادرسوها، ماذا فعل، وماذا قال له الرسول – صلى الله عليه وسلم – .
فيجب التوازن في هذه المسألة، نعم هناك مخذِّلون، مثبِّطون، لايرون الجهاد أبداً.
هؤلاء لهم شأن آخر، لاعلاقة لنا بهم.
وآخرون مندفعون متحمِّسون قد يضعون الشيء في غير موضعه، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
فهذا من الدروس، وتكرر هذا الدرس في العام الماضي عندما قلناه في أفغانستان، وحدث ماكنا نخشاه،وهاهو يتكرر اليوم في العراق.
ماأحوجنا إلى أن نتعلم، وأن نستفيد من الدروس،ونسأل الله الصدق والإخلاص ( من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)
لكن يكون بصدق، أن يكون متهيِّئاً .
في مقابلة مع قناة المجد – يوم الثلاثاء الماضي – سئلت عن العمليات الاستشهادية، وقلت : إنها هي السلاح المباشر الذي يُخيف الأعداء إذا استخدم في موطنه.
ودعوتُ الإخوة في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان أن يطوِّروا هذا السلاح فهو الذي يهز الأعداء. وإذا كانوا أكثر منا عدَّة وعدداً فنحن أقوى منهم إيماناً، وحبنا للشهادة أكثر من حبهم للحياة فهذه حقيقة. وقد ذكرت ضوابطاً لموضوع العمليات الإستشهادية ليس هذا مكان بيانها لكنها ليست مطلقة. وهي مسألة خلافية بين العلماء ولكنني من خلال بحثي للمسألة ترجح لدي القول بجواز ومشروعية العمليات الإستشهادية ولكن بضوابط حتى لايستعجل الناس وأن لاتنقل إلى بلاد المسلمين ولكن في مواطن القتال كما أشرت في فلسطين في العراق الآن وهو بلد محتل في الشيشان في كشمير المحتلة، كلها من أقوى الأسلحة وأنجح الأسلحة وهي شهادة في سبيل الله، نرجو لصاحبها أن يكون شهيداً بإذن الله. لكن مرة أخرى أقول يحتاج الأمر إلى ضوابط وعدم استعجال وبعد نظر….
وأخيراً… في هذه الأحداث ظهرت حكمة الله جل وعلا وأنَّ الله حكيم عليم وما أحوجنا إلى تأمُّل هذه الحكمة وبعد النظر للإفادة من الأحداث فالله سبحانه وتعالى حكم عدل ولايظلم ربك أحداً. ومقياس ذلك في قوله تعالى ((أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنا هذا قل هو من عند أنفسكم)) هذه لأهل أحد … أقول ما أصابنا من عند أنفسنا (( وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير)) ((ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ماترك على ظهرها من دابة)) فما أحوجنا إلى دراسة هذا الحدث والإفادة منه وبعد النظر والتأمل حتى لانؤخذ على حين غرة ..